الفصل السادس فی جواز الأمر مع العلم بانتفاء شرطـه
ربّما یحتمل فی عنوان النزاع احتمالات :
أحدها : أن یکون المراد بالجواز الإمکان الوقوعی ، والضمیر فی شرطـه راجعاً إلیٰ نفس الأمر ، فمرجع النزاع حینئذٍ إلیٰ إمکان تحقّق المعلول من دون تمامیـة علّتـه .
الثانی : أن یکون الضمیر أیضاً راجعاً إلیٰ نفس الأمر ولکن کان المراد بالجواز الإمکان الذاتی ، فمرجع النزاع حینئذٍ إلی أنّ تحقّق الأمر مع عدم تحقّق علّتـه هل هو من الممکنات الذاتیـة التی لاینافی عروض الامتناع لها والوجوب من ناحیـة وجود العلّـة وعدمها .
الثالث : أن یکون الضمیر راجعاً إلی المأمور بـه أو المأمور ، فیرجع النزاع إلیٰ جواز الأمر مع العلم بکون المکلّف غیر قادر علی إتیان المأمور بـه إمّا لفقد شرطـه أو لعلّـة فیـه .
هذا ، ولکن النزاع علی الوجهین الأوّلین ـ مضافاً إلیٰ کونـه بعیداً عن محلّ الخلاف بین الأعلام ـ ینافی ظاهر العنوان من حیث أخذ العلم فیـه ، فإنّـه لو کان
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 142
النزاع فی إمکان تحقّق المعلول بدون علّـة بالإمکان الوقوعی أو الذاتی ، فلا مجال لکون العلم دخیلاً فیـه أصلاً ، کما هو واضح ، فینحصر أن یکون المراد هو الاحتمال الثالث ، ومرجعـه إلی النزاع بین العدلیـة والأشاعرة ، فإنّهم اختلفوا فی جواز التکلیف بالمحال ، فذهب الطائفـة الاُولی إلی عدم الجواز خلافاً للطائفـة الثانیـة القائلین بالجواز ، ولعلّ قولهم بالجواز مبنی علی ما ذکروه فی مبحث الطلب والإرادة وکونهما مختلفین ، وإلاّ فلایعقل أن تتحقّق الإرادة بالنسبـة إلیٰ مَنْ یعلم عدم صدور الفعل منـه ، کما هو واضح .
وکیف کان فالذی یقتضیـه التحقیق فی مورد النزاع هو أن یقال : إنّ الأوامر علیٰ قسمین :
أحدهما : الأوامر الشخصیـة الجزئیـة المتوجّهـة إلی أشخاص المأمورین .
ثانیهما : الأوامر الکلیّـة المتوجّهـة إلی المکلّفین بنحو العموم .
أمّا ما یکون من قبیل الأوّل : فعدم إمکان تحقّقـه فی صورة العلم بانتفاء شرط تحقّق المأمور بـه واضح ضروری ، وذلک لأنّ غایـة البعث إنّما هو الانبعاث وحرکـة المکلّف نحو المطلوب ، فإذا فرض العلم بعدم إمکان تحقّق الانبعاث ـ کما فی المقام ـ فیستحیل تحقّق البعث والتحریک من الآمر ؛ إذ مع العلم بعدم ترتّب الغایـة علیـه کیف یمکن أن ینقدح فی نفسـه إرادة البعث مع أنّ من مبادئ الإرادة التصدیق بفائدة المراد ، ولعمری أنّ هذا واضح جدّاً .
وأمّا ما یکون من قبیل القسم الثانی الذی إلیـه ترجع الخطابات الشرعیـة الواردة بنحو العموم المتوجّهـة إلی الناس کذلک أیضاً ، فلایخفی أنّـه لایضرّ بذلک کون بعض المکلّفین غیر قادرین علی الإتیان بالمأمور بـه ، فإنّ توجیـه الأمر بهذا النحو لایشترط فیـه إلاّ کون الأمر صالحاً لانبعاث المکلّفین بحسب النوع ، وأمّا مجرّد العلم بعدم تحقّق الانبعاث بالنسبـة إلی بعض المکلّفین فلایضرّ بتوجیـه
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 143
الأمر بهذا النحو .
نعم لو کان المکلّفون بحسب النوع غیر منبعثین ، لاستحال تعلّق الأمر بهذا النحو أیضاً ، وقد عرفت تفصیل الکلام فی الفرق بین قسمی الأمر والخطاب فی صدر مبحث الترتّب ، فراجع .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 144