ا‏لتنبیه ا‏لأوّل‏: بعض أدلّـة ا‏لمجوّزین

التنبیـه الأوّل : بعض أدلّـة المجوّزین

‏ ‏

‏قد استدلّ المجوّزون بأنّـه لو لم یجز ، لما وقع نظیره ، وقد وقع ، کما فی‏‎ ‎‏الصلاة فی الحمّام ، التی اجتمع فیها الوجوب والکراهـة ، وصوم یوم عاشوراء‏‎ ‎‏الذی اجتمع فیـه الاستحباب والکراهـة ، والصلاة فی المسجد ، التی اجتمع فیها‏‎ ‎‏الوجوب والاستحباب ، ونظائرها ممّا لایحصیٰ .‏

بیان الملازمـة‏ : أنّ المانع لیس إلاّ التضادّ بین الوجوب والحرمـة ، وعدم‏‎ ‎‏کفایـة تعدّد الجهـة فی رفع غائلتـه ، ومن المعلوم أنّ هذا المانع موجود فی‏‎ ‎‏اجتماع الوجوب مع الکراهـة أو الاستحباب ، واجتماع الاستحباب مع الکراهـة‏‎ ‎‏أو الاستحباب ؛ لأنّ الأحکام الخمسـة متضادّة بأجمعها ، ومن الواضح بطلان‏‎ ‎‏التالی ؛ للوقوع فی تلک الموارد وأشباهها ، فیکشف عن بطلان المقدّم ، وهو امتناع‏‎ ‎‏اجتماع الوجوب والحرمـة .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 200
‏والتحقیق فی الجواب أن یقال : إنّ العبادات المکروهـة علیٰ ثلاثـة أقسام :‏

أحدهما‏ : ما تعلّق النهی بعنوان العبادة ، ولایکون لها بدل ، کصوم یوم‏‎ ‎‏العاشور ، والنوافل المبتدأة فی بعض الأوقات .‏

ثانیها‏ : ما تعلّق النهی بعنوانها أیضاً ، ولکن یکون لها بدل ، کالصلاة فی‏‎ ‎‏الحمّام .‏

ثالثها‏ : ما تعلّق النهی بعنوان آخر یکون بینـه وبینها نسبـة العموم من‏‎ ‎‏وجـه ، کالصلاة فی مواضع التهمـة ، بناء علی أن تکون کراهتها من جهـة کراهـة‏‎ ‎‏الکون فیها المتّحد مع الصلاة .‏

‏إذا عرفت هذا ، فنقول :‏

أمّا القسم الثالث‏ : فلا إشکال فیـه بناءً علی القول بالجواز ، کما عرفت أنّـه‏‎ ‎‏مقتضی التحقیق .‏

وأمّا القسم الثانی‏ : فکذلک أیضاً لو قلنا بدخول العامّین مطلقاً فی محل‏‎ ‎‏النزاع أیضاً ، کما نفینا البُعْد عنـه سابقاً فی مقدّمات المبحث ، وأمّا لو قلنا بخروجـه‏‎ ‎‏عنـه ، فسیأتی الجواب عنـه .‏

إنّما المهم هو القسم الأوّل‏ : الذی لابدّ أن یجیب عنـه کلٌّ من المجوّز‏‎ ‎‏والممتنع ؛ لعدم تعدّد الجهـة المجدی بناءً علی القول بالجواز ؛ لأنّ النهی إنّما تعلّق‏‎ ‎‏بعنوان العبادة التی تکون متعلّقةً للأمر الاستحبابی .‏

‏وقد أجاب عنـه فی الکفایـة بما حاصلـه : أنّ الکراهـة إنّما هو لانطباق‏‎ ‎‏عنوان راجح علی الترک الذی یکون أرجح من الفعل ، فیکون الفعل والترک من‏‎ ‎‏قبیل المستحبّین المتزاحمین ، أو لملازمـة الترک علیٰ عنوان کذلک‏‎[1]‎‏ ، ولکن‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 201
‏لایخفیٰ أنّ هذا المعنیٰ ممّا لایمکن الالتزام بـه ؛ لأنّ الترک أمر عدمی ، والعدم لیس‏‎ ‎‏بشیء حتّیٰ ینطبق علیـه عنوان ویتّحد معـه أو یلازمـه شیء ، فإنّ ذلک من الاُمور‏‎ ‎‏المعروضـة للموجودات ، والعدم لیس منها .‏

والذی یمکن أن یقال فی حلّ الإشکال‏ : إنّ المستفاد من الأخبار أنّ کراهـة‏‎ ‎‏صوم یوم العاشور إنّما هی لکونـه تشبّهاً ببنی اُمیّـة وبنی مروان لعنهم اللّٰـه جمیعاً ،‏‎ ‎‏حیث إنّهم یتبرّکون بهذا الیوم ویعاملون معـه معاملـة الأعیاد ویصومون فیـه تبرّکاً‏‎ ‎‏بـه ، بل لعلّـه کان من أعظم الأعیاد ، کما یشعر بذلک بعض الأخبار ، فالنهی إنّما‏‎ ‎‏یکون متعلّقاً بالتشبّـه بهم فی الأعمال التی کانوا یعملونها فی ذلک الیوم لأجل‏‎ ‎‏التبرّک بـه ومنها : الصوم ، فتعلّق النهی التنزیهی بـه إنّما هو لکونـه مصداقاً للتشبّـه‏‎ ‎‏بهم ، ومن المعلوم أنّ نسبـة عنوان التشبّـه إلیٰ طبیعـة الصوم ـ التی تکون مطلوبةً‏‎ ‎‏فی کلّ زمان ومتعلّقةً للأمر الوجوبی أو الاستحبابی فی جمیع الأیام عدا العیدین ـ‏‎ ‎‏نسبة العموم والخصوص من وجـه ، وقد عرفت أنّ مقتضی التحقیق جواز‏‎ ‎‏الاجتماع فیـه ، فکون طبیعـة الصوم مأموراً بها لاینافی تعلّق النهی بعنوان التشبّـه‏‎ ‎‏بهم ، الذی ربّما یجتمع معها فی الوجود الخارجی ، ونظیر هذا المعنیٰ یمکن أن‏‎ ‎‏یقال فی النوافل المبتدأة فی بعض الأوقات ، فتدبّر .‏

‏وأمّا القسم الثانی فجوابـه ما أفاد فی الکفایـة ممّا ملخّصـه : کون النهی‏‎ ‎‏إرشاداً إلیٰ ترک إیجاد الصلاة مع خصوصیّـة کونها فی الحمّام لحصول منقصـة فیها‏‎ ‎‏معها ، کما أنّ الأمر بالصلاة فی المسجد إرشاد إلی إیجادها فیـه ؛ لحصول مزیّـة‏‎ ‎‏فیها معـه ، ومَنْ أراد التفصیل فلیرجع إلی الکفایـة‏‎[2]‎‏ .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 202

  • )) کفایـة الاُصول : 198 ـ 199 .
  • )) نفس المصدر : 199 ـ 200 .