حول ا‏لتضادّ بین ا‏لأحکام ا‏لخمسـة

حول التضادّ بین الأحکام الخمسـة

‏ ‏

‏وقد انقدح من جمیع ما ذکرنا أنّ مقتضی التحقیق هو القول بالجواز ولو سلّم‏‎ ‎‏ثبوت التضادّ بین الأحکام ، کما هو الشائع ، مضافاً إلی أنّـه لا نسلّم ذلک أصلاً .‏

‏توضیحـه : أنّ الضدّین عبارة عن الماهیّتین النوعیتین المشترکتین فی‏‎ ‎‏جنس قریب مع ثبوت الاختلاف والبُعْد بینهما ، کما فی تعریف المتقدّمین من‏‎ ‎‏الحکماء ، أو غایـة البعد والاختلاف ، کما فی تعریف المتأخّرین منهم ، وحینئذٍ‏‎ ‎‏فنقول : إن کان الحکم عبارة عن الإرادة المظهرة ، فلاینطبق علیـه تعریف الضدّین‏‎ ‎‏أصلاً ؛ لأنّـه حینئذٍ ماهیـة واحدة ، وهی حقیقـة الإرادة المتحقّقـة فی جمیع‏‎ ‎‏الأحکام ، ضرورة أنّها بأجمعها أفعال للمولیٰ مسبوقـة بالإرادة بلا فرق بین الحکم‏‎ ‎‏التحریمی والوجوبی من هذه الجهـة وإن کان متعلّق الإرادة فی الأوّل هو الزجر ،‏‎ ‎‏وفی الثانی هو البعث ، إلاّ أنّ ذلک لایوجب الاختلاف بینهما ؛ لأنّ قضیّـة تشخّص‏‎ ‎‏الإرادة بالمراد هو کون اختلاف المرادات موجباً لتحقّق أشخاص من الإرادة ،‏‎ ‎‏ولایوجب ذلک تعدّد حقیقـة الإرادة وماهیّتها ، کما هو واضح .‏

‏فاعتبار کون الضدّین مهیّتین یخرج الإرادة وأمثالها من الحقائق بالنسبـة‏‎ ‎‏إلی أفرادها عن التعریف کما لایخفیٰ .‏

‏وإن کان الحکم عبارة عن نفس البعث والزجر المتحقّقین بقول : إفعل ولا‏‎ ‎‏تفعل ، مثلاً ، فهو أیضاً خارج عن التعریف ؛ لأنّـه ـ مضافاً إلی أنّ البعث فی‏‎ ‎‏الوجوب والاستحباب علیٰ نهج واحد ، غایـة الأمر ثبوت الاختلاف بینهما فی‏‎ ‎‏إرادتـه حیث إنّ الوجوب عبارة عن البعث الناشئ من الإرادة القویـة ،‏‎ ‎‏والاستحباب عبارة عن البعث الناشئ عن الإرادة الضعیفـة ، وکذا الزجر فی‏‎ ‎‏الحرمـة والکراهـة ، فإنّـه فیهما علیٰ نحو واحد والاختلاف إنّما هو فی إرادتـه ،‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 198
‏وحینئذٍ فکیف یمکن القول بالتضادّ بین الوجوب والاستحباب ، وکذا بین الحرمـة‏‎ ‎‏والکراهـة ؟ ! مع أنّ القائل یدّعی تضادّ الأحکام بأسرها ـ نقول : إنّـه لو سلّم‏‎ ‎‏الاختلاف فی جمیع الأحکام وقطعنا النظر عن عدم اختلاف حقیقـة الوجوب‏‎ ‎‏والاستحباب وکذا الحرمـة والکراهـة ، فلا نسلّم التضاد بینها ؛ لأنّ ثبوتـه مبنیّ‏‎ ‎‏علیٰ أن یکون متعلّق البعث والزجر هو الوجود الخارجی ؛ إذ لو کان متعلّقهما هی‏‎ ‎‏الطبائع والماهیّات الکلّیـة ، کما عرفت بما لا مزید علیـه أنّـه هو مقتضی‏‎ ‎‏التحقیق ، فهما لایکونان بمتضادّین أیضاً ؛ لأنّ الماهیّـة قابلـة لاجتماع العناوین‏‎ ‎‏المتضادّة فیها ، ولاتّصافها بکل واحد منها فی زمان واحد .‏

‏ألا تری أنّ ماهیـة الإنسان موجودة ومعدومـة فی زمان واحد ، کما عرفت ،‏‎ ‎‏وکذا ماهیّـة الجسم متّصفـة بالسواد والبیاض معاً فی زمان واحد .‏

‏فظهر أنّـه لو کان متعلّق البعث والزجر هی طبیعـة واحدة ، فاستحالتـه لیس‏‎ ‎‏من جهـة لزوم اجتماع المتضادّین علیٰ شیء واحد ، بل من جهـة أمر آخر ، وهو‏‎ ‎‏لزوم التکلیف بالمحال من جهـة عدم القدرة علی الامتثال ، وإلاّ یلزم عدم إمکان‏‎ ‎‏تعلّق البعث والزجر بطبیعـة واحدة ولو من ناحیـة شخصین ، کما أنّـه لایعقل‏‎ ‎‏تحقّق البیاض والسواد واجتماعهما علیٰ موجود خارجی مطلقاً ولو کان لـه‏‎ ‎‏علّتان ، ومن الواضح فی المقام خلافـه .‏

‏وبالجملـة ، فعلّـة ثبوت التضادّ بین شیئین إنّما هو عدم اجتماعهما علی‏‎ ‎‏الموجود الخارجی الواحد ، وإلاّ یلزم عدم تحقّق التضادّ أصلاً ؛ لما عرفت من أنّ‏‎ ‎‏الماهیّـة قابلـة للاتّصاف بجمیع العناوین المتضادّة فی زمان واحد ، وقد عرفت أنّ‏‎ ‎‏متعلّق البعث والزجر لیس هو الوجود الخارجی بمعنی أنّـه لایعقل أن یصیر‏‎ ‎‏الموجود فی الخارج مبعوثاً إلیـه ومزجوراً عنـه أصلاً .‏

‏وإن کان الحکم عبارةً عن الأمر الاعتباری المنتزع عن البعث والزجر ،‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 199
‏فعدم ثبوت التضادّ بینها أظهر من أن یخفیٰ .‏

‏ومن جمیع ما ذکرنا ظهر بطلان المقدّمـة الاُولی التی مهّدها فی الکفایـة‏‎[1]‎‎ ‎‏لإثبات التضادّ بین الأحکام الخمسـة بأسرها ، وظهر أیضاً أنّ إثبات القول الامتناع‏‎ ‎‏من طریق التضادّ بین الأحکام لایتمّ أصلاً ، مضافاً إلیٰ ما عرفت من أنّـه لو سلّم‏‎ ‎‏التضادّ بین الأحکام ، فاختلاف المتعلّقین وتعدّدهما یخرج المقام عن مسأ لـة‏‎ ‎‏التضادّ فتأمّل جیّداً .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 200

  • )) کفایة الاُصول : 193 .