الخامس: فی حکم التمکّن من المثل بعد دفع القیمة
قال الشیخ رحمه الله: «فرع: لو دفع القیمة فی المثل المتعذّر مثله، ثمّ تمکّن من المثل، فالظاهر عدم عود المثل فی ذمّته، وفاقاً للعلامة ومن تأخّر عنه ممّن
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 151
تعرّض للمسألة؛ لأنّ المثل کان دیناً فی الذمّة سقط بأداء عوضه مع التراضی، کما لو تراضیا بعوضه مع وجوده هذا علی المختار من عدم سقوط المثل عن الذمّة بالإعواز.
وأمّا علی القول بسقوطه وانقلابه قیمیاً، فإن قلنا بأنّ المغصوب انقلب قیمیاً عند تعذّر مثله، فأولی بالسقوط؛ لأنّ المدفوع نفس ما فی الذمّة.
وإن قلنا: إنّ المثل بتعذّره ـ النازل بمنزلة التلف ـ صار قیمیاً، احتمل وجوب المثل عند وجوده؛ لأنّ القیمة حینئذٍ بدل الحیلولة عن المثل، وسیأتی أنّ حکمه عود المبدل عند انتفاء الحیلولة» انتهی کلامه رفع مقامه.
أقول: الظاهر أنّ البحث لیس فی مورد التراضی؛ ومعاوضة المثل أو العین بالقیمة، کما یلوح من کلام الشیخ رحمه الله لأنّه لا مورد للإشکال والبحث فی عدم عوده لو تمکّن منه بعد التراضی علی بدله، وإنّما الباب هنا باب الغرامة، لا المعاوضة والتراضی، وهی غیر مبنیّة علیهما، إذ لیست غرامة المثل ببدله معاوضة بینهما.
والحری بالمقام اختیار طریق آخر للبحث، وهو البحث أوّلاً فی فرض وجدان العین التالفة ـ ولو بخرق العادة ـ بعد تدارکها بالمثل أو القیمة، ثمّ فی مورد تعذّر المثل والتمکّن منه بعده:
فنقول: مبنی هذا البحث هو أنّ الغرامة بالبدل، هل هی مرتبة نازلة من نفس المبدل؛ بمعنی أنّه بعد ما لا یمکن أداء نفس الشی ء بجمیع مراتبه؛ فلابدّ منه ببعض مراتبه، فالمثل مرتبة نازلة من العین فی المثلی، وکذا القیمة بالنسبة إلی
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 152
العین فی القیمی، وکذلک القیمة مرتبة من مراتب غرامة المثل، فإذا تعذّرت عقلاً غرامة المثل أو العین بتمام مراتبهما، فلا جرم من التغریم ببعضها.
أو لیس الأمر کذلک، بل یکون التغریم والتدارک بهما بجمیع مراتبهما؟
فإن کان الأوّل، فلا مناص من القول بعود العین أو المثل إذا تمکّن من أحدهما؛ إذ المفروض أنّه لم یتدارک العین أو المثل بجمیع مراتبهما وجهاتهما؛ لمکان التعذّر، وإذ أمکن فلابدّ منه.
وإن کان الثانی فلا؛ لأنّه قد تدارکه بجمیع مراتبه وخصوصیاته.
والتحقیق: أنّ التغریم إنّما هو فیما تختلف فیه رغبات العقلاء، ویکون مورداً لأغراضهم ورغباتهم، وما لا دخل له فی الرغبات ولا تتعلّق به أغراض العقلاء، لا تغریم له، وقد عرفت فیما سبق منّا: أنّ للشی ء الخارجی ـ عند التحلیل ـ حیثیتین: الحیثیة الوجودیة المعبّر عنها بالهویة الشخصیة، والمراد بها أنّ الماهیة مع جمیع أوصافها القابلة للوجود والعدم، إذا فرضت موجودة فی الخارج ومشخّصة، فیقال لحیثیة وجودها مجرّدة عن سائر الحیثیات والأوصاف: الهویة الشخصیة، ولأوصافها الکمالیة وأصل الماهیة مجرّدة عن حیثیة التشخّص والوجود: الحیثیة النوعیة.
ولا إشکال فی أنّ متعلّق أغراض العقلاء وما به تختلف رغباتهم، هو الأوصاف الکمالیة والماهیة الذاتیة، وأمّا الهویة الشخصیة وحیثیة وجود هذا الشی ء، فلا تتعلّق بها الرغبات، لا تکون مورداً لأغراضهم، فإذا فرض اتّحاد المصداقین من ماهیة واحدة فی جمیع الأوصاف ـ بحیث لا یختلفان إلا من جهة الوجود والتشخّص ـ فلا فرق بینهما فی رغبات العقلاء وأغراضهم.
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 153
وقد تکون بعض الصفات الاعتباریة أو الإضافیة مثل الزمان والمکان، کذلک؛ وإن کان بعضها الآخر ـ بل نفس الزمان والمکان فی بعض الأشیاء وبعض الموارد ـ مورداً لرغباتهم، ومتعلّقاً لأغراضهم.
وعلی هذا فما یکون له التغریم والتدارک، هو الأوصاف الدخیلة فی الرغبات والأغراض، وأمّا مثل الهویّة الشخصیة وکذا بعض الصفات الاُخر ـ ممّا لا دخل لها فی الرغبات ـ فهی خارجة عن حریم التغریم والتدارک، فلا غرامة ولا جبران لها فی نظر العقلاء، وإنّما الغرامة والتدارک للأوصاف والحیثیة النوعیة فقط.
وبناءً علی ذلک، فأداء المثل عند تدارک العین، لیس غرامة لبعض مراتب العین، بل هو غرامة لجمیع مراتبها؛ لأنّه مطابق ومماثل للعین فی جمیع ما له دخل فی الرغبات من الأوصاف الکمالیة وغیرها، وإنّما الفرق بینهما فی الهویة الوجودیة، وقد عرفت أنّها لا تتدارک ولا تقبل التغریم بحسب غرض العقلاء؛ لعدم تعلّق الغرض بها، وعدم اختلاف الرغبات باختلافها، فما هو مناط التغریم الصفات والحیثیة النوعیة، وقد فرض تدارکها بالمثل، فالمثل لیس مرتبة نازلة من غرامة العین، بل هو مرتبة کاملة من الغرامة.
وهکذا القیمة بالنسبة إلی القیمی، أو العین المتعذّر مثلها علی فرض عهدتها.
وأمّا القیمة بالنسبة إلی المثل، فالظاهر أنّها کذلک أیضاً؛ إذ لیست المالیة من الأوصاف فی عرض سائر الخصوصیات، حتّی یکون التغریم بها ببعض مراتبه، بل هی اعتبار عقلائی لجهة أوصاف الشی ء؛ بمعنی أنّ الشی ء لخصوصیاته وأوصافه یکون متموّلاً وذا قیمة، فالقیمة تدارک للأوصاف المرغوبة عند العقلاء، وجبران لها، ولیست نفسها منها، ویترتّب علی ذلک أنّ القیمة بالنسبة
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 154
إلی المثل، تدارک له بجمیع مراتبه، لا البعض.
وإذا عرفت ذلک فالتحقیق هو التفصیل بین فرض عود العین بعد التلف ولو بخرق العادة، وبین عود المثل؛ وذلک لأنّ مثل العین أو قیمتها وإن کان غرامة لها بجمیع مراتبها، وتدارکاً لأوصافها المرغوبة، إلا أنّ الهویة الشخصیة حیث لا یکون لها تدارک وغرامة، فإذا تمکّن منها فلابدّ من أدائها وردّها، ولمکان استحالة انفکاکها یقال بعود نفس العین، ولو فرضنا إمکان ذلک لقلنا به؛ لأنّ سائر حیثیات العین قد تدارکها بالمثل أو القیمة، فما کان له غرامة فقد غرمه، وما لا غرامة له یلزم ردّه إلیه لو فرض إمکانه.
وأمّا فی صورة عدم وجدان العین وتعذّر المثل ـ سواء قلنا بعهدة العین، وأنّ القیمة غرامةً لها، أو عهدة المثل وغرامته بالقیمة ـ فلا إشکال فی عدم عود المثل لو تمکّن منه بعد التعذّر؛ إذ لا وجه لعوده بعد تغریمه بجمیع مراتب الغرامة، وما قلناه فی صورة تمکّنه من العین، لیس لأجل نقصان فی التغریم والتدارک، بل لتمکّنه ممّا لا غرامة له؛ وهو الهویة الوجودیة، بخلاف تمکّنه من المثل؛ لما فیه من التدارک والغرامة بتمام شؤونه وحیثیاته.
وأمّا تفصیل الشیخ رحمه الله علی ما سلکه فی البحث ـ بین القول بانقلاب العین إلی القیمة وانقلاب المثل إلیها، فلا وجه له؛ إذ علی الانقلاب لا عهدة للمثل ولا العین أصلاً. والقول بأنّه مادامی، یأتی فیهما، مع أنّ العکس أولی؛ لما قلناه من لزوم ردّ الخصوصیة الوجودیّة التی لا یمکن تغریمها، ولا غرامة لها بحسب أغراض العقلاء.
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 155
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 156