حول الروایات التی استدلّ بها لدلالـة النهی علی الفساد
بقی الکلام فیما یستدلّ بـه من الأخبار علیٰ دلالـة النهی علی الفساد فی المعاملات شرعاً :
منها : ما رواه فی الکافی والفقیـه عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألتـه عن مملوک تزوّج بغیر إذن سیّده ، فقال : «ذاک إلی سیّده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بینهما» .
قلت : أصلحک اللّٰـه إنّ الحکم بن عیینـة وإبراهیم النخعی وأصحابهما
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 221
یقولون : إنّ أصل النکاح فاسد ولا تحلّ إجازة السیّد لـه .
فقال أبو جعفر علیه السلام : «اءنّـه لم یعص اللّٰـه ، إنّما عصیٰ سیّده ، فإذا أجازه فهو لـه جائز» حیث إنّ ظاهره أنّ النکاح لو کان ممّا حرّمـه علیـه لکان فاسداً .
وذکر فی تقریرات الشیخ فی توجیـه الاستدلال بالروایـة ما حاصلـه : أنّـه إنّما فرّع فی الروایـة الصحّـة والفساد علیٰ معصیـة اللّٰـه وعدمها ، وهو یحتمل وجهین :
الأوّل : أن تکون المعاملـة معصیةً للّٰـه من حیث إنّـه فعل من أفعال المکلّف مع قطع النظر عن کونـه معاملةً مؤثّرة .
الثانی : أن تکون معصیةً من حیث إنّها منهیّ عنها بما أنّها موجبة لترتّب الآثار المطلوبـة .
لا سبیل إلی الأوّل ؛ فإنّ عصیان السیّد أیضاً عصیان اللّٰـه ، فلابدّ من المصیر إلی الثانی ، وهو یفید المطلوب ، فإنّـه یستفاد من التفریع المذکور أنّ المعاملـة التی فیها معصیـة اللّٰـه فاسدة .
وبالجملـة ، المطلوب فی المقام هو أنّ النهی المتعلّق بالسبب بما أنّـه فعل من الأفعال لایقتضی الفساد ، والنهی عنـه بما أنّـه سبب مؤثّر یقتضی الفساد ، والروایـة متضمّنـة بل صریحـة فی حکم کلا الجزءین :
أمّا الجزء الأوّل : فیستفاد من قولـه : «وإنّما عصی سیّده» المستلزم لعصیان اللّٰـه ، لا من حیث إنّها موجبـة للآثار المطلوبـة ؛ فإنّ عصیان اللّٰـه من جهـة عصیان السیّد لایعقل کونـه من جهـة الترتّب .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 222
أمّا الجزء الثانی : فیستفاد من تفریع الصحّـة والبطلان علی المعصیـة التی یجب أن تکون مخالفةً للمعصیة اللازمة من مخالفة السیّد ، وهوالمطلوب . انتهی ملخّصاً .
ولکن لایخفیٰ أنّ هذا مخالف لظاهر الروایـة من حیث إنّ ظاهرها أنّ ما یکون معصیـة للسیّد لایکون معصیةً للّٰـه ، فتفسیر معصیة السیّد بإیجاد نفس السبب من حیث إنّـه فعل من الأفعال مضافاً إلی إمکان الخدشـة فیـه من حیث إنّـه لایعدّ مثل ذلک معصیةً مع إرجاع معصیة اللّٰـه إلی المعصیة فی إیجاد المعاملة المؤثّرة خلاف ما هو ظاهرها .
ومن هنا یظهر الخلل فیما أجاب بـه فی الکفایـة عن الاستدلال بالروایـة من أنّ الظاهر أن یکون المراد بالمعصیـة المنفیـة هاهنا أنّ النکاح لیس ممّا لم یمضـه اللّٰـه ولم یشرّعـه کی یقع فاسداً ، ومن المعلوم استتباع المعصیـة بهذا المعنی للفساد ، کما لایخفیٰ .
ولابأس بإطلاق المعصیـة علیٰ عمل لم یمضـه اللّٰـه ولم یأذن بـه ، کما اُطلق علیـه بمجرّد عدم إذن السیّد أنّـه معصیـة . انتهیٰ .
والتحقیق فی معنی الروایـة أن یقال : إنّ المراد بالنکاح لیس هو إیجاد ألفاظـه من حیث إنّـه فعل من الأفعال ، بل هو التزویج والتزوّج ، ومن المعلوم أنّـه بعنوانـه لایکون معصیةً للّٰـه تعالیٰ ؛ لأنّـه لم یجعلـه إلاّ حلالاً ومباحاً ، وأمّا من حیث إنّـه مصداق لعنوان مخالفـة السیّد ، المحرّمـة ، فهو حرام لابعنوان النکاح ، بل بعنوانها .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 223
وبالجملـة فهاهنا عنوانان :
أحدهما : عنوان النکاح .
ثانیهما : عنوان مخالفـة السیّد .
ومن المعلوم أنّ ما حرّمـه اللّٰـه تعالیٰ علی العبد إنّما هو العنوان الثانی لا الأوّل ، فالنکاح لیس معصیةً للّٰـه تعالی أصلاً وإن کان من حیث إنّـه یوجب تحقّق عنوان المخالفـة معصیـة للسیّد ، المستلزمـة لمعصیـة اللّٰـه ، ولایعقل سرایـة النهی عن عنوان متعلّقـه إلی عنوان النکاح أصلاً ، کما حقّقناه فی مبحث اجتماع الأمر والنهی بما لا مزید علیـه .
ونظیر ذلک ما إذا تعلّق النذر بإیجاد بعض النوافل مثلاً ، فإنّ تعلّق النذر بـه لایوجب سرایـة الوجوب إلیـه حتّیٰ یخرج عن النفلیـة ، بل متعلّق الوجوب إنّما هو عنوان الوفاء بالنذر ، ومتعلّق الأمر الاستحبابی إنّما هو الصلاة النافلـة .
ویؤیّد بل یدلّ علیٰ ما ذکرنا فی معنی الروایـة : بعض الروایات الاُخر :
مثل ما رواه زرارة أیضاً عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألتـه عن رجل تزوّج عبده امرأة بغیر إذنـه فدخل بها ثمّ اطّلع علیٰ ذلک مولاه .
فقال : «ذاک لمولاه إن شاء فرّق بینهما ، وإن شاء أجاز نکاحهما» إلی أن قال : فقلت لأبی جعفر علیه السلام : فإنّ أصل النکاح کان عاصیاً .
فقال أبو جعفر علیه السلام : «إنّما أتیٰ شیئاً حلالاً ولیس بعاصٍ للّٰـه ، إنّما عصیٰ سیّده ولم یعص اللّٰـه ، إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّٰـه علیـه من نکاح فی عدّة وأشباهـه» .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 224
فإنّـه لو کان عاصیاً للسیّد فی أصل النکاح کیف یمکن أن لایکون عاصیاً للّٰـه تعالیٰ ، کما لایخفیٰ ، فلابدّ من المصیر إلیٰ ما ذکرنا .
ومثل ما رواه منصور بن حازم عن أبی عبداللّٰـه علیه السلام فی مملوک تزوّج بغیر إذن مولاه ، أعاصٍ للّٰـه ؟
قال : «عاصٍ لمولاه» .
قلت : حرام هو ؟
قال : «ما أزعم أنّـه حرام ، وقل لـه أن لایفعل إلاّ بإذن مولاه» .
فإنّـه کیف یجمع بین نفی الحرمـة ووجوب أن لایفعل العبد ذلک ؟ ! ولیس إلاّ من جهـة أنّ التزوّج بعنوانـه لیس بحرام ، ولکن یجب ترکـه من حیث إنّـه یتحقّق بـه مخالفـة السیّد .
ثمّ لایخفیٰ أنّ ممّا ذکرنا یظهر صحّـة الاستدلال بالروایـة ؛ لأنّ مفادها أنّ النکاح لو کان بعنوانـه ممّا حرّمـه اللّٰـه وکان فعلـه معصیةً لـه تعالیٰ ، لکان أصلـه فاسداً ، کما هو المطلوب ، فتأمّل جیّداً .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 225