ا‏لفصل ا‏لسابع : فی أنّ متعلّق ا‏لطلب هل هی ا‏لطبیعة أو ا‏لأفراد‏؟

الفصل السابع فی أنّ متعلّق الطلب هل هی الطبیعة أو الأفراد ؟

‏ ‏

‏وقبل الخوض فی تحقیق المقام لابدّ من تحریر محلّ النزاع ، فنقول : ظاهر‏‎ ‎‏العنوان محتمل لاحتمالات :‏

أحدها‏ : أن یکون المراد بالطبیعـة هی الماهیّـة وبالأفراد هو الوجود بحیث‏‎ ‎‏کان مرجع النزاع فی هذا المقام إلی النزاع المعروف المشهور فی الفلسفـة ، وهو‏‎ ‎‏أنّ الأصیل هل هی الماهیّـة أو الوجود ؟ فالقائلون بأصالـة الماهیّـة یقولون بتعلّق‏‎ ‎‏الطلب بها لکونها أصیلاً ، والقائلون بأصالـة الوجود یقولون بتعلّق الطلب بـه‏‎ ‎‏لکونـه أصیلاً .‏

‏هذا ، ولکن لایخفی أنّ النزاع علیٰ هذا الوجـه بعید عن محلّ الکلام بین‏‎ ‎‏الاُصولیین .‏

ثانیها‏ : أن یکون النزاع راجعاً ومبنیّاً علی القول بأنّ الطبیعی هل یکون‏‎ ‎‏موجوداً فی الخارج أو أنّ وجوده بمعنیٰ وجود أفراده ؟ وکون النزاع علیٰ هذا‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 145
‏الوجـه وإن کان ربّما یظهر من بعض الاستدلالات کما نقلـه فی الفصول‏‎[1]‎‏ إلاّ أنّ‏‎ ‎‏الظاهر أنّـه أیضاً بعید عن محلّ الخلاف بین الاُصولیین ، کما هو واضح .‏

ثالثها‏ : أن یکون النزاع راجعاً إلی النزاع فی موادّ المشتقّات ، فالقائلون‏‎ ‎‏بکونها موضوعةً لنفس الطبائع بالوضع العامّ والموضوع لـه العامّ یقولون بتعلّق‏‎ ‎‏الطلب بالطبیعـة ؛ لأنّها مدلولـة للمادّة ، کما أنّ القائلین بکونها موضوعةً بنحو‏‎ ‎‏الوضع العامّ والموضوع لـه الخاصّ یقولون بتعلّق الطلب بالأفراد ؛ لأنّها موضوع‏‎ ‎‏لها للمادّة ، والمفروض أنّ الهیئـة لا تدلّ إلاّ علی البعث بما تتضمّنـه المادّة .‏

رابعها‏ : أن یکون مرجع النزاع ـ بعد الاتّفاق علی أنّ موادّ المشتقّات‏‎ ‎‏موضوعـة للماهیـة لابشرط کما نقلـه السکّاکی‏‎[2]‎‏ـ إلی أنّ المادّة بعد تعلّق الطلب‏‎ ‎‏بها هل تشرب معنی الوجود لأنّ الطلب إنّما یتعلّق بها من هذه الحیثیّـة ، أو أنّ‏‎ ‎‏الطلب إنّما یتعلّق بنفس مدلولها الذی هی الماهیّـة لابشرط ؟‏

‏والنزاع علی الوجهین الأخیرین یرجع إلی النزاع فی الأمر اللغوی ، کما‏‎ ‎‏أنّـه علی الوجهین الأوّلین یکون عقلیّاً ، وقد عرفت أنّـه علی الوجهین الأوّلین‏‎ ‎‏بعید عن محلّ الخلاف بین الاُصولیّین ، کما أنّـه علی الأخیرین یلزم اختصاص‏‎ ‎‏النزاع بما إذا کان الطلب بصیغـة الأمر بالنسبـة إلیٰ مادّتها فقط ، وأمّا لو کان‏‎ ‎‏الطلب بغیر صیغـة الأمر أو کان الطلب بها ولکن کانت المادّة مقیّدةً بأمر آخر ،‏‎ ‎‏کقولـه : صلّ مع الطهارة ، فلایجری ، بناءً علیهما ، مع أنّ الظاهر دخول جمیع‏‎ ‎‏الأقسام والصور فی محلّ النزاع .‏

والتحقیق أن یقال‏ : إنّ مورد النزاع إنّما هو أنّ متعلّق الطلب هل هی‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 146
‏الماهیّـة من حیث هی هی ، أو أنّـه هی الماهیّـة بلحاظ وجودها فی الخارج ؟ إذ‏‎ ‎‏لایعقل أن یتعلّق الطلب بالفرد ؛ للزوم تحصیل الحاصل .‏

وحینئذٍ فنقول‏ : إنّ الظاهر هو الأوّل ، وذلک لأنّـه بعد کون المصلحـة‏‎ ‎‏الباعثـة علی الطلب قائمةً بنفس الماهیّة من دون مدخلیة لشیء آخر أصلاً ، کما‏‎ ‎‏هو المفروض ، ومن المعلوم أنّ اللّفظ لایحکی إلاّ عن مدلولـه الذی هی نفس‏‎ ‎‏الماهیّـة فی المقام ، فسرایـة الطلب منها إلیٰ غیرها مستلزم لکون بعض المطلوب‏‎ ‎‏ممّا لیس لـه دخل فی حصول الغرض أصلاً ، ولکون اللّفظ حاکیاً عمّا لیس‏‎ ‎‏بموضوع لـه ، واتّحاد الماهیّـة مع وجوداتها فی الخارج لایستلزم أن یکون اللّفظ‏‎ ‎‏الموضوع بإزائها دالاًّ علیها أیضاً ، کیف وباب الألفاظ لا ربط لـه بباب الحقائق ،‏‎ ‎‏کما هو واضح .‏

وتوهّم‏ : أنّ الماهیّـة من حیث هی هی لیست إلاّ هی لا موجودة ولا‏‎ ‎‏معدومـة ولا مطلوبـة ولا غیر مطلوبـة ، فکیف یمکن أن یتعلّق الطلب بها من هذه‏‎ ‎‏الحیثیـة .‏

مدفوع‏ : بأنّ معنیٰ هذا الکلام عدم کون الموجودیـة والمعدومیـة‏‎ ‎‏ونظائرهما مأخوذةً فی الماهیّـة بحیث کانت تمامَ ذاتها أو جزءَ ذاتها ، وهذا‏‎ ‎‏لایستلزم استحالـة تعلّق الطلب بها من حیث نفسها ، کیف ولا ارتباط بین المقامین‏‎ ‎‏أصلاً ، کما هو واضح .‏

وقد یتوهّم أیضاً‏ : أنّ الماهیّـة من دون لحاظ وجودها فی الخارج لیست‏‎ ‎‏منشأً لأثر ؛ إذ الآثار إنّما یترتّب علی الوجود علیٰ ما هو مقتضی التحقیق ، فکیف‏‎ ‎‏یجوز أن تجعل فی حیّز الطلب .‏

ولکنّـه مدفوع أیضاً‏ : بأنّ الماهیّـة من هذه الحیثیـة ـ أی مع لحاظ وجودها‏‎ ‎‏فی الخارج ـ ظرف لسقوط الطلب ، فالمصحّح لتعلّقـه بها إنّما هو هذه الحیثیـة‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 147
‏التی لا تکون الماهیّـة بها منشأً للأثر ؛ إذ لحاظ التحقّق فی الخارج إنّما هو لحاظ‏‎ ‎‏السقوط وحصول المطلوب ، کما هو واضح .‏

فالحقّ‏ : أنّ الطلب إنّما تعلّق بنفس الماهیّـة ، غایـة الأمر أنّ صدق عنوانها‏‎ ‎‏یتوقّف علی التحقّق الخارجی ، فالأمر بإکرام زید مثلاً إنّما تعلّق بنفس طبیعـة‏‎ ‎‏الإکرام ، غایـة الأمر أنّ صدق عنوان الإکرام وتحقّقـه یتوقّف علیٰ وجوده ؛ إذ‏‎ ‎‏ماهیّـة الإکرام لا تکون إکراماً ، کما هو واضح .‏

‏ثمّ لایخفی أنّ فی التقریرات المنسوبـة إلی المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ قد عقد بعد‏‎ ‎‏هذا الفصل فصلاً آخر لسرایـة الطلب المتعلّق بصرف وجود الطبیعـة إلی حصصها‏‎ ‎‏أو الخصوصیات الفردیـة‏‎[3]‎‏ ، وکلامـه فیـه مبنی علیٰ ما یقولـه الرجل الهمدانی ،‏‎ ‎‏وقد فصّل مع جوابـه فی محلّـه ، فراجع .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 148

  • )) الفصول الغرویّـة : 125  / السطر 36 ـ 40 .
  • )) اُنظر قوانین الاُصول 1 : 121 / السطر 23 .
  • )) نهایـة الأفکار 1 : 384 ـ 389 .