تذنیب‏: فی دعویٰ دلالـة ا‏لنهی علی ا‏لصحـة

تذنیب : فی دعویٰ دلالـة النهی علی الصحـة

‏ ‏

‏حکی عن أبی حنیفـة والشیبانی : دلالـة النهی علی الصحّـة فی العبادات‏‎ ‎‏والمعاملات ، وعن الفخر : الموافقـة لهما‏‎[1]‎‏ .‏

وفی الکفایـة‏ : أنّ التحقیق یقتضی المصیر إلیـه فی المعاملات فیما إذا کان‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 225
‏النهی عن المسبّب أو التسبّب ؛ لأنّـه یشترط فی التکلیف کون متعلّقـه مقدوراً‏‎ ‎‏للمکلّف ، ولایکاد یقدر علیهما إلاّ فیما کانت المعاملـة مؤثّرةً صحیحـة ، بخلاف ما‏‎ ‎‏إذا کان النهی عن السبب ؛ فإنّـه مقدور وإن لم یکن صحیحاً‏‎[2]‎‏ .‏

‏هذا ، ولکن لایخفیٰ أنّ هذا فی الحقیقـة تصدیق لقول أبی حنیفـة فی‏‎ ‎‏المعاملات مطلقاً ؛ لأنّ السبب بما هو فعل من أفعال السبب مع قطع النظر عن‏‎ ‎‏سببیّتـه لایکون معاملةً ، وکلامـه إنّما هو فی النهی عنها ، کما لایخفیٰ .‏

ثمّ إنّـه ذکر بعض المحقّقین من محشّی الکفایـة‏ فی مقام الجواب عن أبی‏‎ ‎‏حنیفـة وردّ کلامـه ما حاصلـه : أنّـه إذا کان صحّـة الشیء لازم وجوده بحیث لا‏‎ ‎‏تنفکّ عنـه ، فالنهی عنـه یکشف عن صحّتـه ؛ إذ المفروض أنّـه لا وجود لـه إلاّ‏‎ ‎‏صحیحاً ، فلابدّ من کونـه مقدوراً فی ظرف الامتثال ، والمفروض أنّ وجوده یلزم‏‎ ‎‏نفوذه ، ولکن حیث إنّ ذات العقد الإنشائی لایکون ملازماً للصحّـة ، فمقدوریّتـه‏‎ ‎‏بذاتـه لا ربط لـه بمقدوریّتـه من حیث هو مؤثّر فعلی ، ومن المعلوم أنّ تعلّق النهی‏‎ ‎‏بـه لایوجب إلاّ مقدوریّتـه بذاتـه .‏

‏نعم ، التحقیق أنّ إیجاد الملکیـة حیث إنّـه متّحد مع وجود الملکیّـة بالذات‏‎ ‎‏ومختلف معـه بحسب الاعتبار ، وأمرها دائر بین الوجود والعدم ، فلایتّصف‏‎ ‎‏بالصحّـة ؛ لأنّ وجود الملکیـة لیس أثراً لـه حتّیٰ یتّصف بلحاظـه بالصحّـة ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الشیء لایکون أثراً لنفسـه ، وأمّا الأحکام المترتّبـة علی الملکیـة فنسبتها إلیها‏‎ ‎‏نسبـة الحکم إلی الموضوع ، لا نسبـة المسبّب إلی السبب لیتّصف بلحاظـه‏‎ ‎‏بالصحّـة .‏

‏فظهر أنّ النهی عن إیجاد الملکیـة وإن کان دالاًّ علیٰ مقدوریّتـه ، لکنّـه‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 226
‏لایدلّ علیٰ صحّتـه ؛ لأنّ وجودها لیس أثراً لـه ، بل هو نفسـه ، والنهی عن السبب‏‎ ‎‏وإن دلّ علیٰ مقدوریّتـه ، إلاّ أنّـه لایلازم الصحّـة ، فقول أبی حنیفـة ساقط علیٰ‏‎ ‎‏جمیع التقادیر‏‎[3]‎‏ . انتهیٰ .‏

وأنت خبیر‏ : بأنّ السبب من حیث هو لایکون معاملةً أصلاً ، وإنّما هو عبارة‏‎ ‎‏عن إیجاد الملکیّـة ووجودها وإن لم یکن أثراً لـه حتّیٰ یتّصف بلحاظـه بالصحّـة ،‏‎ ‎‏إلاّ أنّ المقصود لیس اتّصافـه بها حتّیٰ یورد علیـه بما ذکر ، بل الغرض أنّ النهی‏‎ ‎‏حیث یدلّ علیٰ مقدوریّـة متعلّقـه ، فلا محالـة یکون إیجاد الملکیـة مقدوراً لـه ،‏‎ ‎‏وهو یوجب صحّـة المعاملـة .‏

‏وبالجملـة غرضـه لیس اتّصاف الإیجاد بها ، بل اتّصاف ما یتّصف بها فی‏‎ ‎‏جمیع المعاملات ، وذلک یستکشف من مقدوریّـة الإیجاد ، فالحقّ مع أبی حنیفـة‏‎ ‎‏فی دلالـة النهی علی الصحّـة فی المعاملات .‏

‏وأمّا العبادات : فإن قلنا بکونها موضوعةً للأعم ، فلایخفیٰ أنّ النهی لایدلّ‏‎ ‎‏علی الصحّـة أصلاً ؛ لکونها مقدورةً مع عدمها ، وإن قلنا بکونها موضوعةً للصحیح ،‏‎ ‎‏فکذلک أیضاً ؛ نظراً إلی أنّ المراد بالصحیح فی ذلک الباب هو الواجد لجمیع‏‎ ‎‏الأجزاء والشرائط غیر ما یأتی منها من قِبَل الأمر ، کقصد القربـة ؛ لما تقدّم فی‏‎ ‎‏مبحث الصحیح والأعم من اتّفاق القائلین بکونها موضوعةً للصحیح . علی أنّ‏‎ ‎‏المراد بـه هی الصحّـة مع قطع النظر عمّا یأتی من قبل الأمر ، ومن المعلوم أنّها‏‎ ‎‏مقدورة مع فسادها ، کما لایخفیٰ .‏

‏وأمّا الصحیح مع ملاحظـة جمیع الشرائط حتّی الآتی منها من قبل الأمر‏‎ ‎‏فلایمکن تعلّق النهی بـه أصلاً ؛ لأنّـه لایعقل أن تکون مبغوضةً ، فلایبقیٰ مجال فی‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 227
‏دلالـة النهی علی الصحّـة وعدمها ، کما لایخفیٰ .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 228

  • )) مطارح الأنظار : 166 / السطر 15 .
  • )) کفایـة الاُصول : 228 .
  • )) نهایـة الدرایـة 2 : 407 ـ 408 .