ما أفاده ا‏لمحقّق ا‏لعراقی قدس ‏سره فی ا‏لمقام

ما أفاده المحقّق العراقی قدس سره فی المقام

 

‏ومن المحقّقین من المعاصرین مَنْ جوّز وقوعـه فی التکوینیّات أیضاً .‏

‏واستدلّ علی الجواز فی الجمیع بما حاصلـه : أنّـه لاشبهـة فی أنّ المقتضی‏‎ ‎‏لتحقّق المعلول حصّـة خاصّـة من طبیعی المقتضی ، لا أنّ نوعـه وطبیعتـه یقتضی‏‎ ‎‏ذلک ویؤثّر فیـه .‏

‏مثلاً : النار تقتضی وتؤثّر فی وجود الإحراق لکن لیس المؤثّر فی تحقّق‏‎ ‎‏الإحراق هی طبیعـة النار ونوعها ، بل المؤثّر حصّـة خاصّـة من طبیعتها ، وهی‏‎ ‎‏النار التی تماسّ الجسم المستعدّ بالیبوسـة لقبول الاحتراق ، وأمّا الحصّـة التی‏‎ ‎‏لاتتحصّص بخصوصیـة المماسّـة والقرب من الجسم المستعدّ للاحتراق ، فهی‏‎ ‎‏لاتعقل أن تؤثّر الأثر المترتّب علی الحصّـة الاُولیٰ ، وتلک الخصوصیـة التی بها‏‎ ‎‏تحصّصت الحصّـة المقتضیـة للمعلول لابدّ لها من محصّل فی الخارج ، وما بـه‏‎ ‎‏تحصل تلک الخصوصیـة یسمّیٰ شرطاً ، وهذه الخصوصیـة عبارة عن إضافـة‏‎ ‎‏قائمـة بتلک الحصّـة المقتضیـة حاصلـة من إضافـة الحصّـة المزبورة إلیٰ شیء‏‎ ‎‏مّا ، وذلک الشیء المضاف إلیـه هو الشرط ، فالمؤثّر فی المعلول إنّما هو نفس تلک‏‎ ‎‏الحصّـة ، والشرط محصّل لخصوصیتها ، وهو طرف الإضافـة المزبورة ، وما یکون‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 28
‏شأنـه کذلک جاز أن یتقدّم علیٰ ما یضاف إلیـه أو یقترن بـه أو یتأخّر عنـه‏‎[1]‎‏ . انتهیٰ‏‎ ‎‏خلاصـة کلامـه .‏

‏ولایخفیٰ أنّـه ـ بعد تسلیم جمیع ما ذکره من أنّ المؤثّر هی الحصّـة من‏‎ ‎‏معنیٰ أو الشرط ـ یرد علیـه : أنّ الإضافـة من الاُمور القائمـة بالطرفین : المضاف‏‎ ‎‏والمضاف إلیـه ، فالمضاف فیما نحن فیـه وصف للحصّـة المؤثّرة فی المعلول ،‏‎ ‎‏والمضاف إلیـه وصف لما عبّر عنـه بالشرط ، وحینئذٍ فنقول : لا إشکال فی أنّ‏‎ ‎‏ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت لـه فی ظرف الاتّصاف ، ولهذه القاعدة‏‎ ‎‏الفرعیـة قد ثبت أنّ القضایا یتوقّف صدقها ومطابقتها مع الواقع علیٰ ثبوت‏‎ ‎‏موضوعاتها ما عدا القضیّـة السالبـة المحصّلـة ؛ فإنّـه لایشترط فی صدقها وجود‏‎ ‎‏الموضوع ، وأمّا غیرها من القضایا سواء کانت سالبةً معدولة أو موجبةً محصّلة أو‏‎ ‎‏سالبة المحمول فهی مشروطـة بوجود الموضوع ضرورة ، وحینئذٍ فالإضافـة إلی‏‎ ‎‏الشرط إن کانت محقّقةً بالفعل ، فلازمـه اتّصاف أحد الطرفین بأنّـه مضاف والآخر‏‎ ‎‏بأنّـه مضاف إلیـه ، ولایعقل أن یصیر المعدوم متّصفاً بأنّـه مضاف إلیـه ؛ لما عرفت‏‎ ‎‏من القاعدة الفرعیـة ، وإن لم تکن الإضافـة ثابتةً فعلاً ، فتأثیر الحصّة فی المعلول‏‎ ‎‏غیر معقول ، کما اعترف بـه ‏‏قدس سره‏‏ .‏

وممّا ذکرنا یظهر الجواب عمّا ربّما یقال‏ : من أنّ الشرط هو التقدّم أو التأخّر‏‎ ‎‏أو التعقّب ونظائرها ، وذلک لأنّ صدق عنوان التقدّم لایعقل إلاّ مع صدق عنوان‏‎ ‎‏التأخّر للمتأخّر ، ومع کونـه معدوماً فعلاً یستحیل اتّصافـه بعنوان التأخّر ، کما هو‏‎ ‎‏واضح .‏

‏فانقدح من جمیع ما ذکرنا أنّ التوجیـه بما ذکر لیس إلاّ کرّاً علیٰ ما فرّ منـه‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 29
‏من مخالفـة القاعدة العقلیـة ، کما عرفت .‏

والتحقیق أن یقال‏ : أمّا شرائط التکلیف : فلایخفیٰ أنّ الشرط فیـه مقارن‏‎ ‎‏للتکلیف ؛ لأنّ شرطـه لیس هی القدرة الواقعیـة فی زمان الامتثال حتیٰ یقال بأنّـه‏‎ ‎‏کیف یمکن أن یؤثّر الأمر المتأخّر المعدوم فعلاً فی الأمر الموجود کذلک ، بل‏‎ ‎‏الشرط هو تشخیص کون المکلّف قادراً فی ظرف الامتثال والتشخیص مقارن‏‎ ‎‏لصدور التکلیف کما هو واضح .‏

‏وأمّا شرائط الوضع والمکلّف بـه : فالمؤثّر لیس هو الأمر المتأخّر فی‏‎ ‎‏الوجود الخارجی حتّیٰ یلزم تأثیر المعدوم فی الموجود الممتنع بالبدیهـة ، بل‏‎ ‎‏المؤثّر هو الأمر المتقدّم لابوصف التقدّم بل بنفسـه المتقدّم بالذات .‏

توضیح ذلک‏ : أنّ من الواضح تقدّم أجزاء الزمان بعضها علیٰ بعض بالذات‏‎ ‎‏بمعنیٰ أنّ الزمان الماضی مثلاً متقدّم بالطبع علی الزمان المستقبل ولو لم یکن‏‎ ‎‏عنوان التقدّم والتأخّر موجوداً فی البین أصلاً ، نعم اتّصاف الزمان الماضی بوصف‏‎ ‎‏التقدّم فی مرتبـة اتّصاف الزمان المستقبل بعنوان التأخّر المستلزم لوجوده ؛‏‎ ‎‏للقاعدة الفرعیـة المسلّمـة عند العقول بلا تقدّم وتأخّر بین الاتّصافین أصلاً ؛ لأنّ‏‎ ‎‏المفروض کونهما متضایفین ، ومن شأنهما تحقّق الطرفین معاً من دون ترتّب بینهما .‏

‏ونظیر الزمان الزمانیات الواقعـة فی أجزاء الزمان ؛ فإنّ قیام زید المتحقّق‏‎ ‎‏فی الأمس متقدّم ذاتاً لکن بعرض وتبع الزمان علیٰ مجیء عمرو الذی سیوجد‏‎ ‎‏غداً وإن کان اتّصافـه بعنوان المتقدّم لایصحّ إلاّ مقارناً لاتّصاف مجیء عمرو بعنوان‏‎ ‎‏المتأخّر ، ومن المعلوم توقّفـه علیٰ تحقّقـه ؛ لتلک القاعدة .‏

وبالجملـة‏ : فلا منافاة بین کون شیء متقدّماً علیٰ شیء آخر بالذات ومع‏‎ ‎‏ذلک فلایصدق علیـه عنوان المتقدّم ؛ لکونـه من الاُمور الإضافیـة المتوقّفـة علیٰ‏‎ ‎‏تحقّق الطرفین ، وهذا کالعلّـة والمعلول ، فإنّـه لا إشکال فی تقدّمها علیـه ؛ لکونـه‏

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 30
‏صادراً عنها وناشئاً ومترشّحاً منها ، ومع ذلک فاتّصافها بوصف التقدّم فی مرتبـة‏‎ ‎‏اتّصافـه بوصف التأخّر من دون تقدّم وتأخّر بینهما أصلاً ، کما هو واضح لایخفیٰ .‏

‏ونظیر المتقابلین فإنّهم وإن جعلوا التقابل مقسماً للمتناقضین والمتضادّین‏‎ ‎‏والمتضایفین وغیرها‏‎[2]‎‏ إلاّ أنّ عنوان المقسم ـ وهو التقابل ـ من أفراد أحد‏‎ ‎‏الأقسام ، وهو التضایف ، فإنّ المقابلـة والتقابل من الاُمور الإضافیـة المتوقّفـة‏‎ ‎‏علیٰ تحقّق أطراف الإضافـة ، وهکذا عنوان التضادّ ؛ فإنّـه وإن جُعل قسیماً‏‎ ‎‏للتضایف إلاّ أنّ هذا العنوان من أفراد قسیمـه ، أی التضایف ، فالتضادّ بین الشیئین‏‎ ‎‏القسیم لـه إنّما هو عبارة عن امتناع اجتماعهما بالذات ، کما أنّ التقابل المجعول‏‎ ‎‏مقسماً إنّما هو حقیقتـه مع قطع النظر عن الاتّصاف بهذا الوصف .‏

إذا عرفت ما ذکرنا‏ : فاعلم أنّ الموضوع للحکم بالصحّـة فی العقد الفضولی‏‎ ‎‏إنّما هو العقد المتقدّم بحسب الذات علی الإجازة من المالک ، وهذا إمّا أن یکون‏‎ ‎‏متحقّقاً بحسب الواقع ونفس الأمر حین العقد فیما کان ملحوقاً بالإجازة ، وإمّا أن‏‎ ‎‏لایکون کذلک ، وهو فی غیر صورة الإجازة ، فالعقد الواقع إمّا أن یکون صحیحاً‏‎ ‎‏مترتّباً علیـه الأثر من حین وقوعـه ، وهو فیما إذا وجد مع شرطـه ، وإمّا أن لایکون‏‎ ‎‏کذلک ، وهو فیما إذا فقد شرطـه ؛ لعدم تحقّق الإجازة فیما بعد .‏

‏وهکذا یقال فی صوم المستحاضـة ؛ فإنّ صحّتـه متوقّفـة علیٰ تقدّمـه‏‎ ‎‏بحسب الذات ولو عرضاً تبعاً للزمان علی الأغسال اللیلیـة فإمّا أن یکون‏‎ ‎‏الموقوف علیـه موجوداً حینـه ، فیصحّ من حین وقوعـه ، وإمّا أن لایکون ، فیبطل‏‎ ‎‏کذلک ، ففی جمیع الموارد یکون الشرط مقارناً ، فیرتفع الإشکال بمخالفتها‏‎ ‎‏للقاعدة العقلیـة ، کما عرفت .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 31
‏هذا کلّـه لو قلنا بأنّ الحکم فی الشرعیات نظیر العقلیات من باب التأثیر‏‎ ‎‏والتأثّر ، وأمّا لو قلنا بخلافـه فالمقام بعید عن الإشکال بمراحل ، کما لایخفیٰ .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 32

  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 320 .
  • )) الحکمـة المتعالیـة 2 : 100 .