ا‏لفصل ا‏لتاسع : فی ا‏لواجب ا‏لتعیینی وا‏لتخییری

‏ ‏

‏ ‏

الفصل التاسع فی الواجب التعیینی والتخییری

‏ ‏

‏ربّما یقسّم الواجب إلی تعیینی وتخییری باعتبار أنّـه لو کان متعلّق‏‎ ‎‏الوجوب شیئاً واحداً ، فهو واجب تعیینی ، ولو کان شیئین أو أزید ، فهو واجب‏‎ ‎‏تخییری .‏

‏وقد یقال بامتناع الثانی ؛ نظراً إلی أنّـه لایعقل تعلّق الإرادة بأحد الشیئین أو‏‎ ‎‏الأشیاء علیٰ نحو التردید بأن یکون التعلّق بحسب الواقع ونفس الأمر مردّداً ،‏‎ ‎‏وذلک لأنّ تشخّص الإرادة إنّما هو بالمراد ، ومن المعلوم أنّ التشخّص الذی هو‏‎ ‎‏مساوق للوجود منافٍ للإبهام والتردّد ؛ إذ لایعقل عروض الوجود للشیء المردّد‏‎ ‎‏بین الأمرین أو اُمور بأن یکون المردّد من  حیث هو مردّد موجوداً فی الواقع ، نعم‏‎ ‎‏لابأس بأن یکون الواقع المعیّن مردّداً عندنا ومجهولاً لنا ، ولکنّـه لایعقل التردّد مع‏‎ ‎‏قطع النظر عن علمنا وجهلنا .‏

‏وبالجملـة فالإرادة من الصفات الحقیقیـة للنفس کالعلم ونظائره ، ولها أیضاً‏‎ ‎‏إضافـة إلی المراد کإضافـة العلم إلی المعلوم ، فکما أنّ تشخّص العلم إنّما هو‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 153
‏بالمعلوم ، ولایعقل تعلّق العلم بالمردّد الواقعی کذلک تشخّص الإرادة وتعیّنها إنّما‏‎ ‎‏هو بالمراد ، فلایعقل تعلّقها بالمردّد بحسب نفس الأمر أو بأزید من شیء واحد ،‏‎ ‎‏وهذا فی إرادة الفاعل واضح ، ومعلوم أنّـه لا فرق بینها وبین إرادة الأمر ، فلایمکن‏‎ ‎‏تعلّقها أیضاً بالمردّد الواقعی والمبهم النفسی الأمری ، فظهر أنّـه لایعقل الواجب‏‎ ‎‏التخییری ، وحینئذٍ فیجب صرف ما ظاهره ذلک ممّا ورد فی الشرعیات والعرفیات‏‎ ‎‏عن ظاهرها ، ویقال بأحد الأقوال التی کلّها مبنیّـة علی امتناع الواجب التخییری .‏

هذا غایـة ما یمکن أن یقال فی امتناع الواجب التخییری‏ ، ولکنّـه لایخفیٰ ما‏‎ ‎‏فیـه ؛ فإنّ قیاس الإرادة التشریعیـة بالإرادة الفاعلیـة قیاس مع الفارق ، فإنّ معنی‏‎ ‎‏الإرادة التشریعیـة لیس راجعاً إلی إرادة الآمر إتیان المأمور بالمأمور بـه ، کیف‏‎ ‎‏ویستحیل تخلّفـه بالنسبـة إلی الواجب تعالیٰ ، بل معناها لیس إلاّ إرادة التشریع‏‎ ‎‏والبعث والتحریک ، وحینئذٍ فنقول : إنّ تعلّق الإرادة بأحد الشیئین أو الأشیاء مردّداً‏‎ ‎‏ومبهماً وإن کان مستحیلاً ، بداهـة إلاّ أنّـه لایلزم فی الواجب التخییری هذا‏‎ ‎‏المحذور أصلاً ، فإنّ الآمر بعدما یتصوّر الشیئین مثلاً ویری أنّ کل واحد منهما‏‎ ‎‏مؤثّر فی حصول غرضـه الواحد أو کان هناک غرضان یترتّب أحدهما علی أحد‏‎ ‎‏الشیئین والآخر علی الآخر ولکن مع حصول أحد الغرضین لایمکن تحصیل‏‎ ‎‏الآخر أو لایکون تحصیلـه لازماً ، فبعدما رأی ذلک یرید أن یبعث العبد نحوهما‏‎ ‎‏فیبعث ، ولکن یفهم العبد ذلک ، أی کون أحدهما غیر واجب مع حصول الآخر بأن‏‎ ‎‏یخلّل بین البعثین کلمـة أو نحوها .‏

وبالجملـة‏ : فلیس هناک شیء متعلّق بالمردّد الواقعی لا تصوّر المولی ولا‏‎ ‎‏إرادتـه البعث ولا نفس البعث .‏

‏أمّا الأوّل : فمن الواضح أنّ البعث إلی الشیئین لایعقل بدون تصوّرهما ،‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 154
‏وحیث إنّ المتصوّر متعدّد فلا محالـة یکون التصوّر کذلک ؛ لما عرفت من أنّ‏‎ ‎‏تشخّصـه إنّما هو بتشخّصـه ، فهناک تصوّران .‏

‏وأمّا إرادتـه البعث : فواضح تعدّدها بعدما یرید البعث إلیٰ هذا والبعث إلیٰ‏‎ ‎‏ذاک .‏

‏ومن هنا یظهر وجـه تعدّد البعثین .‏

فتوهّم‏ : أنّ القول بالواجب التخییری مستلزم لکون متعلّق البعث الواحد‏‎ ‎‏مردّداً بین الشیئین أو الأشیاء مع وضوح استحالتـه ؛ لأنّـه وإن کان من الاُمور‏‎ ‎‏الاعتباریـة إلاّ أنّ تعلّقها بالمردّد مستحیل کتعلّق الاُمور الحقیقیـة بـه ، وهل یعقل‏‎ ‎‏اعتبار ملکیـة المردّد بین الثوب والدار ونظائره ؟‏

مدفوع‏ : بأنّ ذلک کلّـه مبنی علی أن یکون البعث واحداً والمبعوث إلیـه‏‎ ‎‏متعدّداً ، مع أنّک عرفت تعدّد البعث حسب تعدّد المبعوث إلیـه فی الواجب‏‎ ‎‏التخییری .‏

فالتحقیق‏ : أنّ الواجب التخییری لیس نحواً آخر من الوجوب وسنخاً آخر‏‎ ‎‏من البعث ، بل لا فرق بینـه وبین التعیینی من حیث الوجوب والبعث أصلاً ، غایـة‏‎ ‎‏الأمر أنّـه یعتبر التعیینیّـة والتخییریـة بعد ملاحظـة وحدة الواجب وتعدّده ،‏‎ ‎‏فالحقّ إمکان الواجب التخییری ، ومعـه لا مجال لرفع الید عمّا ظاهره ذلک من‏‎ ‎‏الأدلّـة الشرعیـة والأوامر العرفیـة کما أنّـه لا تصل النوبـة إلی الأقوال الکثیرة‏‎ ‎‏التی عرفت أنّ کلّها مبنیّـة علی امتناع الواجب التخییری .‏

ثمّ إنّ ما ذکره فی الکفایـة‏ : من أنّـه لو کان هناک غرض واحد مترتّب علی‏‎ ‎‏الشیئین أو الأشیاء ، فلا محالـة یکون الواجب هو الجامع والقدر المشترک بینهما‏‎ ‎‏أو بینها ؛ لأنّـه لایمکن صدور الغرض الواحد من المتعدّد بما هو متعدّد ، فحیث إنّ‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 155
‏الغرض یترتّب علی الجامع ، فلا محالـة یکون الجامع واجباً‏‎[1]‎‏ ، ففیـه ـ مضافاً إلیٰ‏‎ ‎‏منع ما ذکره من عدم إمکان صدور الشیء الواحد من المتعدّد فإنّ ذلک إنّما هو فی‏‎ ‎‏موارد مخصوصـة ، کما حقّق فی محلّـه‏‎[2]‎‏ـ أنّـه لو سلّم ترتّب الغرض علی‏‎ ‎‏الجامع ، فلا ارتباط لذلک بالمقام ؛ إذ لیس الکلام فی أنّ المترتّب علیـه الغرض‏‎ ‎‏هل هو شیء واحد أو متعدّد ، ولیس التقسیم أیضاً ناظراً إلی الغرض ، بل التقسیم‏‎ ‎‏إنّما هو للوجوب باعتبار الواجب ، فالحکم بکون الواجب فی الغرض واجباً‏‎ ‎‏تعیینیّاً لکون الغرض واحداً ، والمؤثّر فی حصولـه أیضاً کذلک ممنوع جدّاً بعدما‏‎ ‎‏کان الواجب بحسب الظاهر شیئین أو أشیاء ، وکون التقسیم بملاحظتـه ، ولا منافاة‏‎ ‎‏بین کون الغرض مترتّباً علی الجامع والأمر متعلّقاً بما هو فی ضمنـه کما لایخفیٰ .‏

‏ثمّ لایذهب علیک أنّ البعث إلی أحد الأشیاء ونظائره من العناوین الکلیّـة‏‎ ‎‏الانتزاعیـة إنّما هو من قبیل الواجب التعیینی ؛ لأنّ متعلّق الوجوب شیء واحد‏‎ ‎‏وإن کان کلّیاً انتزاعیّاً ، فتأمّل جیّداً .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 156

  • )) کفایـة ا لاُصول : 174 .
  • )) ا لحکمـة ا لمتعا لیـة 2 : 210 ـ 212 .