ا‏لأمر ا‏لثامن : فی ا‏لواجب ا‏لأصلی وا‏لتبعی

الأمر الثامن فی الواجب الأصلی والتبعی

‏ ‏

قال فی الفصول‏ : الأصلی ما فُهم وجوبـه بخطاب مستقلّ ، أی غیر لازم‏‎ ‎‏لخطاب آخر وإن کان وجوبـه تابعاً لوجوب غیره ، والتبعی بخلافـه ، وهو ما فُهم‏‎ ‎‏وجوبـه تبعاً لخطاب آخر وإن کان وجوبـه مستقلاًّ ، کما فی المفاهیم ، والمراد‏‎ ‎‏بالخطاب هنا ما دلّ علی الحکم الشرعی فیعمّ اللفظی وغیره‏‎[1]‎‏ . انتهیٰ .‏

‏وظاهره کما تریٰ أنّ هذا التقسیم إنّما هو بحسب مقام الدلالـة والإثبات ،‏‎ ‎‏لابحسب مقام الثبوت ، ولکن استظهر المحقّق الخراسانی ‏‏قدس سره‏‏ فی الکفایـة کون‏‎ ‎‏التقسیم بلحاظ الأصالـة والتبعیّـة فی الواقع ومقام الثبوت .‏

‏قال : حیث إنّـه یکون الشیء تارة متعلّقاً للإرادة والطلب مستقلاًّ للالتفات‏‎ ‎‏إلیـه بما هو علیـه ممّا یوجب طلبـه فیطلبـه ، کان طلبـه نفسیّاً أو غیریّاً ، واُخریٰ‏‎ ‎‏متعلّقاً للإرادة تبعاً لإرادة غیره لأجل کون إرادتـه لازمةً لإرادتـه من دون التفات‏‎ ‎‏إلیـه بما یوجب إرادتـه‏‎[2]‎‏ .‏

‏هذا ، ولکن یرد علیـه أنّ مقتضی التقسیم وجعل الأصلی بالمعنی المذکور‏‎ ‎‏أن یکون التبعی عبارةً عمّا لم تتعلّق بـه إرادة مستقلّـة لأجل عدم الالتفات إلیـه‏‎ ‎‏تفصیلاً ، سواء کانت إرادتـه تبعاً لإرادة غیره المراد نفساً والمطلوب کذلک أم لم‏‎ ‎‏یکن کذلک ، فالتخصیص بالاُولیٰ یوجب خروج الثانی عن التقسیم ، وعدم دخولـه‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 97
‏لا فی الأصلی ولا فی التبعی ، کما لایخفیٰ .‏

‏ویظهر من بعض المحقّقین فی حاشیتـه علی الکفایـة معنیٰ آخر ، وهو : أنّ‏‎ ‎‏للواجب وجوداً ووجوباً بالنسبـة إلیٰ مقدّمتـه جهتان من العلّیـة إحداهما العلّیـة‏‎ ‎‏الغائیـة حیث إنّ المقدّمـة إنّما تراد لمراد آخر لا لنفسها ، بخلاف ذیها ، فإنّـه مراد‏‎ ‎‏لا لمراد آخر ، والثانیـة العلّیـة الفاعلیـة ، وهی أنّ إرادة ذی المقدّمـة علّـة لإرادة‏‎ ‎‏مقدّمتـه ، ومنها تنشأ وتترشّح علیها الإرادة .‏

‏والجهـة الاُولیٰ مناط الغیریـة ، والجهـة الثانیـة مناط التبعیّـة ، ووجـه‏‎ ‎‏الانفکاک بین الجهتین أنّ ذات الواجب النفسی حیث إنّـه مترتّب علی الواجب‏‎ ‎‏الغیری ، فهی الغایـة الحقیقیّـة ، لکنّـه ما لم یجب لا تجب المقدّمـة ، فوجوب‏‎ ‎‏المقدّمـة معلول خارجاً ، لوجوب ذیها ، ومتأخّر عنـه رتبةً ، إلاّ أنّ الغرض منـه‏‎ ‎‏ترتّب ذیها علیها‏‎[3]‎‏ . انتهیٰ موضع الحاجـة .‏

‏ولکن لایخفیٰ أنّ إرادة المقدّمـة لایعقل أن تکون معلولةً لإرادة ذیها ، بمعنیٰ‏‎ ‎‏صدورها عنها وترشّحها عنها کترشّح المعلول من العلّـة ؛ لأنّ الإرادة المتعلّقـة‏‎ ‎‏بذی المقدّمـة قد توجد مع عدم تعلّقها بالمقدّمـة لأجل عدم التوجّـه إلی المقدّمـة‏‎ ‎‏أو إلیٰ مقدّمیتها ، ومن المعلوم أنّ الإرادة إنّما هو بعد التوجّـه ؛ لما حقّق فی محلّـه‏‎ ‎‏من أنّ تصوّر المراد والتوجّـه إلیـه من مبادئ الإرادة‏‎[4]‎‏ ، بل مقدّم علیٰ جمیعها ،‏‎ ‎‏فکیف یمکن أن تتعلّق بما لایکون متوجّهاً إلیـه ، وتعلّق الإرادة علیٰ فرض‏‎ ‎‏التوجّـه لا محالـة لایفید فی تصحیح المعلولیـة مطلقاً .‏

‏والحقّ کما عرفت مراراً أنّ إرادة المقدّمـة کإرادة ذیها تحصل بفعّالیـة‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 98
‏النفس وموجدة بفاعلیتها ، غایـة الأمر أنّ الفائدة المترتّبـة علیها لیست إلاّ حصول‏‎ ‎‏ما هو مطلوب بالذات ، بخلاف المراد الأوّلی والمطلوب الأقصیٰ ، کما لایخفیٰ .‏

‏والإنصاف أنّ هذا التقسیم إنّما هو بلحاظ الأصالیـة والتبعیـة فی مقام‏‎ ‎‏الإثبات ، کما عرفت من صاحب الفصول ‏‏قدس سره‏‏ ، لابحسب مقام الواقع والثبوت ، کما‏‎ ‎‏لایخفیٰ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 99

  • )) الفصول الغرویّـة : 82 / السطر 7 .
  • )) کفایـة الاُصول : 152 .
  • )) نهایـة الدرایـة 2 : 157 ـ 158 .
  • )) الحکمـة المتعالیـة 4 : 114 ، و 6 : 342 .