التنبیـه الثانی : الإشکال فی الطهارات الثلاث ودفعـه
ثمّ إنّـه ربّما یستشکل فی الطهارات الثلاث بوجهین :
الأوّل : أنّـه لاریب فی ترتّب الثواب علیها ، وفی کونها عبادةً مع أنّ الأمر الغیری لایکون إلاّ توصّلیّاً ولایترتّب علی امتثالـه الثواب .
ویردّه : أنّـه لو کان المراد بترتّب الثواب علیها استحقاق المکلّف لـه
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 70
بالمعنی المتقدّم المتنازع فیـه ، فلا نسلّم ثبوتـه فیها بعدما عرفت من أنّ الأمر الغیری لایصلح للداعویّـة ولایکون لـه إطاعـة حتّیٰ یترتّب علیـه الثواب ویستحقّ علیٰ ترکـه العقاب .
وإن کان المراد بـه جعل الثواب علی الطهارات الثلاث ، فلا إشکال فیـه ، ولا اختصاص لـه بها ، بل [لها] نظائر فی التوصّلیات أیضاً ، مثل ما جعل من الثواب علی الذهاب إلیٰ زیارة قبر الحسین علیه السلام لکلّ قدم کذا وکذا ، مع أنّـه لا إشکال فی کونـه توصّلیّاً .
الثانی ـ وهو العمدة ـ : أنّـه لا إشکال فی أنّ الطهارات الثلاث قد اعتبرت مقدّمةً للصلاة بنحو العبادیة ، ولیس حالها کحال سائر المقدّمات ، کالستر والاستقبال وغیرهما فی أنّ مطلق وجودها فی الخارج قد اعتبرت مقدّمـة لها ، وحینئذٍ فعبادیتها مأخوذة فی الرتبـة السابقـة علیٰ تعلّق الأمر الغیری بها ؛ إذ لایکاد یتعلّق إلاّ بما یکون مقدّمةً بالحمل الشائع ، والمفروض أنّ مقدّمیّتها إنّما هو فی حال کونها عبادةً ، وحینئذٍ فنقول : إن کان المصحّح لعبادیتها هو تعلّق الأمر الغیری بها ، فیلزم الدور ؛ لأنّ تعلّقـه بها متوقّف علیٰ کونها مقدّمـة الراجعـة إلیٰ کونها عبادةً ، فلو کانت عبادیتها متوقّفـة علیٰ تعلّق الأمر الغیری بها یلزم توقّف الشیء علیٰ نفسـه ، کما هو واضح ، وإن کان المصحّح لعبادیتها هو تعلّق الأمر النفسی بذواتها ، فهو فاسد ؛ لوجوه ثلاثـة :
الأوّل : أنّـه لایتمّ فی خصوص التیمّم ؛ لعدم تعلّق الأمر الاستحبابی النفسی بـه قطعاً .
الثانی : أنّـه کیف یمکن اجتماع الأمر الغیری مع الأمر الاستحبابی النفسی علیٰ شیء واحد ؟ ! فمع ثبوت الأوّل ـ کما هو المفروض ـ لایبقیٰ مجال للثانی ، کما لایخفیٰ .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 71
الثالث : أنّـه من الواضح أنّـه یصحّ إتیان الطهارات الثلاث بقصد أمرها الغیری من دون التفات إلیٰ رجحانها النفسی ، بل یکون مغفولاً عنـه بالنسبـة إلیٰ أغلب الناس ، فکیف یکون هو المحقّق لعبادیتها ؟ ! کما لایخفیٰ .
وأجاب عن الإشکال بعض الأعاظم ـ کما فی تقریراتـه ـ بما ملخّصـه أنّـه کما تکون الطهارات الثلاث بوصف عبادیتها مقدّمـة للصلاة فکذلک تکون ذواتها مقدّمةً لها أیضاً بمعنیٰ أنّ لها الدخل فی إیجاد الصلاة .
وبعبارة اُخریٰ : الأمر الغیری المتعلّق بها متقرّباً بها إلی اللّٰـه تعالیٰ ینبسط علیٰ أجزاء متعلّقـه کانبساط الأمر النفسی علیٰ أجزاء الواجب ، فینحلّ إلیٰ أوامر غیریـة ضمنیـة ، وحینئذٍ فتکون ذوات الأفعال فی الطهارات الثلاث مأموراً بها بالأمر الضمنی من ذلک الأمر الغیری ، وإذا أتیٰ بها بداعی ذلک الأمر الضمنی یتحقّق ما هو المقدّمـة ، أعنی الأفعال الخارجیـة المتقرّب بها ، وبذلک یسقط الأمر الضمنی المتوجّـه إلی القید بعد فرض کونـه توصّلیّاً ؛ لحصول متعلّقـه قهراً بامتثال الأمر الضمنی المتعلّق بذات الفعل . انتهیٰ ملخّصاً .
أقول : یرد علیـه : أنّـه کیف یکون الأمر الغیری مصحّحاً للعبادیـة ؟ ! بعدما عرفت من أنّـه لایکون صالحاً للداعویـة أصلاً ، فإنّـه لایکون الغرض منـه إلاّ مجرّد التوصّل إلیٰ حصول ذی المقدّمـة ، فمتعلّقـه لایکون إلاّ واجباً توصّلیّاً ، وعلیٰ تقدیر کونـه داعیاً فهو إنّما یدعو إلیٰ متعلّقـه ؛ لحصول المأمور بـه بالأمر النفسی ، ولایکفی ذلک فی العبادیّـة ، فإشکال لزوم الدور وإن کان یرتفع بما ذکر إلاّ أنّ ما هی العمدة فی المقام من الإیراد ـ وهو أنّـه کیف یکون الأمر الغیری مصحّحاً لعبادیـة متعلّقـه ؟ !ـ یبقیٰ علی حالـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 72
ومنـه یظهر بطلان ما ذکره المحقّق النائینی ـ علیٰ ما فی التقریرات فی مقام تصحیح عبادیـة الطهارات الثلاث ـ من أنّ المصحّح لها لیس هو الأمر الغیری المتعلّق بها ، ولا الأمر النفسی المتعلّق بذواتها ، بل الأمر النفسی المتعلّق بذی المقدّمـة حیث إنّـه ینبسط علی الأجزاء والشرائط ، فالمصحّح لعبادیـة الوضوء ، المشروطـة بـه الصلاة هو المحقّق لعبادیـة الفاتحـة التی هی جزء لها .
وجـه البطلان : ما ظهر ممّا تقدّم ، وهو أنّ الأمر الضمنی المتعلّق بالجزء أو الشرط لایکفی فی عبادیتهما أصلاً لو سلّمنا ذلک بعدما کان المقصود منـه حصول المجموع أو المشروط ، کما لایخفیٰ .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 73