فی ا‏لدلیل ا‏لعقلی علی ا‏لمقدّمـة ا‏لموصلـة

فی الدلیل العقلی علی المقدّمـة الموصلـة

‏ ‏

‏وأمّا مقام الإثبات : فقد استدلّ صاحب الفصول بوجوه أسدّها وأمتنها هو‏‎ ‎‏الوجـه الأخیر .‏

قال فی بیانـه‏ : حیث إنّ المطلوب بالمقدّمـة مجرّد التوصّل بها إلی الواجب‏‎ ‎‏وحصولـه ، فلا جرم یکون التوصّل بها إلیـه وحصولـه معتبراً فی مطلوبیتها ، فلا‏‎ ‎‏تکون مطلوبةً إذا انفکّت عنـه ، وصریح الوجدان قاضٍ بأنّ مَنْ یرید شیئاً لمجرّد‏‎ ‎‏حصول شیء آخر لایریده إذا وقع مجرّداً عنـه ، ویلزم منـه أن یکون وقوعـه علیٰ‏‎ ‎‏وجـه المطلوب منوطاً بحصولـه‏‎[1]‎‏ .‏

وأجاب عنـه فی الکفایـة أوّلاً‏ : بمنع کون المطلوب بالمقدّمـة التوصّل بها‏‎ ‎‏إلی الواجب ، بل مطلوبیتها لأجل عدم التمکّن من التوصّل بدونها ، کیف ولایکون‏‎ ‎‏التوصّل من آثارها إلاّ فی بعض المقدّمات .‏

وثانیاً‏ : بأنّـه لو سلّم کون المطلوب بالمقدّمـة ذلک ولکن لا نسلّم مدخلیّـة‏‎ ‎‏الغایـة فی مطلوبیّـة ذیها ؛ لأنّ صریح الوجدان یقضی بأنّ ما اُرید لأجل غایـة‏‎ ‎‏وتجرّد عنها بسبب عدم حصول بعض ما لَـه دخل فی تحقّقها یقع علیٰ ما هو علیـه‏‎ ‎‏من المطلوبیـة الغیریـة ، کیف وإلاّ یلزم أن یکون وجودها من قیوده ومقدّمـة‏‎ ‎‏لوقوعـه علیٰ نحو تکون الملازمـة بین وجوبـه بذاک النحو ووجوبها .‏

‏وهو کما تریٰ ، ضرورة أنّ الغایـة لا تکون قیداً لذی الغایـة بحیث کان‏‎ ‎‏تخلّفها موجباً لعدم وقوع ذی الغایـة علیٰ ما هو علیـه من المطلوبیـة الغیریـة ،‏‎ ‎‏وإلاّ یلزم أن تکون مطلوبةً بطلبـه ، کسائر قیوده ، فلایکون وقوعـه علیٰ هذه الصفة‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 89
‏منوطاً بحصولها ، کما أفاده .‏

‏ولعلّ منشأ توهّمـه الخلط بین الجهـة التقییدیـة والتعلیلیـة‏‎[2]‎‏ . انتهیٰ‏‎ ‎‏ملخّص موضع الحاجـة من کلامـه .‏

‏وفی کلٍّ من الجوابین نظر بل منع .‏

أمّا الأوّل‏ : فلأنّ من الواضح البدیهی أنّ مطلوبیـة المقدّمـة إنّما هو للتوصّل‏‎ ‎‏بها إلیٰ ذیها ؛ لأنّ المفروض أنّها مطلوبـة بتبع الغیر ولأجلـه فتعلّق الطلب بها‏‎ ‎‏لاینشأ إلاّ لکونها یتوصّل بها إلی المطلوب الأصلی .‏

‏والدلیل علیـه أنّـه لاینقطع السؤال عن تعلّق الوجوب بها بـ «لِمَ» إلاّ بعد‏‎ ‎‏الجواب بأنّها مطلوبـة للتوصّل إلیـه ، وإلاّ فمجرّد التوقّف مع قطع النظر عن ترتّب‏‎ ‎‏ذی المقدّمـة علیها لایکفی فی انقطاع السؤال ، کما یظهر بمراجعـة الوجدان‏‎ ‎‏السلیم .‏

‏وما ذکره من أنّ التوصّل لیس من آثارها ، فیدفعـه أنّک عرفت فیما سبق أنّ‏‎ ‎‏المراد بکلمـة الموصل لیس خصوص العلّـة التامّـة ، کما ربّما یوهمـه الجمود‏‎ ‎‏علیٰ ظاهرها ، بل المراد بـه ترتّب ذی المقدّمـة علیها والإتیان بـه بعدها .‏

وأمّا الثانی‏ : فلایخفیٰ أنّ إرادة شیء لأجل غایـة ترجع إلی إرادتـه مقیّداً‏‎ ‎‏بها ، کما هو واضح ، ضرورة أنّ العقل لایحکم بحکم إلاّ مع تشخیص موضوعـه‏‎ ‎‏بجمیع جهاتـه وحیثیاتـه التی لها مدخلیّـة فی الحکم ، وإذا حکم بحکم لموضوع‏‎ ‎‏من جهـة خاصّـة وحیثیـة مخصوصـة فیستحیل أن یصرف حکمـه عن تلک‏‎ ‎‏الجهـة والحیثیـة ، ویسری إلیٰ ذات الموضوع مع قطع النظر عن الحیثیـة التی‏‎ ‎‏تکون دخیلاً فی ترتّب الحکم أو إلیٰ بعض الجهات الاُخر المغایرة لهذه الجهـة ،‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 90
‏فإذا سلّم أنّ مطلوبیـة المقدّمـة إنّما هو للتوصّل بها إلیٰ ذیها ، کما هو المفروض فی‏‎ ‎‏الجواب الثانی ، فلا محالـة تکون المطلوبیـة واقعةً علی المقدّمة بتلک الحیثیة ،‏‎ ‎‏وإلاّ فذاتها مطلقاً ولو مع بعض الحیثیات الاُخر لایتعلّق بها طلب أصلاً .‏

‏وما اشتهر فی الألسن من الفرق بین الجهات التعلیلیـة والتقییدیـة بکون‏‎ ‎‏الثانیـة دخیلاً فی الموضوع وقیداً لـه دون الاُولیٰ ، لیس بصحیح ، فإنّ جمیع‏‎ ‎‏الجهات التعلیلیـة راجعـة إلی الجهات التقییدیـة ؛ لما عرفت من استحالـة أن‏‎ ‎‏یصرف العقل حکمـه الثابت لموضوع عنـه إلیٰ غیره ، وهذا بمکان من الوضوح .‏

‏وانقدح من جمیع ما ذکرنا أنّـه لو قلنا بالملازمـة ، فالواجب متابعـة‏‎ ‎‏صاحب الفصول ‏‏قدس سره‏‏ والأخذ بقولـه الراجع إلیٰ ثبوت الملازمـة بین وجوب ذی‏‎ ‎‏المقدّمـة وبین الوجوب المتعلّق بخصوص المقدّمات الموصلـة ، وقد عرفت أنّـه‏‎ ‎‏لایرد علیـه شیء ممّا أوردها القوم علیـه .‏

‏وعلیٰ تقدیر تسلیم الورود ، فلایدفعـه التوجیـه بلحاظ الإیصال ، کما‏‎ ‎‏عرفت من الدّرر ، أو بالحصّـة التوأمـة کما عرفت من التقریرات ، إلاّ أنّ الکلام فی‏‎ ‎‏أصل ثبوت الملازمـة ، وسیجیء ما هو الحقّ فی بابها ، فانتظر .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91

  • )) الفصول الغرویّـة : 86 / السطر 22 .
  • )) کفایـة الاُصول : 149 ـ 150 .