حول ما نسب إ‏لیٰ صاحب ا‏لفصول

حول ما نسب إلیٰ صاحب الفصول

‏ ‏

‏وأمّا اعتبار الإیصال إلیـه ـ کما یظهر من صاحب الفصول‏‎[1]‎‏ـ فإن کان هذا‏‎ ‎‏القید شرطاً للوجوب بمعنیٰ أنّـه لایجب المقدّمـة إلاّ مع الإیصال المتوقّف علیٰ‏‎ ‎‏تحقّق ذیها الراجع إلی أنّ وجوب المقدّمـة إنّما هو بعد الإتیان بذیها ، المتوقّف‏‎ ‎‏علیها ، فاستحالتـه أظهر من أن یخفیٰ ، فإنّـه من قبیل تحصیل الحاصل .‏

‏والظاهر أنّـه لایقول بـه صاحب الفصول ‏‏قدس سره‏‏ بل مراده ‏‏قدس سره‏‏ إنّما هو اعتبار هذا‏‎ ‎‏القید فی متعلّق الوجوب ، لا أن یکون شرطاً للوجوب ، بل قیداً للواجب بحیث‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 82
‏یجب تحصیلـه .‏

وقد اُورد علیـه بوجوه من الإیراد :

منها‏ : أنّـه یلزم الدور بناء علیـه ، وتقریبـه : أنّـه لا إشکال فی توقّف ذی‏‎ ‎‏المقدّمـة علیها ؛ لأنّ المفروض کونها مقدّمةً لـه ، فلو کان الإیصال مأخوذاً فیها ،‏‎ ‎‏یلزم توقّف المقدّمـة علیها أیضاً ؛ لأنّ حصول القید متوقّف علیها بلا إشکال ، وهذا‏‎ ‎‏هو الدور محضاً‏‎[2]‎‏ .‏

‏والجواب أنّ ما یتوقّف ذوالمقدّمـة علیـه هو ذات المقدّمـة ؛ لأنّـه لا‏‎ ‎‏مدخلیـة للإیصال فی مقدّمیتها ، بل إنّما هو مأخوذ فی متعلّق الواجب ، وما یتوقّف‏‎ ‎‏علیٰ ذی المقدّمـة هو الإیصال لا ذات المقدّمـة ، فالموقوف علیٰ ذی المقدّمـة‏‎ ‎‏لایتوقّف هو علیها ، بل یتوقّف علیٰ ذاتها ، کما هو أوضح من أن یخفیٰ .‏

منها‏ : لزوم التسلسل ، وتقریبـه أن یقال : إنّ المقدّمـة حینئذٍ تکون مرکّبةً من‏‎ ‎‏أمرین : أحدهما : الذات ، والآخر : قید التوصّل ، فتکون الذات مقدّمـة لحصول‏‎ ‎‏المقدّمـة المرکّبـة ، کما هو الشأن فی جمیع أجزاء المرکّب .‏

‏مثلاً : لو کان الوضوء الموصل إلی الصلاة مقدّمةً ، والسیر الموصل إلی‏‎ ‎‏الحج مقدّمـة ، فذات الوضوء والسیر یکون مقدّمةً للوضوء الموصل والسیر‏‎ ‎‏الموصل ، وحینئذٍ فیعتبر قید الإیصال فیـه أیضاً ، فیلزم التسلسل‏‎[3]‎‏ .‏

‏والجواب : أنّ مدخلیـة قید الإیصال إنّما هو فی تعلّق الوجوب إلی‏‎ ‎‏المقدّمـة بمعنیٰ أنّـه لایتعلّق الوجوب بها إلاّ مع ذلک القید لابدونـه ، لا أن یکون‏‎ ‎‏القید دخیلاً فی مقدّمیـة المقدّمـة وتوقّف ذیها علیها ، وحینئذٍ فلیس هنا إلاّ ذات‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 83
‏المقدّمـة وقید الإیصال ، والاُولیٰ لایتعلّق بها الوجوب إلاّ مع انضمام الثانی إلیـه ،‏‎ ‎‏فمن أین یلزم التسلسل ؟ کما هو واضح .‏

منها‏ : أنّـه یلزم أن یکون ذو المقدّمـة متعلّقاً للوجوب النفسی وللوجوب‏‎ ‎‏الغیری ، بل للوجوبات الغیریـة المتعدّدة حسب تعدّد المقدّمات .‏

‏أمّا تعلّق الوجوب النفسی إلیـه : فلأنّـه المفروض .‏

‏وأمّا تعلّق الوجوب الغیری : فلأنّـه لا إشکال فی أنّ تحقّق قید الإیصال‏‎ ‎‏موقوف علیٰ ذی المقدّمـة ، فیتعلّق بها الوجوب الغیری أیضاً‏‎[4]‎‏ .‏

‏والجواب : أنّ توقّف عنوان الإیصال علیٰ ذی المقدّمـة وإن کان مسلّماً إلاّ‏‎ ‎‏أنّ تعلّق الأمر الغیری إلیها ممنوع بعد أنّـه یعتبر عند القائل بهذا القول الإیصال‏‎ ‎‏إلیٰ ذی المقدّمـة ، ومن المعلوم امتناع أن یکون الشیء موصلاً إلیٰ نفسـه ،‏‎ ‎‏والإیصال إلی المقدّمـة الموصولـة لم یکن معتبراً عند القائل أصلاً .‏

‏وبالجملـة ، فلو کان المراد تعلّق الأمر الغیری بذی المقدّمـة من دون قید ،‏‎ ‎‏فهو ممنوع عند القائل بعد اعتباره فی متعلّق الأمر الغیری قید الإیصال ، کما هو‏‎ ‎‏واضح .‏

‏وإن کان المراد تعلّقـه بـه مع هذا القید ، فالإیصال إلی المقدّمـة الموصلـة‏‎ ‎‏غیر مقصود لـه ، والإیصال إلیٰ نفسها لایعقل ، فکیف یلزم تعلّق الأمر الغیری بل‏‎ ‎‏الأوامر الغیریـة بذی المقدّمـة ؟ !‏

منها‏ : ما اُورد علیـه فی الکفایـة من أنّ القول بالمقدّمـة الموصلـة یستلزم‏‎ ‎‏إنکار وجوب المقدّمـة فی غالب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلّـة‏‎ ‎‏التامّـة فی خصوص الواجبات التولیدیـة .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 84
‏أمّا الاختصاص بالاُولیٰ : فلأنّـه لایعقل ترتّب الممکن علیٰ غیر علّتـه‏‎ ‎‏التامّـة ووجوده بدونها .‏

‏وأمّا الاختصاص بالثانیـة ـ مع أنّ وجود کلّ ممکن بدون علّتـه التامّـة‏‎ ‎‏مستحیل ـ أنّ مبادئ اختیار الفعل الاختیاری من أجزاء العلّـة التامّـة ، وهی لا‏‎ ‎‏تکاد تتّصف بالوجوب ؛ لعدم کونها من الاُمور الاختیاریـة ، وإلاّ لتسلسل .‏

‏وبالجملـة ، فالإیصال إنّما هو فی خصوص الواجبات التولیدیـة ، وأمّا فی‏‎ ‎‏غیرها فمع اجتماع جمیع الأجزاء یمکن أن لایقع لتوسّط الإرادة والاختیار ، کما‏‎ ‎‏هو واضح‏‎[5]‎‏ .‏

‏والجواب : أنّ مراده‏‏قدس سره‏‏ بالإیصال لیس ما یترتّب علیـه ذوالمقدّمـة قهراً‏‎ ‎‏حتّیٰ یورد علیـه بما ذکر ، بل مراده منـه هو ترتّب الفعل علیـه ولو بواسطـة أو‏‎ ‎‏وسائط بمعنیٰ أنّ مطلق المقدّمـة لایتعلّق بـه الوجوب ، بل بالمقدّمـة التی یتعقّبها‏‎ ‎‏الإتیان بذی المقدّمـة ، سواء کانت علّةً تامّة لحصولـه قهراً أم لم تکن .‏

‏هذا مضافاً إلیٰ ما عرفت من أنّ الإرادة من الاُمور الاختیاریـة التی یمکن‏‎ ‎‏أن یتعلّق بها الطلب والبعث ، کیف ولو قلنا باستحالـة تعلّق الطلب بها ، فلا تکون‏‎ ‎‏متعلّقةً للأمر الغیری حتّیٰ بناء علیٰ وجوب مطلق المقدّمة ، فمن أین یلزم الإرادة‏‎ ‎‏التی هی من أجزاء العلّـة التامّـة ، کما هو واضح .‏

منها‏ : ما اُورد علیـه فی الکفایـة أیضاً ، وحاصلـه أنّـه لو کان معتبراً فیـه‏‎ ‎‏الترتّب ، لما کان الطلب یسقط بمجرّد الإتیان بها من دون انتظار لترتّب الواجب‏‎ ‎‏علیها مع أنّ الطلب لایکاد یسقط إلاّ بالموافقـة أو بالمخالفـة أو بارتفاع موضوع‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 85
‏التکلیف ، ولایکون الإتیان بالمقدّمـة بالضرورة من هذه الاُمور غیر الموافقـة‏‎[6]‎‏ .‏

‏والجواب : أنّا نمنع السقوط بمجرّد الإتیان بذات المقدّمـة ؛ لأنّ القائل یقول‏‎ ‎‏بأنّ سقوطـه متوقّف علیٰ ضمیمـة قیده إلیـه ، فلایسقط إلاّ بعد الإتیان بذی‏‎ ‎‏المقدّمـة ، کما أنّ الأمر بالصلاة لایسقط إلاّ مع الإتیان بجزئـه الأخیر أیضاً ، وهذا‏‎ ‎‏واضح لا إشکال فیـه .‏

‏فانقدح من جمیع ما ذُکر أنّـه لایلزم محال من الأخذ بأحد الأقوال الثلاثـة‏‎ ‎‏الواقعـة فی مقابل القول بوجوب مطلق المقدّمـة فی مقام الثبوت بناء علی أن‏‎ ‎‏یکون القید الزائد دخیلاً فی متعلّق الوجوب ، لا أن یکون شرطاً لـه ، کما عرفت .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 86

  • )) الفصول الغرویّـة : 81 / السطر 4 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 290 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) نهایـة الاُصول : 195 .
  • )) کفایـة الاُصول : 145 ـ 146 .
  • )) کفایـة الاُصول : 146 .