فیما بقی من الاُمور المترتّبة علی المقبوض بالعقد الفاسد

الخامس: فی حکم التمکّن من المثل بعد دفع القیمة

الخامس: فی حکم التمکّن من المثل بعد دفع القیمة

‏قال الشیخ ‏رحمه الله‏: ‏‏«‏‏فرع: لو دفع القیمة فی المثل المتعذّر مثله، ثمّ تمکّن من ‏‎ ‎‏المثل، فالظاهر عدم عود المثل فی ذمّته، وفاقاً للعلامة‏‎[1]‎‏ ومن تأخّر عنه‏‎[2]‎‏ ممّن ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 151
‏تعرّض للمسألة؛ لأنّ المثل کان دیناً فی الذمّة سقط بأداء عوضه مع التراضی، ‏‎ ‎‏کما لو تراضیا بعوضه مع وجوده هذا علی المختار من عدم سقوط المثل عن ‏‎ ‎‏الذمّة بالإعواز.‏

‏وأمّا علی القول بسقوطه وانقلابه قیمیاً، فإن قلنا بأنّ المغصوب انقلب قیمیاً ‏‎ ‎‏عند تعذّر مثله، فأولی بالسقوط؛ لأنّ المدفوع نفس ما فی الذمّة. ‏

‏وإن قلنا: إنّ المثل بتعذّره ـ النازل بمنزلة التلف ـ صار قیمیاً، احتمل وجوب ‏‎ ‎‏المثل عند وجوده؛ لأنّ القیمة حینئذٍ بدل الحیلولة عن المثل، وسیأتی أنّ حکمه ‏‎ ‎‏عود المبدل عند انتفاء الحیلولة‏‏»‏‎[3]‎‏ انتهی کلامه رفع مقامه. ‏

أقول: ‏الظاهر أنّ البحث لیس فی مورد التراضی؛ ومعاوضة المثل أو العین ‏‎ ‎‏بالقیمة، کما یلوح من کلام الشیخ ‏رحمه الله‏ لأنّه لا مورد للإشکال والبحث فی عدم ‏‎ ‎‏عوده لو تمکّن منه بعد التراضی علی بدله، وإنّما الباب هنا باب الغرامة، لا ‏‎ ‎‏المعاوضة والتراضی، وهی غیر مبنیّة علیهما، إذ لیست غرامة المثل ببدله معاوضة ‏‎ ‎‏بینهما.‏

‏والحری بالمقام اختیار طریق آخر للبحث، وهو البحث أوّلاً فی فرض ‏‎ ‎‏وجدان العین التالفة ـ ولو بخرق العادة ـ بعد تدارکها بالمثل أو القیمة، ثمّ فی ‏‎ ‎‏مورد تعذّر المثل والتمکّن منه بعده:‏

‏فنقول: مبنی هذا البحث هو أنّ الغرامة بالبدل، هل هی مرتبة نازلة من نفس ‏‎ ‎‏المبدل؛ بمعنی أنّه بعد ما لا یمکن أداء نفس الشی ء بجمیع مراتبه؛ فلابدّ منه ‏‎ ‎‏ببعض مراتبه، فالمثل مرتبة نازلة من العین فی المثلی، وکذا القیمة بالنسبة إلی ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 152
‏العین فی القیمی، وکذلک القیمة مرتبة من مراتب غرامة المثل، فإذا تعذّرت عقلاً ‏‎ ‎‏غرامة المثل أو العین بتمام مراتبهما، فلا جرم من التغریم ببعضها.‏

‏أو لیس الأمر کذلک، بل یکون التغریم والتدارک بهما بجمیع مراتبهما؟‏

‏فإن کان الأوّل، فلا مناص من القول بعود العین أو المثل إذا تمکّن من ‏‎ ‎‏أحدهما؛ إذ المفروض أنّه لم یتدارک العین أو المثل بجمیع مراتبهما وجهاتهما؛ ‏‎ ‎‏لمکان التعذّر، وإذ أمکن فلابدّ منه.‏

‏وإن کان الثانی فلا؛ لأنّه قد تدارکه بجمیع مراتبه وخصوصیاته.‏

والتحقیق: ‏أنّ التغریم إنّما هو فیما تختلف فیه رغبات العقلاء، ویکون مورداً ‏‎ ‎‏لأغراضهم ورغباتهم، وما لا دخل له فی الرغبات ولا تتعلّق به أغراض العقلاء، ‏‎ ‎‏لا تغریم له، وقد عرفت فیما سبق منّا:‏‎[4]‎‏ أنّ للشی ء الخارجی ـ عند التحلیل ـ ‏‎ ‎‏حیثیتین: الحیثیة الوجودیة المعبّر عنها بالهویة الشخصیة، والمراد بها أنّ الماهیة ‏‎ ‎‏مع جمیع أوصافها القابلة للوجود والعدم، إذا فرضت موجودة فی الخارج ‏‎ ‎‏ومشخّصة، فیقال لحیثیة وجودها مجرّدة عن سائر الحیثیات والأوصاف: الهویة ‏‎ ‎‏الشخصیة، ولأوصافها الکمالیة وأصل الماهیة مجرّدة عن حیثیة التشخّص ‏‎ ‎‏والوجود: الحیثیة النوعیة.‏

‏ولا إشکال فی أنّ متعلّق أغراض العقلاء وما به تختلف رغباتهم، هو ‏‎ ‎‏الأوصاف الکمالیة والماهیة الذاتیة، وأمّا الهویة الشخصیة وحیثیة وجود هذا ‏‎ ‎‏الشی ء، فلا تتعلّق بها الرغبات، لا تکون مورداً لأغراضهم، فإذا فرض اتّحاد ‏‎ ‎‏المصداقین من ماهیة واحدة فی جمیع الأوصاف ـ بحیث لا یختلفان إلا من ‏‎ ‎‏جهة الوجود والتشخّص ـ فلا فرق بینهما فی رغبات العقلاء وأغراضهم.‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 153
‏وقد تکون بعض الصفات الاعتباریة أو الإضافیة مثل الزمان والمکان، کذلک؛ ‏‎ ‎‏وإن کان بعضها الآخر ـ بل نفس الزمان والمکان فی بعض الأشیاء وبعض ‏‎ ‎‏الموارد ـ مورداً لرغباتهم، ومتعلّقاً لأغراضهم.‏

‏وعلی هذا فما یکون له التغریم والتدارک، هو الأوصاف الدخیلة فی الرغبات ‏‎ ‎‏والأغراض، وأمّا مثل الهویّة الشخصیة وکذا بعض الصفات الاُخر ـ ممّا لا دخل ‏‎ ‎‏لها فی الرغبات ـ فهی خارجة عن حریم التغریم والتدارک، فلا غرامة ولا ‏‎ ‎‏جبران لها فی نظر العقلاء، وإنّما الغرامة والتدارک للأوصاف والحیثیة النوعیة ‏‎ ‎‏فقط.‏

وبناءً ‏علی ذلک، فأداء المثل عند تدارک العین، لیس غرامة لبعض مراتب ‏‎ ‎‏العین، بل هو غرامة لجمیع مراتبها؛ لأنّه مطابق ومماثل للعین فی جمیع ما له ‏‎ ‎‏دخل فی الرغبات من الأوصاف الکمالیة وغیرها، وإنّما الفرق بینهما فی الهویة ‏‎ ‎‏الوجودیة، وقد عرفت أنّها لا تتدارک ولا تقبل التغریم بحسب غرض العقلاء؛ ‏‎ ‎‏لعدم تعلّق الغرض بها، وعدم اختلاف الرغبات باختلافها، فما هو مناط التغریم ‏‎ ‎‏الصفات والحیثیة النوعیة، وقد فرض تدارکها بالمثل، فالمثل لیس مرتبة نازلة من ‏‎ ‎‏غرامة العین، بل هو مرتبة کاملة من الغرامة.‏

وهکذا ‏القیمة بالنسبة إلی القیمی، أو العین المتعذّر مثلها علی فرض عهدتها.‏

‏وأمّا القیمة بالنسبة إلی المثل، فالظاهر أنّها کذلک أیضاً؛ إذ لیست المالیة من ‏‎ ‎‏الأوصاف فی عرض سائر الخصوصیات، حتّی یکون التغریم بها ببعض مراتبه، ‏‎ ‎‏بل هی اعتبار عقلائی لجهة أوصاف الشی ء؛ بمعنی أنّ الشی ء لخصوصیاته ‏‎ ‎‏وأوصافه یکون متموّلاً وذا قیمة، فالقیمة تدارک للأوصاف المرغوبة عند‏‎ ‎‏العقلاء، وجبران لها، ولیست نفسها منها، ویترتّب علی ذلک أنّ القیمة بالنسبة‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 154
‏إلی المثل، تدارک له بجمیع مراتبه، لا البعض.‏

وإذا عرفت ‏ذلک فالتحقیق هو التفصیل بین فرض عود العین بعد التلف ولو ‏‎ ‎‏بخرق العادة، وبین عود المثل؛ وذلک لأنّ مثل العین أو قیمتها وإن کان غرامة لها ‏‎ ‎‏بجمیع مراتبها، وتدارکاً لأوصافها المرغوبة، إلا أنّ الهویة الشخصیة حیث لا ‏‎ ‎‏یکون لها تدارک وغرامة، فإذا تمکّن منها فلابدّ من أدائها وردّها، ولمکان ‏‎ ‎‏استحالة انفکاکها یقال بعود نفس العین، ولو فرضنا إمکان ذلک لقلنا به؛ لأنّ ‏‎ ‎‏سائر حیثیات العین قد تدارکها بالمثل أو القیمة، فما کان له غرامة فقد غرمه، وما ‏‎ ‎‏لا غرامة له یلزم ردّه إلیه لو فرض إمکانه.‏

وأمّا فی صورة ‏عدم وجدان العین وتعذّر المثل ـ سواء قلنا بعهدة العین، وأنّ ‏‎ ‎‏القیمة غرامةً لها، أو عهدة المثل وغرامته بالقیمة ـ فلا إشکال فی عدم عود المثل ‏‎ ‎‏لو تمکّن منه بعد التعذّر؛ إذ لا وجه لعوده بعد تغریمه بجمیع مراتب الغرامة، وما ‏‎ ‎‏قلناه فی صورة تمکّنه من العین، لیس لأجل نقصان فی التغریم والتدارک، بل ‏‎ ‎‏لتمکّنه ممّا لا غرامة له؛ وهو الهویة الوجودیة، بخلاف تمکّنه من المثل؛ لما فیه ‏‎ ‎‏من التدارک والغرامة بتمام شؤونه وحیثیاته. ‏

وأمّا ‏تفصیل الشیخ ‏رحمه الله‏ علی ما سلکه فی البحث ـ بین القول بانقلاب العین ‏‎ ‎‏إلی القیمة وانقلاب المثل إلیها‏‎[5]‎‏، فلا وجه له؛ إذ علی الانقلاب لا عهدة للمثل ولا ‏‎ ‎‏العین أصلاً. والقول بأنّه مادامی، یأتی فیهما، مع أنّ العکس أولی؛ لما قلناه من ‏‎ ‎‏لزوم ردّ الخصوصیة الوجودیّة التی لا یمکن تغریمها، ولا غرامة لها بحسب ‏‎ ‎‏أغراض العقلاء.‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 155

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 156

  • ـ قواعد الأحکام 2: 228.
  • ـ مثل الشهید فی الدروس 3: 113؛ والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد 6: 225؛ والشهید الثانی فی مسالک الأفهام 12: 184.
  • ـ المکاسب، ضمن تراث الشیخ الأعظم 16: 239.
  • ـ تقدّم فی الصفحة 57 ـ 58.
  • ـ المکاسب، ضمن تراث الشیخ الأعظم 16: 239.