تقسیم ا‏لمقدّمـة إ‏لی ا‏لخارجیّـة وا‏لداخلیّـة

تقسیم المقدّمـة إلی الخارجیّـة والداخلیّـة

‏ ‏

‏فنقول : من التقسیمات تقسیمها إلی الخارجیـة والداخلیـة ، والمراد بالأوّل‏‎ ‎‏هی الاُمور الخارجـة عن حقیقـة المأمور بـه التی لایکاد یمکن تحقّقـه بدون‏‎ ‎‏واحد منها ، وبالثانی هی الاُمور التی یترکّب منها المأمور بـه ، ولها مدخلیـة فی‏‎ ‎‏حقیقتـه .‏

‏لا إشکال فی کون المقدّمات الخارجیـة داخلـة فی مورد البحث ، وإنّما‏‎ ‎‏الکلام فی المقدّمات الداخلیـة ، وأنّها هل تکون داخلةً فی محلّ النزاع أم لا ؟‏

‏قد یقال باختصاص البحث بخصوص المقدّمات الخارجیـة ؛ لأنّ الأجزاء‏‎ ‎‏لاتکون سابقةً علی الکلّ ومقدّمةً علیـه ؛ لأنّ الکلّ لیس إلاّ نفس الأجزاء‏‎ ‎‏بالأسر‏‎[1]‎‏ .‏

‏وقد ذکر بعض الأعاظم فی دفع الإشکال أنّ المقدّمـة عبارة عن نفس‏‎ ‎‏الأجزاء بالأسر ، والمرکّب عبارة عن تلک الأجزاء بشرط الانضمام والاجتماع ،‏‎ ‎‏فتحصل المغایرة بینهما‏‎[2]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 21
‏هذا ، ولایخفیٰ أنّ هذا الکلام لایدفع بـه الإشکال ؛ لأنّ مجرّد المغایرة‏‎ ‎‏الاعتباریـة بینهما الراجعـة إلی أنّ فی الواقع لایکون إلاّ أمر واحد وشیء فارد‏‎ ‎‏لایصحّح عنوان المقدّمیـة المتوقّف علیٰ أن یکون هنا شیء متقدّم فی الوجود علیٰ‏‎ ‎‏ذیها وسابق علیها ؛ إذ لایعقل أن یتقدّم شیء واحد علیٰ نفسـه ، وهذا واضح .‏

وتحقیق المقام أن یقال‏ : إنّ المرکّبات علیٰ قسمین :‏

الأوّل‏ : المرکّبات الحقیقیـة .‏

الثانی‏ : المرکّبات غیر الحقیقیـة .‏

‏والمراد بالأوّل هی المرکّبات من الجنس والفصل والمادّة والصورة .‏

‏ولایخفی أنّ هذا القسم خارج عن محلّ البحث بالاتّفاق ؛ لأنّ الجنس‏‎ ‎‏والفصل من الأجزاء التحلیلیـة العقلیـة ولا وجود لها فی الخارج ، والصورة‏‎ ‎‏والمادّة وإن کانتا موجودتین فی الخارج إلاّ أنّـه لا امتیاز بینهما وبین المرکّب‏‎ ‎‏منهما لیتوقّف علیهما ، وهذا واضح .‏

‏والمراد بالقسم الثانی هو المرکّب من الأشیاء المتخالفـة الحقائق والاُمور‏‎ ‎‏المتبائنـة ، وهو علیٰ قسمین :‏

الأوّل‏ : المرکّبات الصناعیـة ، وهی المرکّب من الاُمور المتعدّدة بحیث‏‎ ‎‏یکون لذلک المرکّب عنوان واحد من دون توقّف علیٰ أن تکون وحدتها معتبرةً‏‎ ‎‏باعتبار معتبر ، وهذا کالمسجد والدار والبیت والسریر وأمثالها .‏

والثانی‏ : المرکّبات الاعتباریـة ، وهی المرکّب من الاُمور المتعدّدة‏‎ ‎‏الملحوظـة بنظر الوحدة لأجل مدخلیتها بتمامها فی حصول غرض واحد ، وترتّب‏‎ ‎‏مصلحـة واحدة علیها ، وهذا کأکثر المرکّبات .‏

‏وهذان القسمان قد وقعا محلّ الخلاف فی أنّـه هل یکونان داخلین فی مورد‏‎ ‎‏النزاع أم لا .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 22
إذا عرفت ما ذکرنا‏ ‏، فنقول‏ : إذا أراد الفاعل بناء مسجد مثلاً ، فلا إشکال فی‏‎ ‎‏أنّـه یتصوّره وما یترتّب علیـه من الفوائد ثمّ یشتاق إلیـه ثمّ یُریده ، وربّما‏‎ ‎‏لایتوجّـه إلی أجزاء المسجد فی مقام تعلّق الإرادة ببنائـه أصلاً ، بل تکون کلّها‏‎ ‎‏مغفولاً عنها .‏

‏ثمّ إذا شرع فی العمل ورأی أنّ تحقّق المسجد یتوقّف علیٰ اُمور متعدّدة ، فلا‏‎ ‎‏محالـة یرید کلّ واحد منها ؛ لتوقّف حصول الغرض الأقصیٰ علیـه .‏

‏غایـة الأمر أنّ الإرادة المتعلّقـة بها لیست لأجل نفسها ، بل لحصول غیرها ،‏‎ ‎‏لا أن تکون تلک الإرادة مترشّحةً عن الإرادة المتعلّقة ببناء المسجد ومسبّبةً عنها ،‏‎ ‎‏کما عرفت فی صدر المبحث ، وقد حقّق فی محلّـه أنّ تعیّن الإرادة وتشخّصها إنّما‏‎ ‎‏هو بالمراد بمعنیٰ أنّـه لایمکن تحقّقها بدون المراد ، کما یشهد بـه الوجدان ، ویدلّ‏‎ ‎‏علیـه البرهان‏‎[3]‎‏ . وکذلک لایمکن تعلّق إرادة واحدة بمرادات متعدّدة ، بل کلّ مراد‏‎ ‎‏یحتاج إلی إرادة مستقلّـة ، وحینئذٍ فالإرادة المتعلّقـة ببناء المسجد لیست هی‏‎ ‎‏الإرادة المتعلّقـة بالمقدّمات ، وإلاّ لزم تعدّد المراد مع إرادة واحدة .‏

وبالجملـة‏ : فالمسجد عنوان واحد قد تتعلّق بـه الإرادة لما یترتّب علیـه‏‎ ‎‏من الفوائد ، وفی هذه الإرادة لامدخلیـة للأجزاء أصلاً بمعنیٰ أنّـه لو سُئل المرید‏‎ ‎‏عن الاشتیاق بالمقدّمات لأجاب بنفیـه ، وعدم کونها مرادةً أصلاً ، ثمّ بعد علمـه‏‎ ‎‏بتوقّفـه علیها یریدها بالإرادة الغیریـة ؛ إذ من المعلوم أنّ کلّ واحد من المقدّمات‏‎ ‎‏یغایر المراد الأوّلی ، فکما أنّ کلّ واحد من المقدّمات الخارجیـة یصیر مرادةً‏‎ ‎‏بالإرادة الغیریـة فکذلک المقدّمات الداخلیـة بلا فرق بینهما أصلاً .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 23
‏وما یظهر من بعض الکلمات من أنّ المقدّمـة هی الأجزاء بالأسر‏‎[4]‎‏ إن اُرید‏‎ ‎‏بالمجموعیـة عموم الأجزاء بالعموم الاستغراقی الراجع إلیٰ أنّ المقدّمـة هی کلّ‏‎ ‎‏واحد من الأجزاء مستقلاًّ ، فنحن لانمنعـه ، ولکن هذا لایوجب الفرق بینها وبین‏‎ ‎‏المقدّمات الخارجیـة أصلاً ، کما هو واضح .‏

‏وإن اُرید بها عموم الأجزاء بالعموم المجموعی الراجع إلی أنّ المجموع‏‎ ‎‏مقدّمـة ، فیرد علیـه : أنّ الوجدان شاهد علیٰ خلافـه ؛ لعدم تحقّق ملاک المقدّمیـة‏‎ ‎‏ـ وهو التوقّف ـ إلاّ فی کلّ واحد من الأجزاء .‏

‏هذا ، مضافاً إلیٰ أنّ الأجزاء بالأسر هو المرکّب لا المقدّمات .‏

‏ثمّ بما ذکرنا ظهر أمران :‏

الأوّل‏ : تحقّق ملاک المقدّمیـة فی الأجزاء .‏

الثانی‏ : کونها داخلةً فی محلّ النزاع ؛ لعدم لزوم اجتماع المثلین بعد فرض‏‎ ‎‏أنّ متعلّق الإرادة النفسیـة هی عنوان المسجد مثلاً ، ومتعلّق الإرادة الغیریـة هی‏‎ ‎‏کلّ واحد من الأجزاء .‏

‏ثمّ إنّا جعلنا المثال فی إرادة الفاعل وفی القسم الأوّل من المرکّبات ،‏‎ ‎‏وعلیک مقایسـة إرادة الآمر بإرادة الفاعل والقسم الثانی بالأوّل .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۱): تقریر ابحاث روح‏ الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 24

  • )) اُنظر هدایة المسترشدین : 216 / السطر 6 .
  • )) کفایـة الاُصول : 115 .
  • )) الحکمـة المتعالیـة 6 : 323 .
  • )) کفایـة الاُصول : 115 .