فی استحقاق ا‏لثواب علی ا‏لواجب ا‏لغیری

فی استحقاق الثواب علی الواجب الغیری

‏ ‏

‏وأمّا الواجبات الغیریـة : فإن قلنا بأنّ الثواب عبارة عمّا یظهر من بعض‏‎ ‎‏الفلاسفـة ، فثبوتـه فی الواجبات الغیریـة وعدمـه لایکون لـه کثیر ارتباط‏‎ ‎‏بالاُصول ؛ لأنّـه من العلم بالأشیاء وحقائقها ولوازمها ، کما لایخفیٰ ، کما أنّـه لو‏‎ ‎‏قلنا بالوجـه الثانی ، فاللازم مراجعـة الأدلّـة حتّیٰ یظهر أنّـه هل یکون الثواب‏‎ ‎‏علیٰ فعلها مجعولاً ؟ کما ورد فی بعض المقدّمات ، مثل : ما ورد فی الذهاب إلیٰ‏‎ ‎‏زیارة قبر الحسین علیـه الصلاة والسلام من أنّـه لکلّ قدم کذا وکذا من الثواب‏‎[1]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 68
‏وأمّا بناءً علی الوجـه الأخیر : فلایخفیٰ أنّـه لو قلنا بثبوتـه فی الواجبات‏‎ ‎‏النفسیـة ولکن لا نسلّم ترتّبـه علی الواجبات الغیریـة ؛ لأنّـه لا إشکال فی أنّ‏‎ ‎‏الثواب والعقاب إنّما یترتّبان علی الإطاعـة والمعصیـة ، والامتثال والمخالفـة ،‏‎ ‎‏والأمر الغیری بعید منهما بمراحل ؛ لأنّـه لایصلح للتحریک والداعویـة أصلاً ، فإنّ‏‎ ‎‏المکلّف إمّا أن یرید امتثال الأمر المتعلّق بذی المقدّمـة بمعنیٰ أنّـه صار داعیاً لـه‏‎ ‎‏ومحرّکاً إلی الإتیان بها ، وإمّا أن لایرید الامتثال أصلاً .‏

‏فعلی الأوّل یأتی بالمقدّمـة بعدما رأی توقّف الإتیان بذی المقدّمـة علیها ،‏‎ ‎‏ولو لم یکن الأمر الغیری متعلّقاً بها أصلاً ، فالإتیان بالمقدّمـة فی هذه الصورة لیس‏‎ ‎‏لإطاعـة الأمر الغیری وتحریکـه المکلّف إلیٰ متعلّقـه ، بل الإتیان بـه لتوقّف‏‎ ‎‏المطلوب النفسی علیـه .‏

‏وعلی الثانی لایکون الأمر النفسی بالنسبـة إلیـه داعیاً فضلاً عن الأمر‏‎ ‎‏الغیری .‏

‏وبالجملـة فوجود الأمر الغیری وعدمـه متساویان فی الصورتین ، فلایکون‏‎ ‎‏لـه إطاعـة حتّیٰ یترتّب علیٰ فعلـه الثواب وعلیٰ ترکـه العقاب ، کما هو واضح .‏

وتوهّم‏ : وجود الفرق بنظر العقل بین العبد الذی یأتی بمقدّمات العمل ثمّ‏‎ ‎‏یعرضـه بعض الموانع عن الإتیان بذی المقدّمـة ـ کالموت أو النسیان أو غیرهما‏‎ ‎‏من الموانع ـ وبین العبد الذی لایأتی بمقدّمـة أصلاً ثمّ یعرض لـه بعض تلک‏‎ ‎‏الموانع ویمنعـه عن الإتیان بالمقدّمـة وذیها معاً‏‎[2]‎‏ .‏

یدفعـه‏ أنّ ثبوت الفرق وإن کان بدیهیّاً إلاّ أنّـه لایوجب الفرق فی المقام ،‏‎ ‎‏فإنّ کلامنا إنّما هو فی استحقاق الثواب والعقاب علیٰ فعل الواجب الغیری وترکـه‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 69
‏بمعنیٰ أنّـه لو منعـه المولیٰ من الثواب بعد الإتیان بـه ، عدّ ظالماً ومورداً لتقبیح‏‎ ‎‏العقلاء ، کمن یمنع من أداء حقّ الغیر إلیـه ، وهذا لا فرق فیـه بین الآتی بالواجب‏‎ ‎‏الغیری وتارکـه أصلاً ، فإنّـه کیف یستحقّ العبد علیٰ مولاه شیئاً بعدما فرض أنّـه‏‎ ‎‏لم یأت بمطلوبـه النفسی أصلاً ، کما هو واضح .‏

‏نعم یکون بینهما فارق لا من حیث الاستحقاق الذی یکون مورد النزاع فی‏‎ ‎‏المقام ، بل من حیث الممدوحیـة والمذمومیّـة عند العقلاء ، فإنّ العبد الذی یأتی‏‎ ‎‏بمقدّمات الواجب یستحسنـه العقلاء لکونـه منقاداً للمولیٰ مریداً للإتیان‏‎ ‎‏بمطلوباتـه وإطاعـة أوامره ، کما لایخفیٰ .‏

ومن هنا یظهر‏ : أنّـه لا فرق بین ما لو کان العمل متوقّفاً علیٰ مقدّمات کثیرة‏‎ ‎‏وبین ما لو لم یکن إلاّ متوقّفاً علیٰ بعض المقدّمات ، کالحج بالنسبـة إلی الساکنین‏‎ ‎‏فی البلاد البعیدة والقریبـة من حیث استحقاق المثوبـة علیٰ فعل المقدّمات وعدم‏‎ ‎‏الاستحقاق أصلاً .‏

‏نعم یمکن أن یقال بازدیاد الثواب علیٰ نفس العمل فیما لو کان متوقّفاً علیٰ‏‎ ‎‏مقدّمات کثیرة لا ثبوتـه بالنسبـة إلی المقدّمات ، کما لایخفیٰ .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 70

  • )) ثواب الأعمال : 116 / 31 ، وسائل الشیعـة 14 : 439 ، کتاب الحج ، أبواب المزار وما یناسبـه ، الباب 41 ، الحدیث 1 .
  • )) نهایـة الاُصول : 186 .