عدم انحلال ا‏لخطابات ا‏لشرعیّـة

عدم انحلال الخطابات الشرعیّـة

‏ ‏

‏والدلیل علیٰ عدم انحلال الخطابات الشرعیـة إلی الخطابات المتعدّدة‏‎ ‎‏حسب تعدّد المکلّفین اُمور کثیرة :‏

منها‏ : أنّ لازمـه عدم کون العصاة مکلّفاً ومخاطباً أصلاً ، ضرورة أنّ البعث‏‎ ‎‏والزجر إنّما هو لغرض انبعاث المکلّف وانزجاره ، وحینئذٍ فمع العلم بعدم تحقّق‏‎ ‎‏الانبعاث والانزجار من المکلّف أصلاً کیف یجوز أن یبعثـه المولیٰ ویزجره ؟ !‏‎ ‎‏ولیس مجرّد إمکان تحقّق الانبعاث والانزجار شرطاً لصحّـة البعث ، بل الشرط‏‎ ‎‏إنّما هو احتمالهما ، ومن المعلوم انتفاؤه بالنسبـة إلی العصاة فی التکالیف‏‎ ‎‏الشرعیـة ، لکونـه تعالیٰ عالماً بعدم تحقّق الانبعاث والانزجار من العصاة أصلاً ،‏‎ ‎‏فلایجوز حینئذٍ تکلیفهم ، وضرورة الشرع علیٰ خلافـه ، فالواجب القول بعدم‏‎ ‎‏کونهم مکلّفین بخصوصهم ، بل یشملهم الخطاب العامّ الواحد المتوجّـه إلیٰ جمیع‏‎ ‎‏الناس .‏

ومنها‏ : أنّ لازمـه عدم وجوب القضاء علی النائم فی جمیع الوقت ؛‏‎ ‎‏لاستحالـة بعثـه لغرض الانبعاث ، فلایکون مکلّفاً بالأداء حتّیٰ یجب علیـه القضاء‏‎ ‎‏مع أنّ ضرورة الشرع أیضاً تقضی بخلافـه .‏

ومنها‏ : أنّ لازمـه اختلاف النجاسـة والطهارة بالنسبـة إلی المکلّفین ؛ لأنّـه‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 204
‏لایعقل جعل نجاسـة الخمر الموجودة فی الممالک التی لایسافر الإنسان إلیها‏‎ ‎‏عادة ؛ لأنّ الواضح أنّ جعل الأحکام الوضعیـة أیضاً إنّما هو لغرض ترتیب الأثر ،‏‎ ‎‏فمع عدم الابتلاء بـه عادة لایعقل جعل النجاسـة لـه ، مع أنّ الخمر حرام فی أیّ‏‎ ‎‏محلّ کان ، کما یشهد بـه ضرورة الفقـه .‏

ومنها‏ : غیر ذلک من الاُمور التی تقدّمت الإشارة إلیٰ بعضها سابقاً .‏

‏وحینئذٍ فالتکلیف ثابت بالنسبـة إلیٰ جمیع الناس من القادر والعاجز‏‎ ‎‏والعالم والجاهل والمضطرّ والمختار ، غایـة الأمر کون العاجز ونظائره معذوراً‏‎ ‎‏بحکم العقل فی مخالفـة التکلیف ، لا أنّـه خارج عن المخاطبین بحیث لم یکن‏‎ ‎‏الخطاب متوجّهاً إلیـه ، وحینئذٍ نقول : إنّ الاضطرار الحادث فی المقام بسوء‏‎ ‎‏الاختیار لایصیر عذراً بنظر العقل أصلاً .‏

‏أتریٰ ثبوت العذر لمن ألجأ نفسـه فی ارتکاب المحرّمات الشرعیـة بسوء‏‎ ‎‏الاختیار ، کمن اضطرّ إلیٰ شرب الخمر وأکل لحم المیتـة بسوء اختیار نفسـه ؟‏

‏ثمّ إنّـه لو قلنا بعدم توجّـه الخطاب الفعلی إلیـه لکونـه مضطرّاً ولو بسوء‏‎ ‎‏الاختیار ، فلا مجال للقول بعدم استحقاقـه للعقوبـة ، بل لایرتاب فیـه عاقل أصلاً ،‏‎ ‎‏کیف ولازمـه عدم استحقاق من اضطرّ بسوء اختیاره إلیٰ سائر المحرّمات‏‎ ‎‏الشرعیـة للعقوبـة أصلاً ، فیجوز أن یدخل الإنسان داراً یعلم بأنّـه لو دخل فیها‏‎ ‎‏یصیر مضطرّاً إلیٰ شرب الخمر أو مکرهاً علیـه ، ولایترتّب علیـه عقوبـة أیضاً ومن‏‎ ‎‏المعلوم أنّ ضرورة الشرع والعقل علیٰ خلافـه .‏

‏ثمّ إنّـه لو سلّمنا اقتضاء النهی عن الشیء الأمر بضدّه العامّ وقلنا بثبوت‏‎ ‎‏الملازمـة العقلیـة بین وجوب المقدّمـة ووجوب ذیها وقطعنا النظر عمّا ذکرنا من‏‎ ‎‏عدم انحلال الخطابات الشرعیـة إلی الخطابات المتکثّرة حسب تکثّر المکلّفین ،‏‎ ‎‏فلایکون فی البین مانع من الالتزام بقول أبیهاشم وأتباعـه القائلین بکونـه‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 205
‏مأموراً به ومنهیّاً عنه إلاّ لزوم التکلیف بالمحال ؛ لعدم قدرة المکلّف علی الامتثال .‏

‏وأمّا الإشکال علیـه بلزوم کون التکلیف بنفسـه محالاً کما فی الکفایـة ؛‏‎ ‎‏نظراً إلی اجتماع التکلیفین هنا بعنوان واحد ؛ لأنّ الخروج بعنوانـه سبب للتخلّص‏‎ ‎‏وواقع بغیر إذن المالک‏‎[1]‎‏ ، فمندفع بأنّ متعلّق النهی إنّما هو التصرّف فی مال الغیر‏‎ ‎‏بدون إذنـه ، لا عنوان الخروج ، ومتعلّق الأمر المقدّمی لیس ما یحمل علیـه عنوان‏‎ ‎‏المقدّمـة بالحمل الشائع ، وإلاّ یلزم أن یکون تعلّقـه بـه متوقّفاً علیٰ تحقّقـه فی‏‎ ‎‏الخارج ، فیلزم أن تکون المقدّمـة الموجودة متعلّقةً للأمر ، وهو مستحیل بداهة ،‏‎ ‎‏بل المتعلّق لـه إنّما هو عنوان ما یتوقّف علیـه ذو المقدّمـة بناء علی القول بثبوت‏‎ ‎‏الملازمـة مطلقاً ، وعنوان الموصل إلیٰ ذی المقدّمـة بناءً علی القول بالمقدّمـة‏‎ ‎‏الموصلـة ، کما عرفت أنّـه مقتضی التحقیق بناءً علیٰ تسلیم الملازمـة ، ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الحیثیّات التعلیلیـة کلّها ترجع إلی الحیثیات التقییدیـة ، فمتعلّق الأمر المقدّمی‏‎ ‎‏فی المقام هو عنوان ما یتوقّف علیـه ترک التصرّف فی مال الغیر أو عنوان الموصل‏‎ ‎‏إلیـه ، ومتعلّق النهی هو عنوان التصرّف فی مال الغیر ، فأین یلزم اجتماع التکلیفین‏‎ ‎‏علیٰ عنوان واحد ؟ ولولا استلزام هذا القول للتکلیف بالمحال کما عرفت ، لم یکن‏‎ ‎‏بدّ من الالتزام بـه .‏

‏ومن هنا تعرف صحّـة ما ذهب إلیـه صاحب الفصول ‏‏قدس سره‏‏ من کونـه مأموراً‏‎ ‎‏بـه مع إجراء حکم المعصیـة علیـه ؛ نظراً إلی النهی السابق ، وذلک لخلوّه عن‏‎ ‎‏استلزام التکلیف بالمحال أیضاً‏‎[2]‎‏ ، فتدبّر .‏

‏ثمّ إنّ المحقّق النائینی ـ علیٰ ما فی التقریرات ـ قد بنی المسألـة علیٰ‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 206
‏کونها مندرجةً تحت قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» فالحقّ ما علیـه‏‎ ‎‏صاحب الکفایـة من عدم کونـه مأموراً بـه ولامنهیّاً عنـه ، وعلیٰ عدم کونها صغریٰ‏‎ ‎‏لها‏‎[3]‎‏ ، فالحقّ ما علیـه الشیخ من کونـه مأموراً بـه فقط‏‎[4]‎‏ ثمّ اختار عدم الاندراج ،‏‎ ‎‏وتمسّک فی ذلک بأربعـة أوجـه‏‎[5]‎‏ .‏

‏ولکن لایخفی أنّ هذه القاعدة بعیدة عن المقام بمراحل ، بل لایکون بینهما‏‎ ‎‏ربط أصلاً ؛ لما ذکره فی الکفایـة فی بیان موردها ، فراجعها‏‎[6]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 207

  • )) کفایـة الاُصول : 209 .
  • )) الفصول الغرویّـة : 138 / السطر 25 .
  • )) کفایـة الاُصول : 204 .
  • )) مطارح الأنظار : 153 / السطر 33 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 447 ـ 451 .
  • )) کفایـة الاُصول : 209 ـ 210 .