حکم الصورة الثالثة

‏‏حکم الصورة الثالثة‏

‏‏إذا طرأ علیه الإعواز، ولم تزد بسببه قیمته السوقیة، بل وجد عند من لا یبیعه ‏‎ ‎‏إلا بأکثر من ثمن المثل بمقدار معتدّ به، فهذه الصورة من جهة الإعواز والتعذّر لا ‏‎ ‎‏إشکال فیها، کما عرفت، وإنّما البحث فیها من جهة کونه ضرراً علی الضامن، ‏‎ ‎‏وعدمه.‏

‏‏وقد استفاد الشیخ‏‎[1]‎‏ من عبارة ‏‏«‏‏القواعد‏‏»‏‏ هذه الصورة؛ لأنّ الثمن فی غیرها ‏‎ ‎‏لیس بأزید من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل، کما عرفت، وأمّا فی هذه الصورة ‏‎ ‎‏فالثمن أزید من ثمن المثل؛ إذ لم تتفاوت قیمة السوق. وتردّد الشیخ‏‎ ‎‏أوّلاً فیه؛ من جهة کون المثل فیه کالمعدم، فیجب ردّ القیمة، واستقرب ثانیاً ‏‎ ‎‏وجوب الشراء وجعله أقوی الوجهین فی المسألة‏‎[2]‎‏، وموافقاً لما فی‏‎ ‎‏«‏‏التحریر‏‏»‏‎[3]‎‏، کما عن ‏‏«‏‏الإیضاح‏‏»‏‎[4]‎‏ و‏‏«‏‏الدروس‏‏»‏‎[5]‎‏، و‏‏«‏‏جامع المقاصد‏‏»‏‎[6]‎‏، بل إطلاق ‏‎ ‎
‏‎

‏‏أقول: ‏‏الظاهر أنّ دلیل نفی الضرر علی مسلک القوم، یشمل المورد؛ لأنّه یُعدّ ‏‎ ‎‏ضرراً علی الضامن، حیث إنّ القیمة أضعاف قیمته السوقیة، وشراء ما یشتری ‏‎ ‎‏بعشرة دراهم فی السوق بمئة درهم مثلاً، ضرر علیه، ولیس الثمن المذکور قیمة ‏‎ ‎‏له، کما فی الصور المتقدّمة، بل أزید من قیمته وثمنه، فلا وجه لعموم النصّ ‏‎ ‎‏وإطلاقات الضمان مع وجود دلیل نفی الضرر.‏

‏‏وأمّا نفی خلاف الشیخ‏‏ فمورده باب الغصب، ولا وجه لجریانه فی ‏‎ ‎‏المقبوض بالعقد الفاسد، وإطلاق ‏‏«‏‏السرائر‏‏»‏‏: ‏‏«‏‏أنّ المقبوض بالبیع الفاسد، یجری ‏‎ ‎‏مجری الغصب عند المحصّلین‏‏»‏‏ مراده منهم المحقّقون، لا ما یثبت به شهرة، أو ‏‎ ‎‏إجماع. مع أنّه لیس بظاهر فی جمیع الأحکام والآثار. ‏

‏‏وأمّا قضیّة ‏‏الإقدام علی الضرر‏‎[9]‎‏، فهی أیضاً لا تسمن ولا تغنی فی المقام؛ إذ ‏‎ ‎‏لم یقدم إلا علی أصل المعاملة، فإنّ الغالب ـ بحسب النوع فی المعاملة ـ إیقاع ‏‎ ‎‏المعاملة العقلائیة عند التوجّه إلی الفساد والعلم به، وأمّا مع الجهل به فعدم ‏‎ ‎‏الإقدام معلوم؛ إذ مع الجهل بالفساد والضرر الطارئ علیه، لا یقدم إلا علی أصل ‏‎ ‎‏المعاملة، ومع العلم إیقاع المعاملة العقلائیة ـ من دون نظر إلی وقوعها شرعاً ـ ‏‎ ‎‏فهو أیضاً غیر مقدم إلا علی أصل المعاملة، کما هو الغالب فی البیع الربوی، ‏‎ ‎
‏‎

‏‏نعم، فیما کان غرضه أخذ المال وضمانه فی المستقبل ـ کما هو بعض ‏‎ ‎‏الاحتمالات المذکورة ـ فهو ملحق بالغصب؛ لقضیّة الإقدام، وانصراف دلیل ‏‎ ‎‏الضرر عن مثله، ولکن هذا نادر جدّاً.‏

‏‏نعم، علی ما سلکناه فی دلیل الضرر‏‎[10]‎‏، فالمیزان هو لزوم الحرج؛ فإن استلزم ‏‎ ‎‏الشراء حرجاً علی الضامن فتنفیه أدلّته، وإن فرض ثبوته فی الطرفین یتعارضان، ‏‎ ‎‏ویتساقطان، والمرجع الأدلّة الأوّلیة الحاکمة بوجوب شراء المثل، وهذا أیضاً فی ‏‎ ‎‏غیر الغاصب وما هو ملحق به؛ إذ ینصرف دلیل الحرج عنهما، ویؤخذان بأشقّ ‏‎ ‎‏الأحوال.‏

‏‏والحاصل: أنّ شراء المثل واجب فی جمیع هذه الصور علی مسلک القوم‏‎[11]‎‏، ‏‎ ‎‏إلا فیما استلزم ضدّاً؛ وهو الصورة الثالثة من الصور الأربع؛ لوجود الضرر، ‏‎ ‎‏بخلاف باقی الصور؛ لعدم لزومه، ویستثنی منها الغاصب وما هو ملحق به، فإنّه ‏‎ ‎‏یجب علیه وإن استلزمه؛ لانصراف الدلیل عنهما.‏

‏‏وأمّا ‏‏علی مسلکنا فی دلیل الضرر، فیجب الشراء فی جمیع الصور حتّی فی ‏‎ ‎‏الصورة المستلزمة للضرر ما لم یستلزم حرجاً، ویستثنی منه أیضاً الغاصب وما ‏‎ ‎‏هو ملحق به؛ لانصراف دلیله.‏

‎

‏‎ ‎

‏‎

• ـ المکاسب، ضمن تراث الشیخ الأعظم 16: 223.
• ـ المکاسب، ضمن تراث الشیخ الأعظم 16: 224.
• ـ تحریر الأحکام الشرعیة 4: 529.
• ـ إیضاح الفوائد 2: 178.
• ـ الدروس الشرعیة 3: 113.
• ـ جامع المقاصد 6: 260.
• ـ السرائر 2: 480.
• ـ الخلاف 3: 415.
• ـ حاشیة المکاسب، المحقّق الیزدی 1: 478؛ حاشیة المکاسب، المحقّق الإیروانی 2: 135 ـ 136.
• ـ بدائع الدرر، الإمام الخمینی : 105 ـ 121.
• ـ فرائد الاُصول، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25: 462؛ منیة الطالب 3: 405.