ا‏لجهـة ا‏لاُولی‏: ثمرة ا‏لنزاع علی ا‏لقول بجواز ا‏لاجتماع

الجهـة الاُولی : ثمرة النزاع علی القول بجواز الاجتماع

‏ ‏

‏إنّهم ذکروا فی ثمرة النزاع أنّـه بناء علی القول بجواز الاجتماع لا إشکال‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 174
‏فی صحّـة الصلاة فی الدار المغصوبـة وحصول الامتثال بها وإن کان معصیةً ؛‏‎ ‎‏للنهی أیضاً .‏

‏لکنّ التحقیق یقتضی خلافـه ، وأنّ القائل بالجواز لایمکن لـه القول‏‎ ‎‏بالصحّـة أصلاً .‏

وینبغی أوّلاً حکایـة ما ذکره المحقّق النائینی‏ ـ علیٰ ما فی تقریراتـه ـ فی‏‎ ‎‏وجـه القول بجواز الاجتماع من المقدّمات التی لو تمّت یترتّب علیها صحّـة‏‎ ‎‏الصلاة فی الدار المغصوبـة ، ثمّ بیان ما یمکن أن یورد علیـه من الإیرادات ، وهذه‏‎ ‎‏المقدّمات وإن کانت طویلةً ؛ لما عرفت من کونها مصنوعةً لإثبات القول بالجواز ،‏‎ ‎‏إلاّ أنّا نذکرها بطریق الاختصار ، ونحیل التفصیل إلیٰ مقامـه ، فنقول :‏

منها‏ : بساطـة المقولات ، وأنّ ما بـه الاشتراک فیها عین ما بـه الامتیاز .‏

ومنها‏ : تغایر المقولات بحسب الحقیقـة والهویّـة واعتبارها بشرط‏‎ ‎‏لابالنسبـة إلی أنفسها ، فاجتماعها لایعقل أن یکون علیٰ نحو الاتّحاد بحیث یکون‏‎ ‎‏ما بحذاء أحدهما فی الخارج عین ما بحذاء الآخر .‏

ومنها‏ : کون الحرکـة فی کلّ مقولـة عین تلک المقولـة ، ولا تکون الحرکـة‏‎ ‎‏جنساً للمقولات حتّیٰ یلزم الترکیب فیها ، ولا هی أیضاً من الأعراض المستقلّـة‏‎ ‎‏حتّیٰ یلزم قیام عرض بعرض .‏

وبعد هذه المقدّمات یظهر‏ : تعدّد متعلّق الأمر والنهی ؛ إذ الصلاة إنّما تکون‏‎ ‎‏من مقولـة الوضع سواء قلنا : إنّ المأمور بـه فی مثل الرکوع والسجود هو الهیئـة‏‎ ‎‏کما هو مختار الجواهر‏‎[1]‎‏ أو الفعل کما هو المختار ، فیکون الانحناء إلی الرکوع‏‎ ‎‏أوضاعاً متلاصقـة متّصلـة ، والغصب إنّما یکون من مقولـة الأین ؛ إذ لیس الغصب‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 175
‏إلاّ عبارة عن شاغلیـة الشخص للمکان ، فتوهّم اجتماع الصلاة والغصب فی‏‎ ‎‏الحرکـة مع وحدتها مندفع بأنّـه إن کان المراد من وحدة الحرکـة وحدتها بالعدد‏‎ ‎‏بحیث تعدّ حرکـة واحدة ، فهذا ممّا لاینفع ، وإن کان المراد منها وحدة الحرکـة‏‎ ‎‏الصلاتیـة والحرکـة الغصبیـة بالهویـة والحقیقـة ، فهذا ممّا لایعقل ؛ لاستدعاء‏‎ ‎‏ذلک اتّحاد المقولتین ؛ لما عرفت من أنّ الحرکـة فی کلّ مقولـة عین تلک المقولـة .‏

‏وبالجملـة ، الحرکـة لایعقل أن تکون بمنزلـة الجنس للصلاة والغصب ،‏‎ ‎‏وبحیث یشترکان فیها ویمتازان بأمر آخر ؛ للزوم الترکیب فی الأعراض ، ولیست‏‎ ‎‏عرضاً آخر غیر المقولات ؛ للزوم قیام العرض بالعرض ، وهو محال ، فلابدّ من أن‏‎ ‎‏تکون الحرکـة فی کلّ مقولـة عین تلک المقولـة ، وحینئذٍ یظهر أنّـه کما أنّ الصلاة‏‎ ‎‏مغایرة بالحقیقـة للغصب ، فکذا الحرکـة الصلاتیـة مغایرة للحرکـة الغصبیـة ،‏‎ ‎‏ویکون فی المجمع حرکتان : حرکـة صلاتیـة ، وحرکـة غصبیـة ، ولیس المراد من‏‎ ‎‏الحرکـة رفع الید ووضعـه وحرکـة الرأس والرجل ووضعهما ، فإنّ ذلک لا دخل‏‎ ‎‏لـه فی المقام حتّیٰ یبحث عن أنّها واحدة أو متعدّدة ، بل المراد من الحرکـة :‏‎ ‎‏الحرکـة الصلاتیـة والحرکـة الغصبیـة ، وهما متعدّدتان ، فلا محالـة ، فأین یلزم‏‎ ‎‏تعلّق الأمر والنهی بعین ما تعلّق بـه الآخر .‏

‏هذا کلّـه ، مضافاً إلی أنّ الإضافـة الحاصلـة بین المکان والمکین ونسبتـه‏‎ ‎‏إلیـه لایعقل أن تختلف بین أن یکون المکین من مقولـة الجوهر أو من مقولـة‏‎ ‎‏الأعراض ، وکما لایعقل الترکیب الاتّحادی بین الجوهر والإضافـة فی قولک : زید‏‎ ‎‏فی الدار ، کذلک لایعقل الترکیب الاتّحادی بین الضرب والإضافـة فی قولک :‏‎ ‎‏ضرب زید فی الدار ، أو الصلاة والإضافـة فی قولک : صلاة زید فی الدار ، وکما‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 176
‏لایکون زید غصباً کذلک لا تکون الصلاة غصباً‏‎[2]‎‏ . انتهی کلامـه فی غایـة‏‎ ‎‏التلخیص .‏

وقد عرفت‏ : أنّ هذا الکلام لو تمّ لترتّب علیـه صحّـة الصلاة‏‎ ‎‏فی الدارالمغصوبـة ؛ لأنّـه بعد کون الحرکـة الصلاتیـة مغایرة للحرکـة الغصبیـة‏‎ ‎‏لایکون المبغوض والمبعّد عن ساحـة المولیٰ بعینـه محبوباً ومقرّباً للعبد نحو‏‎ ‎‏المولی حتّیٰ یقال باستحالـة کون المبعّد مقرّباً ، فإنّ المبغوض هی الحرکـة‏‎ ‎‏الغصبیـة ، والمحبوب هی الحرکـة الصلاتیـة .‏

‏وبالجملـة ، بعد فرض تعدّد الحرکـة لایبقیٰ مجال للإشکال فی صحّـة‏‎ ‎‏الصلاة ؛ لعدم الارتباط بین الحرکتین ، فالحرکـة الصلاتیـة تؤثّر فی القرب ،‏‎ ‎‏والغصبیـة تؤثّر فی البعد .‏

هذا‏ ‏، ولکن یرد علیٰ ما ذکره أوّلاً‏ : أنّ الصلاة لیست بنفسها من المقولات ؛‏‎ ‎‏لأنّها مرکّب اعتباری ، واجزاؤها عبارة عن الحقائق المختلفـة والهویّات‏‎ ‎‏المتشتّتـة ، فلایعقل أن تکون بنفسها مندرجةً تحت مقولة واحدة ، وکذا الغصب‏‎ ‎‏لیس مندرجاً تحت مقولـة أصلاً ، فإنّـه عبارة عن الاستیلاء والتسلّط علیٰ مال‏‎ ‎‏الغیر عدواناً ، ومن المعلوم أنّ ذلک أمر اعتباری یعتبره العرف والعقلاء ، ولیس من‏‎ ‎‏الاُمور الواقعیـة والحقائق ، نظیر سلطـة الشخص علیٰ مال نفسـه .‏

‏هذا ، مضافاً إلیٰ أنّ ما یتّحد مع الصلاة فی الدار المغصوبـة لیس هو‏‎ ‎‏الغصب ؛ لما عرفت من أنّـه عبارة عن التسلّط علیٰ مال الغیر عدواناً ، وهذا المعنیٰ‏‎ ‎‏ممّا لایرتبط بالصلاة أصلاً ، بل الذی یتّحد معها هو التصرّف فی مال الغیر بغیر‏‎ ‎‏إذنـه ، الذی محرّم آخر غیر الغصب ، وبینهما عموم من وجـه ، کما لایخفیٰ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 177
‏ومن المعلوم أنّ التصرّف جامع انتزاعی للأفعال المرتبطـة إلیٰ مال الغیر من‏‎ ‎‏الکون فیـه وسائر التصرّفات ، ولیس التصرّف بنفسـه من المقولات أصلاً ، بل‏‎ ‎‏المندرج تحتها إنّما هو مصادیق التصرّف .‏

‏فظهر أنّ ما یکون مندرجاً تحت مقولـة من المقولات من مصادیق التصرّف‏‎ ‎‏المتّحدة مع الصلاة إنّما هو الکون فی المکان المغصوب ، الذی هو من مقولـة‏‎ ‎‏الأین ، وإلاّ فالغصب وکذا التصرّف بعنوانـه لیسا من المقولـة أصلاً کما لایخفیٰ .‏

وثانیاً‏ : أنّ الرکوع ـ وهو الفعل الخاصّ الصادر من المکلّف کما هو الأقویٰ‏‎ ‎‏وفاقاً لـه ـ یمکن أن یکون من مقولـة الأین ؛ لما ذکره المستدلّ من أنّ الحرکـة فی‏‎ ‎‏کلّ مقولـة عین تلک المقولـة ، فالرأس المتحیّز فی حیّز مخصوص إذا تحرّک منـه‏‎ ‎‏إلیٰ مکان آخر ، یکون ذلک حرکـة فی الأین ، وإن کان بالإضافـة إلیٰ حدوث‏‎ ‎‏حالـة اُخریٰ وکیفیـة حادثـة بالنسبـة إلی أجزاء الإنسان بعضها مع بعض یکون‏‎ ‎‏حرکةً فی الوضع ، وحینئذٍ فالرکوع الذی یکون حرکـة واحدة أینیّـة صار متعلّقاً‏‎ ‎‏للحبّ والبغض ؛ لعدم کون المقولتین حینئذٍ متعدّداً حتّیٰ یستحیل ترکیب الاتّحادی‏‎ ‎‏بینهما ، بل صار کلٌّ من الرکوع والکون فی مکان مغصوب ، الذی هو مصداق‏‎ ‎‏للتصرّف فی مال الغیر مندرجاً تحت مقولـة الأین ، فصارت الحرکـة حرکةً واحدة‏‎ ‎‏أینیّة .‏

‏ثمّ إنّ ما ذکرناه من أنّ مصادیق التصرّف فی مال الغیر تکون مندرجةً تحت‏‎ ‎‏المقولات فإنّما هو مبنی علی المسامحـة ، ضرورة أنّ المندرج تحتها إنّما هو‏‎ ‎‏مصداق ذات التصرّف ، لا مقیّداً بکونـه فی مال الغیر ، فالکون فی المکان إنّما‏‎ ‎‏یکون مندرجاً تحت مقولـة الأین ، لا الکون فی المکان المغصوب ، فإنّ غصبیـة‏‎ ‎‏المکان خارج عن ذلک أصلاً .‏

‏وهذا أیضاً ممّا یورد بـه علی المستدلّ ، فإنّـه بعد العدول عن الغصب إلی‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 178
‏التصرّف فی مال الغیر ، وعنـه إلیٰ مصادیقـه یبقی الإشکال فی عدم کون مصادیق‏‎ ‎‏التصرّف فی مال الغیر بما هی مصادیق لـه مندرجاً تحت مقولـة ؛ لما عرفت من‏‎ ‎‏عدم مدخلیـة مال الغیر فی ذلک أصلاً .‏

فظهر من جمیع ذلک‏ : أنّ المقرّب والمبعّد إنّما هو شیء واحد وأمر فارد ،‏‎ ‎‏وهی الحرکـة الأینیّـة ، ومع فرض کونـه مبعّداً لایمکن أن یکون مقرّباً ، فلایصلح‏‎ ‎‏أن یکون جزءاً للعمل العبادی أصلاً ، فالصلاة فی الدار المغصوبـة باطلـة ولو علی‏‎ ‎‏القول بالجواز .‏

‏هذا کلّـه فیما یتعلّق بالقول بالجواز .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 179

  • )) جواهر الکلام 10 : 69 و 123 ـ 124 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 427 ـ 428 .