فی الدلیل العقلی علی المقدّمـة الموصلـة
وأمّا مقام الإثبات : فقد استدلّ صاحب الفصول بوجوه أسدّها وأمتنها هو الوجـه الأخیر .
قال فی بیانـه : حیث إنّ المطلوب بالمقدّمـة مجرّد التوصّل بها إلی الواجب وحصولـه ، فلا جرم یکون التوصّل بها إلیـه وحصولـه معتبراً فی مطلوبیتها ، فلا تکون مطلوبةً إذا انفکّت عنـه ، وصریح الوجدان قاضٍ بأنّ مَنْ یرید شیئاً لمجرّد حصول شیء آخر لایریده إذا وقع مجرّداً عنـه ، ویلزم منـه أن یکون وقوعـه علیٰ وجـه المطلوب منوطاً بحصولـه .
وأجاب عنـه فی الکفایـة أوّلاً : بمنع کون المطلوب بالمقدّمـة التوصّل بها إلی الواجب ، بل مطلوبیتها لأجل عدم التمکّن من التوصّل بدونها ، کیف ولایکون التوصّل من آثارها إلاّ فی بعض المقدّمات .
وثانیاً : بأنّـه لو سلّم کون المطلوب بالمقدّمـة ذلک ولکن لا نسلّم مدخلیّـة الغایـة فی مطلوبیّـة ذیها ؛ لأنّ صریح الوجدان یقضی بأنّ ما اُرید لأجل غایـة وتجرّد عنها بسبب عدم حصول بعض ما لَـه دخل فی تحقّقها یقع علیٰ ما هو علیـه من المطلوبیـة الغیریـة ، کیف وإلاّ یلزم أن یکون وجودها من قیوده ومقدّمـة لوقوعـه علیٰ نحو تکون الملازمـة بین وجوبـه بذاک النحو ووجوبها .
وهو کما تریٰ ، ضرورة أنّ الغایـة لا تکون قیداً لذی الغایـة بحیث کان تخلّفها موجباً لعدم وقوع ذی الغایـة علیٰ ما هو علیـه من المطلوبیـة الغیریـة ، وإلاّ یلزم أن تکون مطلوبةً بطلبـه ، کسائر قیوده ، فلایکون وقوعـه علیٰ هذه الصفة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 89
منوطاً بحصولها ، کما أفاده .
ولعلّ منشأ توهّمـه الخلط بین الجهـة التقییدیـة والتعلیلیـة . انتهیٰ ملخّص موضع الحاجـة من کلامـه .
وفی کلٍّ من الجوابین نظر بل منع .
أمّا الأوّل : فلأنّ من الواضح البدیهی أنّ مطلوبیـة المقدّمـة إنّما هو للتوصّل بها إلیٰ ذیها ؛ لأنّ المفروض أنّها مطلوبـة بتبع الغیر ولأجلـه فتعلّق الطلب بها لاینشأ إلاّ لکونها یتوصّل بها إلی المطلوب الأصلی .
والدلیل علیـه أنّـه لاینقطع السؤال عن تعلّق الوجوب بها بـ «لِمَ» إلاّ بعد الجواب بأنّها مطلوبـة للتوصّل إلیـه ، وإلاّ فمجرّد التوقّف مع قطع النظر عن ترتّب ذی المقدّمـة علیها لایکفی فی انقطاع السؤال ، کما یظهر بمراجعـة الوجدان السلیم .
وما ذکره من أنّ التوصّل لیس من آثارها ، فیدفعـه أنّک عرفت فیما سبق أنّ المراد بکلمـة الموصل لیس خصوص العلّـة التامّـة ، کما ربّما یوهمـه الجمود علیٰ ظاهرها ، بل المراد بـه ترتّب ذی المقدّمـة علیها والإتیان بـه بعدها .
وأمّا الثانی : فلایخفیٰ أنّ إرادة شیء لأجل غایـة ترجع إلی إرادتـه مقیّداً بها ، کما هو واضح ، ضرورة أنّ العقل لایحکم بحکم إلاّ مع تشخیص موضوعـه بجمیع جهاتـه وحیثیاتـه التی لها مدخلیّـة فی الحکم ، وإذا حکم بحکم لموضوع من جهـة خاصّـة وحیثیـة مخصوصـة فیستحیل أن یصرف حکمـه عن تلک الجهـة والحیثیـة ، ویسری إلیٰ ذات الموضوع مع قطع النظر عن الحیثیـة التی تکون دخیلاً فی ترتّب الحکم أو إلیٰ بعض الجهات الاُخر المغایرة لهذه الجهـة ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 90
فإذا سلّم أنّ مطلوبیـة المقدّمـة إنّما هو للتوصّل بها إلیٰ ذیها ، کما هو المفروض فی الجواب الثانی ، فلا محالـة تکون المطلوبیـة واقعةً علی المقدّمة بتلک الحیثیة ، وإلاّ فذاتها مطلقاً ولو مع بعض الحیثیات الاُخر لایتعلّق بها طلب أصلاً .
وما اشتهر فی الألسن من الفرق بین الجهات التعلیلیـة والتقییدیـة بکون الثانیـة دخیلاً فی الموضوع وقیداً لـه دون الاُولیٰ ، لیس بصحیح ، فإنّ جمیع الجهات التعلیلیـة راجعـة إلی الجهات التقییدیـة ؛ لما عرفت من استحالـة أن یصرف العقل حکمـه الثابت لموضوع عنـه إلیٰ غیره ، وهذا بمکان من الوضوح .
وانقدح من جمیع ما ذکرنا أنّـه لو قلنا بالملازمـة ، فالواجب متابعـة صاحب الفصول قدس سره والأخذ بقولـه الراجع إلیٰ ثبوت الملازمـة بین وجوب ذی المقدّمـة وبین الوجوب المتعلّق بخصوص المقدّمات الموصلـة ، وقد عرفت أنّـه لایرد علیـه شیء ممّا أوردها القوم علیـه .
وعلیٰ تقدیر تسلیم الورود ، فلایدفعـه التوجیـه بلحاظ الإیصال ، کما عرفت من الدّرر ، أو بالحصّـة التوأمـة کما عرفت من التقریرات ، إلاّ أنّ الکلام فی أصل ثبوت الملازمـة ، وسیجیء ما هو الحقّ فی بابها ، فانتظر .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91