فی إشکالات ا‏لواجب ا‏لمشروط علیٰ مسلک ا‏لمشهور

فی إشکالات الواجب المشروط علیٰ مسلک المشهور

‏ ‏

‏ثمّ إنّـه ربّما یورد علیٰ مذهب المشهور بإیرادات شتّیٰ :‏

منها‏ : ما أورده علیـه ذلک البعض المتقدّم ـ علیٰ ما فی التقریرات المنسوبـة‏‎ ‎‏إلیـه ـ من أنّـه لا إشکال فی إنشاء الشارع للتکلیف المشروط قبل تحقّق شرطـه ،‏‎ ‎‏ولاریب فی أنّ إنشاء التکلیف من المقدّمات التی یتوصّل بها المولی إلیٰ تحصیل‏‎ ‎‏المکلّف بـه فی الخارج ، والواجب المشروط علی المشهور لیس بمراد للمولیٰ‏‎ ‎‏قبل تحقّق شرطـه فی الخارج ، فکیف یتصوّر أن یتوصّل العاقل إلیٰ تحصیل ما‏‎ ‎‏لایریده فعلاً ؟ ! فلابدّ أن یلتزم المشهور فی دفع هذا الإشکال بوجود غرض نفسی‏‎ ‎‏فی نفس إنشاء التکلیف المشروط قبل تحقّق شرطـه ، وهو کما تریٰ .‏

‏ولکن من التزم بما ذهبنا إلیـه لایرد علیـه هذا الإشکال ؛ لفعلیـة الإرادة‏‎ ‎‏قبل تحقّق الشرط ، فالمولیٰ یتوصّل بإنشائـه إلیٰ ما یریده فعلاً وإن کان علیٰ‏‎ ‎‏تقدیر‏‎[1]‎‏ . انتهیٰ .‏

وأنت خبیر بأنّـه لم یکن للمشهور الالتزام بما ذکره أصلاً‏ ، فإنّ الإنشاءات‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 44
‏وإن کانت للتوصّل إلیٰ تحصیل المراد إلاّ أنّـه حیث یکون المکلّفون مختلفین من‏‎ ‎‏حیث تحقّق الشرط بالنسبـة إلیهم وعدمـه لابأس بإنشاء الوجوب علی النحو‏‎ ‎‏المذکور وإن لم یکن الشرط حاصلاً بالنسبـة إلیٰ بعض المکلّفین ، کما أنّ‏‎ ‎‏الإنشاءات الواقعـة فی الشریعـة إنّما هی علیٰ نحو القوانین الکلّیـة ، فلایمکن أن‏‎ ‎‏تکون متوقّفةً علیٰ تحقّق شرائطها ، کما هو واضح لایخفیٰ .‏

‏هذا ، مضافاً إلیٰ أنّ هذا الإیراد لایدفع بما التزمـه فی الواجب المشروط ،‏‎ ‎‏فتدبّر .‏

منها‏ : ـ وهی عمدتها ـ أنّـه لو کانت الإرادة المتعلّقـة بالواجب المشروط‏‎ ‎‏حاصلةً عند تحقّق الشرط لا قبلـه ، یلزم أن لا تکون المقدّمات الوجودیة لتحقّق‏‎ ‎‏الواجب المشروط واجبةً بالوجوب الغیری قبل تحقّق الشرط ؛ لعدم کون ذی‏‎ ‎‏المقدّمـة واجباً قبلـه حتّیٰ یسری الوجوب منها إلیٰ مقدّمتـه ، وهذا بخلاف ما لو‏‎ ‎‏قیل بتحقّق الإرادة قبل حصول الشرط ، کما التزم بـه بعض الأعاظم ‏‏قدس سره‏‏ علیٰ ما‏‎ ‎‏عرفت ، فإنّ تعلّق الإرادة الغیریـة بالمقدّمات لوجود الإرادة النفسیـة المتعلّقـة‏‎ ‎‏بذی المقدّمـة بالفعل .‏

والتحقیق فی دفع الإیراد عن المشهور أن یقال‏ : إنّ ما اشتهر فی الألسن‏‎ ‎‏وتکرّر فی أکثر الکلمات من أنّ الإرادة المتعلّقـة بالمقدّمـة ناشئـة ومترشّحـة من‏‎ ‎‏الإرادة المتعلّقـة بذی المقدّمـة ، وکذا الوجوب المتعلّق بالاُولیٰ سارٍ من الوجوب‏‎ ‎‏المتعلّق بالثانیـة لیس علیٰ ما ینبغی ، بل محلّ نظر ومنع ، کما عرفت فی صدر‏‎ ‎‏مبحث المقدّمـة ؛ فإنّـه لا معنی لکون الإرادة علّةً موجدة لإرادة اُخریٰ ، فإنّ کلّ‏‎ ‎‏إرادة فلها مبادٍ ومقدّمات مخصوصـة ، فکما أنّ الإرادة المتعلّقـة بذی المقدّمـة‏‎ ‎‏ناشئـة من المبادئ الخاصـة بها فکذلک الإرادة المتعلّقـة بالمقدّمـة لها مقدّمات‏‎ ‎‏ومبادٍ مخصوصـة بها ، غایـة الأمر أنّ تعلّق الإرادة بها لحصول مطلوبـه الأوّلی‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 45
‏الذی تعلّقت بـه الإرادة الأوّلیـة .‏

‏وبالجملـة فلا إشکال فی أنّ کلّ إرادة معلولـة للنفس وموجدة بفعّالیتها ،‏‎ ‎‏ولایعقل أن تکون علّتـه الإرادة المتعلّقـة بشیء آخر ، کما حقّق فی محلّـه ، وهکذا‏‎ ‎‏الوجوب المتعلّق بشیء لایعقل أن یسری إلیٰ شیء آخر أصلاً .‏

وحینئذٍ فنقول‏ : إنّ الملازمـة بین الإرادة المتعلّقـة بذی المقدّمـة وبین‏‎ ‎‏الإرادة المتعلّقـة بالمقدّمـة علیٰ تقدیر ثبوتها إنّما هی لتوقّف حصول غرض‏‎ ‎‏المولیٰ علیٰ تحقّقها فی الخارج ، لا لتحقّق الإرادة بذی المقدّمـة ، فإن تعلّقها بها‏‎ ‎‏أیضاً للتوصّل إلیٰ تحصیل غرضـه ، فإذا فرض فی مقام عدم تعلّق الإرادة الفعلیـة‏‎ ‎‏بذی المقدّمـة ـ کما فی المقام ـ فلایمنع عن تعلّق الإرادة الفعلیـة بالمقدّمـة ؛ لبقاء‏‎ ‎‏ملاک تعلّق الإرادة بها ، وهی توقّف حصول غرض المولیٰ علیها علیٰ حالها .‏

‏وبالجملـة ، فلو فرض فی مقام اطّلاع العبد علیٰ أنّ المولیٰ یرید شیئاً علیٰ‏‎ ‎‏تقدیر خاص ، وفرض العلم بتحقّق ذلک التقدیر المستلزم للعلم بإرادتـه قطعاً ،‏‎ ‎‏وفرض أیضاً توقّف حصول ذلک الشیء علیٰ أمر لایمکن تحصیلـه بعد تحقّق شرط‏‎ ‎‏الوجوب ، فمن الواضح أنّ العقل یحکم بوجوب الإتیان بمقدّمـة ذلک الشیء وإن‏‎ ‎‏لم تکن الإرادة المتعلّقـة بذی المقدّمـة موجودةً بالفعل .‏

‏والحاصل أنّـه حیث یکون الدائر علی ألسنتهم أنّ الإرادة المتعلّقـة‏‎ ‎‏بالمقدّمـة ناشئـة من الإرادة المتعلّقـة بذی المقدّمـة ، ورأوا أنّ المشهور‏‎ ‎‏لایلتزمون بوجود الإرادة قبل تحقّق الشرط فی الواجب المشروط ، فلذا أوردوا‏‎ ‎‏علی المشهور بأنّـه لایبقیٰ وجـه لوجوب المقدّمـة قبل تحقّق الشرط‏‎[2]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 46
‏وبما حقّقناه قد ظهر لک أنّـه لا وجـه لهذا الإیراد أصلاً ، کما عرفت .‏

‏ثمّ إنّـه لو قلنا بخلاف ما علیـه المشهور والتزمنا بما التزم بـه ذلک البعض‏‎ ‎‏من تحقّق الإرادة قبل تحقّق الشرط ، فتعلّقها بالمقدّمـة أیضاً مورد منع ؛ فإنّـه‏‎ ‎‏لایعقل ترشّح الإرادة المطلقـة بالمقدّمـة من الإرادة التقدیریـة المتعلّقـة بذی‏‎ ‎‏المقدّمـة بعد لزوم السنخیـة بین المعلول وعلّتـه ، فإنّـه کیف یمکن أن تکون‏‎ ‎‏الإرادة المتعلّقـة بالمقدّمـة مطلقةً بمعنیٰ وجوب تحصیلها فعلاً ، مع أنّ الإرادة‏‎ ‎‏المتعلّقة بذی المقدّمة تقدیریـة کما هو واضح .‏

والمتحصّل من جمیع ما ذکرنا فی الواجب المشروط اُمور :

الأوّل‏ : أنّ القیود بحسب الواقع علیٰ قسمین .‏

الثانی‏ : أنّ القیود راجعـة إلی الهیئـة ، کما هو ظاهر اللّفظ ، ولا امتناع فی‏‎ ‎‏رجوعها إلیها ، کما ینسب إلی الشیخ الأنصاری ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ .‏

الثالث‏ : أنّ الحکم إنّما ینتزع من نفس البعث والزجر ، والدلیل علیـه أنّـه‏‎ ‎‏یجعل مقسماً للحکم التکلیفی والوضعی ، ولا معنیٰ للقول بأنّ الحکم فی الأحکام‏‎ ‎‏الوضعیـة عبارة عن الإرادة مطلقـة أو مقیّدة بالإظهار ، کما هو واضح .‏

الرابع‏ : أنّ الوجوب فی الواجب المشروط إنّما هو بعد تحقّق الشرط لا‏‎ ‎‏قبلـه .‏

الخامس‏ : أنّـه تکون المقدّمات واجبةً قبل تحقّق الشرط ولو لم تکن ذو‏‎ ‎‏المقدّمـة واجباً قبلـه ، کما عرفت تحقیقـه .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 47

  • )) نفس المصدر 1 : 346 ـ 347 .
  • )) هدایـة المسترشدین : 217 / السطر 1 ، بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 346 / السطر 22 .
  • )) مطارح الأنظار : 46 / السطر 2 .