تحقیق فیما نسب إلی الشیخ الأنصاری قدس سره
ثمّ إنّ ما نسب إلی الشیخ الأنصاری قدس سره من أنّ الملازمـة إنّما هی بین ذی المقدّمـة وبین المقدّمـة التی قصد بها التوصّل إلیـه بحیث یکون هذا القول فی عرض سائر الأقوال فی باب المقدّمـة لیست النسبـة إلیـه فی محلّـه ، فإنّ منشأ النسبـة إنّما هو ملاحظـة التقریرات المنسوبـة إلیـه ، ونحن بعد ملاحظـة هذا المقام منها صدراً وذیلاً لم نعرف وجهاً لهذه النسبـة أصلاً ؛ فإنّ المقرّر بعد حکایـة عبارة المعالم والإشکال فیها بالوجهین المتقدّمین شرع فی أنّـه هل یعتبر فی امتثال الأمر الغیری قصد التوصّل بها إلیٰ ذیها أم لا ، واختار الأوّل .
ثمّ ذکر فی تحقیقـه أنّ الأمر الغیری لایستلزم امتثالاً أصلاً ، بل المقصود منـه مجرّد التوصّل بـه إلی الغیر ، وقضیّـة ذلک هو قیام الواجب مقامـه وإن لم یکن المقصود منـه التوصّل بـه إلی الواجب ، کما إذا أمر المولیٰ عبده بشراء اللحم من السوق ، الموقوف علیٰ تحصیل الثمن ، ولکنّ العبد حصّل الثمن لا لأجل شراء اللحم ، بل لغرض آخر ، ثمّ بدا لـه الامتثال بأمر المولیٰ ، فیکفی لـه فی مقام المقدّمیـة الثمن المذکور من غیر إشکال ، إنّما الإشکال فی المقدّمات العبادیـة التی یجب وقوعها علیٰ قصد القربـة ، فهل یصحّ فی وقوعها علیٰ جهـة الوجوب أن لایکون الآتی بها قاصداً للإتیان بذیها أم یعتبر ؟
ثمّ فرّع علیـه بعض الفروعات ، وذکر أنّـه قد نسب إلی المشهور عدم الاعتبار .
ثمّ استند إلیٰ ما یقرّب مرادهم ، ثمّ استشکل علیـه بأنّ الإنصاف فساد ذلک الوجـه ؛ لأنّ النزاع إنّما هو فیما إذا اُرید الامتثال بالمقدّمـة ، وذکر أنّـه لا إشکال
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 79
فی لزوم قصد عنوان الواجب إذا اُرید الامتثال بـه وإن لم یجب الامتثال ، إلیٰ آخر ما ذکره ، فإنّ الناظر إلیٰ هذه العبارات یقطع بأنّ النزاع فی اعتبار قصد التوصّل إلیٰ ذی المقدّمـة وعدمـه إنّما هو فیما إذا اُرید الامتثال بالمقدّمـة ، ومعنی الامتثال ـ کما صرّح بـه ـ أن یکون الداعی إلی إیجاد الفعل هو الأمر ، فلاربط لهذا النزاع بالمقام أصلاً ، فإنّ الکلام هنا إنّما هو فی الملازمـة وفی أنّ الأمر الغیری هل یتعلّق بذات المقدّمـة أو مع قید آخر .
ولایخفیٰ أنّ التأمّل فی عبارة التقریرات یعطی أنّ الواجب هو ذات المقدّمـة ، کیف وقد صرّح فی جواب المعالم بأنّ وجوب المقدّمـة إنّما یتبع فی الإطلاق والاشتراط وجوب ذیها ، وقد صرّح أیضاً بأنّ الحاکم بالوجوب الغیری لیس إلاّ العقل ، ولیس الملحوظ عنده فی عنوان حکمـه بالوجوب إلاّ عنوان المقدّمیـة والموقوف علیـه ، وهنا بعض القرائن الاُخر یظهر للناظر المتأمّل .
وکیف کان فمع قطع النظر عن انتساب هذا القول إلی الشیخ قدس سره فلابدّ من النظر فیـه ، وأنّـه هل یمکن الذهاب إلیـه أم لا ؟
فنقول : اعتبار قصد التوصّل فی المقدّمـة یمکن علیٰ وجوه :
الأوّل : أن یکون الوجوب الناشئ من حکم العقل بالملازمـة مشروطاً بما إذا قصد التوصّل بها إلیـه بمعنیٰ أنّـه فی غیر هذه الصورة لا تکون المقدّمـة واجبـة .
الثانی : أن یکون الوجوب ثابتاً لها فی هذا الحین ، والفرق بین الصورتین الفرق بین القضیّـة المشروطـة والحینیـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 80
الثالث : أن یکون قصد التوصّل مأخوذاً فی متعلّق الأمر الغیری بمعنیٰ أن یکون قیداً للواجب لا للوجوب ، کما فی الصورتین المتقدّمتین .
إذا عرفت ذلک ، فنقول : کلّ هذه الاحتمالات فاسدة ، بل لایمکن اعتبار قصد التوصّل علیٰ غیر وجـه الأخیر من الصور المتقدّمـة .
أمّا الوجـه الأوّل : فیرد علیـه ـ مضافاً إلیٰ ما عرفت من أنّ وجوب المقدّمـة یتبع فی الإطلاق والاشتراط وجوب ذیها ـ أنّـه لایعقل اشتراط الوجوب بخصوص قصد التوصّل الغیر المنفکّ عن إرادة متعلّق الوجوب ، فیرجع الأمر بالأخرة إلی اشتراط الوجوب بإرادة متعلّقـه ، فیصیر الوجوب مباحاً ، کما عرفت فیما أجاب بـه التقریرات عن عبارة المعالم ، بل نقول بأنّ الاستحالـة هنا أوضح ممّا یوهمـه عبارة المعالم ؛ لأنّ الوجوب بناء علیٰ قولـه لایکون مشروطاً بإرادة متعلّقـه ، بل بإرادة ذی المقدّمـة المتقدّمـة علیٰ إرادة المقدّمـة المتعلّقـة للوجوب الغیری ، وأمّا بناء علیٰ هذا القول یکون الوجوب مشروطاً بإرادة متعلّقـه .
ثمّ إنّ هذا الجواب یجری علی الوجـه الثانی أیضاً .
وأمّا الوجـه الثالث : الراجع إلی اعتبار قصد التوصّل قیداً للواجب بحیث یجب تحصیلـه کسائر القیود المعتبرة فی الواجب فهو وإن کان ممکناً فی مقام الثبوت إلاّ بناء علیٰ ما اعتقده صاحب الکفایـة من أنّ الإرادة لا تکون من الاُمور الاختیاریـة ، فلایعقل أن تکون متعلّقةً للطلب أصلاً .
ولکن لایخفیٰ فساد هذا الاعتقاد فإنّـه یمکن للإنسان أن یوجد القصد المتعلّق ببعض الأشیاء ، نظیر أنّـه إذا سافر الإنسان إلیٰ بلد لایرید إقامـة عشرة أیّام فیـه ؛ لعدم کون الإقامـة فیها ذا مصلحـة لـه إلاّ أنّـه یعرض لـه بعض الاُمور
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 81
المتفرّعـة علیٰ قصدها ، فیقصد ، فإقامـة العشرة وإن لم تکن محبوبةً لـه بالذات إلاّ أنّها تصیر محبوبةً بالعرض لمحبوبیة تلک الاُمور المتوقّفة علیٰ قصدها ، مثل ما إذا کانت الصلاة غیر المقصورة محبوبةً لـه دائماً ، فیرید الإقامة لذلک .
وبالجملـة ، فکون الإرادة من الاُمور غیر الاختیاریـة ممّا لم یعلم لـه وجـه أصلاً ، کیف والمعتبر فی صحّـة العبادات أن یکون الداعی إلی اتیانها قصد التقرّب ، فلو لم یکن القصد أمراً اختیاریاً ، لم یکن وجـه لاعتباره فیها ، کما لایخفیٰ فهذا الوجـه الراجع إلی أخذ قصد التوصّل قیداً للواجب وإن کان ممکناً فی مقام الثبوت إلاّ أنّـه لا دلیل علیٰ إثباتـه ، کما سیأتی وجهـه عند التکلّم فی مقام الإثبات إن شاء اللّٰـه تعالیٰ ، فانتظر .
هذا کلّـه فیما یتعلّق باعتبار قصد التوصّل فی وجوب المقدّمـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 82