حول ما نسب إلیٰ صاحب الفصول
وأمّا اعتبار الإیصال إلیـه ـ کما یظهر من صاحب الفصولـ فإن کان هذا القید شرطاً للوجوب بمعنیٰ أنّـه لایجب المقدّمـة إلاّ مع الإیصال المتوقّف علیٰ تحقّق ذیها الراجع إلی أنّ وجوب المقدّمـة إنّما هو بعد الإتیان بذیها ، المتوقّف علیها ، فاستحالتـه أظهر من أن یخفیٰ ، فإنّـه من قبیل تحصیل الحاصل .
والظاهر أنّـه لایقول بـه صاحب الفصول قدس سره بل مراده قدس سره إنّما هو اعتبار هذا القید فی متعلّق الوجوب ، لا أن یکون شرطاً للوجوب ، بل قیداً للواجب بحیث
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 82
یجب تحصیلـه .
وقد اُورد علیـه بوجوه من الإیراد :
منها : أنّـه یلزم الدور بناء علیـه ، وتقریبـه : أنّـه لا إشکال فی توقّف ذی المقدّمـة علیها ؛ لأنّ المفروض کونها مقدّمةً لـه ، فلو کان الإیصال مأخوذاً فیها ، یلزم توقّف المقدّمـة علیها أیضاً ؛ لأنّ حصول القید متوقّف علیها بلا إشکال ، وهذا هو الدور محضاً .
والجواب أنّ ما یتوقّف ذوالمقدّمـة علیـه هو ذات المقدّمـة ؛ لأنّـه لا مدخلیـة للإیصال فی مقدّمیتها ، بل إنّما هو مأخوذ فی متعلّق الواجب ، وما یتوقّف علیٰ ذی المقدّمـة هو الإیصال لا ذات المقدّمـة ، فالموقوف علیٰ ذی المقدّمـة لایتوقّف هو علیها ، بل یتوقّف علیٰ ذاتها ، کما هو أوضح من أن یخفیٰ .
منها : لزوم التسلسل ، وتقریبـه أن یقال : إنّ المقدّمـة حینئذٍ تکون مرکّبةً من أمرین : أحدهما : الذات ، والآخر : قید التوصّل ، فتکون الذات مقدّمـة لحصول المقدّمـة المرکّبـة ، کما هو الشأن فی جمیع أجزاء المرکّب .
مثلاً : لو کان الوضوء الموصل إلی الصلاة مقدّمةً ، والسیر الموصل إلی الحج مقدّمـة ، فذات الوضوء والسیر یکون مقدّمةً للوضوء الموصل والسیر الموصل ، وحینئذٍ فیعتبر قید الإیصال فیـه أیضاً ، فیلزم التسلسل .
والجواب : أنّ مدخلیـة قید الإیصال إنّما هو فی تعلّق الوجوب إلی المقدّمـة بمعنیٰ أنّـه لایتعلّق الوجوب بها إلاّ مع ذلک القید لابدونـه ، لا أن یکون القید دخیلاً فی مقدّمیـة المقدّمـة وتوقّف ذیها علیها ، وحینئذٍ فلیس هنا إلاّ ذات
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 83
المقدّمـة وقید الإیصال ، والاُولیٰ لایتعلّق بها الوجوب إلاّ مع انضمام الثانی إلیـه ، فمن أین یلزم التسلسل ؟ کما هو واضح .
منها : أنّـه یلزم أن یکون ذو المقدّمـة متعلّقاً للوجوب النفسی وللوجوب الغیری ، بل للوجوبات الغیریـة المتعدّدة حسب تعدّد المقدّمات .
أمّا تعلّق الوجوب النفسی إلیـه : فلأنّـه المفروض .
وأمّا تعلّق الوجوب الغیری : فلأنّـه لا إشکال فی أنّ تحقّق قید الإیصال موقوف علیٰ ذی المقدّمـة ، فیتعلّق بها الوجوب الغیری أیضاً .
والجواب : أنّ توقّف عنوان الإیصال علیٰ ذی المقدّمـة وإن کان مسلّماً إلاّ أنّ تعلّق الأمر الغیری إلیها ممنوع بعد أنّـه یعتبر عند القائل بهذا القول الإیصال إلیٰ ذی المقدّمـة ، ومن المعلوم امتناع أن یکون الشیء موصلاً إلیٰ نفسـه ، والإیصال إلی المقدّمـة الموصولـة لم یکن معتبراً عند القائل أصلاً .
وبالجملـة ، فلو کان المراد تعلّق الأمر الغیری بذی المقدّمـة من دون قید ، فهو ممنوع عند القائل بعد اعتباره فی متعلّق الأمر الغیری قید الإیصال ، کما هو واضح .
وإن کان المراد تعلّقـه بـه مع هذا القید ، فالإیصال إلی المقدّمـة الموصلـة غیر مقصود لـه ، والإیصال إلیٰ نفسها لایعقل ، فکیف یلزم تعلّق الأمر الغیری بل الأوامر الغیریـة بذی المقدّمـة ؟ !
منها : ما اُورد علیـه فی الکفایـة من أنّ القول بالمقدّمـة الموصلـة یستلزم إنکار وجوب المقدّمـة فی غالب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلّـة التامّـة فی خصوص الواجبات التولیدیـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 84
أمّا الاختصاص بالاُولیٰ : فلأنّـه لایعقل ترتّب الممکن علیٰ غیر علّتـه التامّـة ووجوده بدونها .
وأمّا الاختصاص بالثانیـة ـ مع أنّ وجود کلّ ممکن بدون علّتـه التامّـة مستحیل ـ أنّ مبادئ اختیار الفعل الاختیاری من أجزاء العلّـة التامّـة ، وهی لا تکاد تتّصف بالوجوب ؛ لعدم کونها من الاُمور الاختیاریـة ، وإلاّ لتسلسل .
وبالجملـة ، فالإیصال إنّما هو فی خصوص الواجبات التولیدیـة ، وأمّا فی غیرها فمع اجتماع جمیع الأجزاء یمکن أن لایقع لتوسّط الإرادة والاختیار ، کما هو واضح .
والجواب : أنّ مرادهقدس سره بالإیصال لیس ما یترتّب علیـه ذوالمقدّمـة قهراً حتّیٰ یورد علیـه بما ذکر ، بل مراده منـه هو ترتّب الفعل علیـه ولو بواسطـة أو وسائط بمعنیٰ أنّ مطلق المقدّمـة لایتعلّق بـه الوجوب ، بل بالمقدّمـة التی یتعقّبها الإتیان بذی المقدّمـة ، سواء کانت علّةً تامّة لحصولـه قهراً أم لم تکن .
هذا مضافاً إلیٰ ما عرفت من أنّ الإرادة من الاُمور الاختیاریـة التی یمکن أن یتعلّق بها الطلب والبعث ، کیف ولو قلنا باستحالـة تعلّق الطلب بها ، فلا تکون متعلّقةً للأمر الغیری حتّیٰ بناء علیٰ وجوب مطلق المقدّمة ، فمن أین یلزم الإرادة التی هی من أجزاء العلّـة التامّـة ، کما هو واضح .
منها : ما اُورد علیـه فی الکفایـة أیضاً ، وحاصلـه أنّـه لو کان معتبراً فیـه الترتّب ، لما کان الطلب یسقط بمجرّد الإتیان بها من دون انتظار لترتّب الواجب علیها مع أنّ الطلب لایکاد یسقط إلاّ بالموافقـة أو بالمخالفـة أو بارتفاع موضوع
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 85
التکلیف ، ولایکون الإتیان بالمقدّمـة بالضرورة من هذه الاُمور غیر الموافقـة .
والجواب : أنّا نمنع السقوط بمجرّد الإتیان بذات المقدّمـة ؛ لأنّ القائل یقول بأنّ سقوطـه متوقّف علیٰ ضمیمـة قیده إلیـه ، فلایسقط إلاّ بعد الإتیان بذی المقدّمـة ، کما أنّ الأمر بالصلاة لایسقط إلاّ مع الإتیان بجزئـه الأخیر أیضاً ، وهذا واضح لا إشکال فیـه .
فانقدح من جمیع ما ذُکر أنّـه لایلزم محال من الأخذ بأحد الأقوال الثلاثـة الواقعـة فی مقابل القول بوجوب مطلق المقدّمـة فی مقام الثبوت بناء علی أن یکون القید الزائد دخیلاً فی متعلّق الوجوب ، لا أن یکون شرطاً لـه ، کما عرفت .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 86