الکلام فی شروط المتعاقدین

الکلام حول سقوط الابتلاء بالبلوغ

الکلام حول سقوط الابتلاء بالبلوغ

‏بقی شی ء؛ وهو أنّ الابتلاء هل یسقط بالبلوغ، فلا یلزم بعده؛ بحیث لو لم ‏‎ ‎‏یستونس منه الرشد لا یدفع المال ولا یبتلی بعده أو لا؟ وکذا لو فرض عدم ‏‎ ‎‏ابتلائه واختباره قبل البلوغ، فهل لا یجب ذلک عند بلوغه لمضیّ وقته وزمانه أو ‏‎ ‎‏یجب؟ ‏

‏هذا علی الاحتمال الأوّل من الأربعة واضح؛ إذ لیس البلوغ غایة للابتلاء، بل ‏‎ ‎‏یجب ذلک حتّی بعده کما عرفت. ‏

‏وأمّا علی سایر الوجوه، فقال صاحب ‏‏«‏‏الجواهر‏‏»‏‏ فی کتاب الحجر تبعاً لبحر ‏‎ ‎‏العلوم رحمه الله‏: الأصوب أن تکون ‏(إذا)‏ للشرط، کما هو الأصل فیها، وجوابها ‏‎ ‎‏مجموع الشرط والجزاء، وهو قوله: ‏(فَإِنْ آنَسْتُمْ)‏و‏(حتّی) حرف ابتداءٍ، وغایتها ‏‎ ‎‏مضمون الجملة التی بعدها وهو دفع المال عقیب إیناس الرشد؛ لأنّ خروجها عن ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 258
‏الشرطیة نادرٌ جدّاً، لا یحمل علیه التنزیل، ویقتضی انقطاع الابتلاء بالبلوغ، ‏‎ ‎‏ولیس کذلک، کما ستعرف؛ لاستمراره إلی ظهور الرشد أو الیأس منه‏‎[1]‎‏. ‏

‏وغرضه أنّ خروج إذا عن الظرفیة ـ الشرطیة ـ وجعل حتّی غایةً للابتلاء ‏‎ ‎‏یستلزم انتهاء الابتلاء بالبلوغ، وعدم استمراره بعده، هو خلاف التحقیق، مع کونه ‏‎ ‎‏نادراً جدّاً. وعلیه، فاستفادة استمرار الابتلاء بعد البلوغ موقوف علی الوجه ‏‎ ‎‏الأخیر؛ أعنی جعل حتّی ابتدائیة. ‏

‏نقول: لابدّ من البحث فی أمرین: أحدهما: فی انحصار ذلک بهذا الوجه وعدم ‏‎ ‎‏إمکان استظهاره من سایر الوجوه، وثانیهما: فی أنّه هل یمکن ذلک علی هذا ‏‎ ‎‏التقدیر أیضاً أم لا؟ ‏

أمّا الأوّل: ‏فالظاهر بالنظر إلی متفاهم العرف والعقلاء فی مثل المقام من جعل ‏‎ ‎‏البلوغ غایةً للاختبار، لأجل تمیّز الرشد أنّ الغرض من ذلک؛ أی جعل الابتلاء ‏‎ ‎‏قبل البلوغ، هو التحفّظ علی مال الیتامی، وأنّه لو کان رشیداً واقعاً، ولم یُعلم ‏‎ ‎‏حاله لم یمنع عن ماله، فأوجب الامتحان قبل البلوغ لتلک الجهة؛ بمعنی أنّه بعد ‏‎ ‎‏البناء علی مدخلیة الرشد واعتباره فی دفع المال؛ سواءً کان جزءاً لموضوع الدفع ‏‎ ‎‏ـ فیکون هو مع البلوغ تمام الموضوع ـ أو کان هو تمام الموضوع، فاللازم هو ‏‎ ‎‏الاختبار والامتحان لتشخیص وجوده فی الیتیم، حتّی یعلم حاله ویتحقّق ‏‎ ‎‏موضوع الدفع؛ لئلا یهمل فی ردّ ماله مع وجود موضوعه واقعاً، فلزوم الاختبار ‏‎ ‎‏قبل البلوغ لیس لخصوصیةٍ فیه حتّی ینتفی بعده، ویکون المفهوم انتفائه بحصول ‏‎ ‎‏الغایة، بل لأجل العلم بالرشد قبل البلوغ؛ لئلا یتأخّر دفع الواجب عن البلوغ. ‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 259
وبالجملة: ‏جعل الابتلاء مغیّی بغایةٍ؛ وهو البلوغ لیس لجهة انتفائه بعده بل ‏‎ ‎‏لنکتةٍ اُخری، وهی عدم تأخیر ردّ مال الیتامی عن محلّه وموضوعه أعنی ‏‎ ‎‏حصول الرشد، أو هو مع البلوغ. وعلیه، فلیس لهذه الغایة مفهوم. ویفهم استمراره ‏‎ ‎‏بعد البلوغ أیضاً؛ إذ لیس الاختبار إلا لاستیناس الرشد الذی یعتبر فی تسلیم ‏‎ ‎‏أموال الیتامی إلیهم؛ صوناً لأموالهم، وأنّه بعد ما حرم التصرّف فیها للولیّ وحبسها ‏‎ ‎‏علیهم عند رشدهم، فلابدّ من اختبارهم قبل البلوغ وبعده لذلک. ‏

وأمّا الثانی: ‏فهو أیضاً غیر ظاهرٍ؛ ‏(إذ)‏ لو کان إذا مع الشرط والجزاء غیر ‏‎ ‎‏مسبوق بقوله: ‏(وَابْتَلُوا الْیَتَامَی)‏ فیمکن استظهار ذلک منها؛ إذ المعنی حینئذٍ: ‏‎ ‎‏إذا بلغوا الیتامی وآنستم منهم رشداً فادفعوا، ولازمه الابتلاء بعد البلوغ، ولکن لا ‏‎ ‎‏محیص من الالتزام بارتباط ما بعد إذا ـ وهو قوله: ‏(آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)‏ ـ ‏‎ ‎‏بقوله: ‏(وَابْتَلُوا الْیَتَامَی)‏، وأنّه یجب الابتلاء لإیناس الرشد؛ إذ لو لم یرتبط ذلک ‏‎ ‎‏به یلزم اللغویة فی قوله: ‏(وَابْتَلُوا الْیَتَامَی)‏ وهو محال، فلابدّ من کون ‏‎ ‎‏الاستیناس نتیجةً للابتلاء وفایدة وغایةً له. وعلیه، فیکون الاستیناس من ابتلاء ‏‎ ‎‏الیتامی، فیصیر غایةً له، ولا دلالة فیه علی لزوم ذلک بعد بلوغهم، کما هو ‏‎ ‎‏واضح.‏

‏ثمّ إنّ ندرة الاستعمال لا یمنع من حمل التنزیل علیه ـ کما ادّعی رحمه الله‏ ـ ما لم ‏‎ ‎‏یوجب إخلالاً فی الفصاحة، والظهور العرفی فی الکلام إذا اقتضی شیئاً، فهو ‏‎ ‎‏مقدّم علی الاصطلاحات والقواعد الأدبیة، ولا إشکال فی ظهور الآیة فی کون ‏‎ ‎‏البلوغ غایة للابتلاء. هذا. ‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 260
‏ثمّ إنّه قد عرفت فیما تقدّم‏‎[2]‎‏ أنّ البحث قد یقع فی صحّة تصرّفات الصبیّ ‏‎ ‎‏ومعاملاته قبل البلوغ مع رشده، وقد یقع فی ذلک قبل تحقّق الرشد بعد کونه ‏‎ ‎‏ممیّزاً، وهل یستفاد من الآیة صحّة ذلک بإذن الولیّ أم لا؟ ‏

‏قد استدلّ أبو حنیفة بالآیة لذلک، فقال: قوله تعالی: ‏(وَابْتَلُوا الْیَتَامَی حَتَّی ‎ ‎إِذَا بَلَغُوا النِّکَاحَ)‏یقتضی أنّ هذا الابتلاء إنّما یحصل قبل البلوغ. والمراد من هذا ‏‎ ‎‏الابتلاء اختبار حاله فی أنّه هل له تصرّف صالح للبیع والشراء وهذا الابتلاء إنّما ‏‎ ‎‏یحصل إذا أذن له فی البیع والشراء وإن لم یکن هذا المعنی نفس الاختبار فهو ‏‎ ‎‏داخل فی الاختبار، بدلیل أنّه یصحّ الاستثناء، یقال: وابتلوا الیتامی إلا فی البیع ‏‎ ‎‏والشراء، وحکم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، فثبت أنّه أمر للأولیاء؛ بأن ‏‎ ‎‏یأذنوا لهم فی البیع والشراء قبل البلوغ وذلک یقتضی صحّة تصرّفاتهم‏‏»‏‎[3]‎‏.‏

‏وقد أجاب عنه الشافعی بما حاصله: أنّ الله سبحانه أمر بدفع المال إلیهم بعد ‏‎ ‎‏البلوغ وإیناس الرشد، وإذا ثبت ذلک فیعتبر البلوغ والرشد فی دفع المال ولا ‏‎ ‎‏یجوز قبلهما، ویترتّب علیه عدم جواز تصرّفهم حال الصغر، ویکون معاملاتهم ‏‎ ‎‏الاختیاریة صورة معاملة‏‎[4]‎‏. ‏

‏نقول: لا یرد ما أورده الشافعی؛ لأنّ اعتبار البلوغ والرشد إنّما کان لجواز ‏‎ ‎‏تصرّفهم استقلالاً، وخروجهم عن الحجر والیتم، وسقوط ولایة الولیّ، وهذا لا ‏‎ ‎‏ینافی جواز تصرّفهم بإذن الولیّ، أو وکالته عنه أو عن الغیر قبل البلوغ. ‏

‏ولکن لا یصحّ هذا الاستدلال لأمر آخر، وهو أنّ الآیة لیست بصدد بیان هذه ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 261
‏الجهة حتّی یتمسّک بإطلاقها، وإنّما الغرض بیان الاختبار، وغایة ما یستفاد من ‏‎ ‎‏إطلاقها کفایة الاختبار؛ بأیّ نحو کان، وأمّا صحّة ما یختبر به فهو أمر آخر ‏‎ ‎‏لیست بصدد بیانها، وهذا نظیر الأمر بإجراء الصیغة فیتمسّک بإطلاقه لکفایة مثل: ‏‎ ‎‏«‏‏بعتُ‏‏»‏‏ و‏‏«‏‏اشتریتُ‏‏»‏‏، ولکن هل یمکن التمسّک بإطلاق هذا الأمر لصحّة البیع ‏‎ ‎‏بمجرّد قوله: ‏‏«‏‏بعت‏‏»‏‏ من غیر إنشاء، ففی المورد أیضاً یمکن التمسّک بإطلاق ‏‎ ‎‏الآیة للکفایة أنواع الابتلاء وأمّا التمسّک بها لصحّة ما وقع ابتلاءً وامتحاناً فلا. ‏

‏وهنا بحث آخر فی ذیل الآیة؛ وهو أنّ المراد بالابتلاء والاختبار هل یکون ‏‎ ‎‏لتمیّز البلوغ أو الرشد أو کلیهما؟ ‏

‏الظاهر أنّه علی الاحتمال الأوّل من الأربعة لا یمکن تصوّر کونه ابتلاءً ‏‎ ‎‏للبلوغ؛ إذ علیه یکون الابتلاء مستمرّاً فیما بعد البلوغ بمقتضی معنی ‏حتّی‏، ‏‎ ‎‏وکیف یجعل الابتلاء لکشف البلوغ حین تحقّق البلوغ؛ إذ مع وجود المکشوف ‏‎ ‎‏لا مورد للاختبار والامتحان. ‏

‏وکذا علی الثانی والثالث أیضاً من جعل البلوغ غایة للابتلاء؛ إذ الظاهر أنّ ‏‎ ‎‏البلوغ المجعول غایةً للابتلاء لیس بمکشوفٍ له، وأنّ المکشوف به شی ء آخر. ‏

‏وإنّما یجبی هذا الاحتمال علی الاحتمال الرابع من کون ‏(حتّی)‏ ابتدائیة ‏‎ ‎‏و‏(إذا)‏ شرطیة، وحینئذٍ یکون المعنی: وابتلوا الیتامی للبلوغ بالتفحص فی ‏‎ ‎‏علائمه، مثل الشعر الخشن المنبت علی العانة أو ریح الإبط، وأمثال ذلک، حتّی ‏‎ ‎‏إذا بلغوا وآنستم منهم الرشد، فادفعوا... ویحتمل کونه للرشد أو لکلیهما. ‏

‏ولکن فی الکلام قرائن یأبی ظهورها عن احتمالین:‏

أحدها:‏ قوله: ‏(حَتَّی إِذَا بَلَغُوا)‏؛ إذ غایة الامتحان والابتلاء العلم بالبلوغ ‏‎ ‎‏وکشفه، لا البلوغ الواقعی الخارجی؛ فإنّ ما یترتّب علی الابتلاء هو درک البلوغ ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 262
‏والاطّلاع علیه لا وجوده الخارجی، فترتّب البلوغ علی الابتلاء خلاف لمتفاهم ‏‎ ‎‏العرف. ‏

الثانی: ‏قوله: ‏(آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)‏؛ فإنّ إیناس الرشد قرینة علی کون ‏‎ ‎‏الابتلاء للاطّلاع علیه والوقوف به لا شی ء آخر. ‏

الثالث: ‏ذکر الفاء؛ فإنّ مقتضی الترتّب المستفاد من الفاء ترتّب الإیناس علی ‏‎ ‎‏الابتلاء لا شی ء آخر، وأنّه النتیجة الحاصلة من الاختبار، وعلی هذا فالاحتمال ‏‎ ‎‏الأوّل وهو جعل الابتلاء لتمیّز البلوغ، أو هو مع الرشد وإن کان ممکناً بحسب ‏‎ ‎‏مقام التصوّر علی هذا الاحتمال؛ أی الاحتمال الرابع إلا أنّه غیر مستظهر عنهما. ‏

‏إذا عرفت ذلک، فهل یستفاد من الآیة حجر الصبیّ وعدم نفوذ تصرّفاته قبل ‏‎ ‎‏البلوغ والرشد مطلقاً، أو لا تفید إلا حرمة دفع المال، ولکن یصحّ تصرّفاته ‏‎ ‎‏مستقلاً إذا أوقع المعاملة، فیدفع الولیّ المال إلی المشتری ویأخذ العوض منه، ‏‎ ‎‏فیکون محجوراً عن التصرّف الخارجی لا عن المعاملات والمبایعات، وکذا علی ‏‎ ‎‏فرض حجره عن التصرّف مطلقاً لا ینفذ تصرّفه حتّی مع إذن الولیّ، أو إجازته ‏‎ ‎‏من دون نظر فی المعاملة وصلاحها وفسادها أو لا؟ وهل یجوز توکیله فی ‏‎ ‎‏التصرّف فی مال نفسه أو لا؟ وهل هو مسلوب العبارة علی فرض کونه ‏‎ ‎‏محجوراً؟ فهذه جملة اُمور لابدّ من البحث عنها فی کیفیة استفادتها من الآیة. ‏

فنقول:‏ هل الحکم بوجوب دفع المال إلی البالغ الرشید حکم تکلیفی محض ‏‎ ‎‏فی قبال حرمة التصرّف فی مال الغیر بدون إذنه، أو کنایة عن نفوذ تصرّفات ‏‎ ‎‏البالغ الرشید وسقوط ولایة الولیّ عنه من غیر نظر إلی التکلیف، أو لیس هذا ولا ‏‎ ‎‏ذاک، بل حکم تکلیفی معلول من سقوط ولایة الولیّ ونفوذ تصرّفاته ورفع ‏‎ ‎‏حجره وناشٍ من قبله؟ وبعبارة اُخری: وجوب دفع المال إلی من بلغ وکان ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 263
‏رشیداً حکم مخصوص به؛ بحیث لو فرض إذن البالغ فی تصرّف الولیّ وکونه ‏‎ ‎‏تحت یده لا یجوز ذلک، بل یجب ردّه، وهذا مقابل لقوله: لا یحلّ لأحد أن ‏‎ ‎‏یتصرّف فی مال غیره إلا بإذنه‏‎[5]‎‏؛ حیث یجوز ذلک مع الرضا فی أموال الناس، ‏‎ ‎‏ولا یجب ردّ مال غیره مع رضاه به بخلاف وجوب دفع مال من بلغ وکان ‏‎ ‎‏رشیداً، أو لیس هنا حکم تکلیفی أصلاً، أو یکون وجوب الدفع فی الآیة مفاد ‏‎ ‎‏قوله: ‏‏«‏لا یحلّ مال امرئ...‏»‏‎[6]‎‏؛ بتقریب أنّ الحجر کان مانعاً من فعلیة: ‏‏«‏لا یحلّ ‎ ‎مال امرئ...‏»‏‏ وشموله لأموال الیتیم، وإذا بلغ وکان رشیداً رفع حجره وسقط ‏‎ ‎‏ولایته، فصار رجلاً مثل سایر الرجال مرفوعاً حجره ونافذاً تصرّفه فیصیر ‏‎ ‎‏مشمولاً لقوله: ‏‏«‏لا یحلّ...‏»‏ ‏فیجب الدفع لأجل ذلک؟ ویترتّب علی ذلک: أنّه لو ‏‎ ‎‏قلنا بالأوّل، وأنّه حکم مخصوص قبالاً لأدلّة حرمة التصرّف، فیقع البحث فی أنّ ‏‎ ‎‏مفهوم هذا الحکم، هل هو نفیه أو إثبات ضدّه کسایر موارد الإنشاءات، مثل ‏‎ ‎‏قوله: إذا جاء زید فأکرمه، فإنّه یقال: بأنّ المستفاد من مفهومه علی فرضه عدم ‏‎ ‎‏وجوب إکرام زید علی تقدیر عدم المجی ء أو حرمة إکرامه، فیثبت ضدّه، ففی ‏‎ ‎‏المقام أیضاً یجی ء البحث فی أنّ الثابت عند عدم البلوغ والرشد حرمة دفع المال ‏‎ ‎‏وردّه أو عدم وجوب الدفع فیجوز ردّه إلیه؟ ‏

‏وکذلک البحث فی أنّ المستفاد من التکلیف بوجوب الردّ المستفاد منه حرمة ‏‎ ‎‏ذلک قبل الرشد علی فرض دلالته لیس حجره وعدم استقلاله فی التصرّفات ‏‎ ‎‏وعدم نفوذ تصرّفه، وأمّا علی تقدیر الثالث فلا یجی ء هذه الأبحاث والمطالب؛ إذ ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 264
‏المفروض أنّ الحکم بوجوب الدفع جاء من قبل رفع حجره وسقوط ولایة أبیه ‏‎ ‎‏أو جدّه، ونفوذ تصرّفه واستقلاله وصیرورته رجلاً مثل سایر الرجال، ویستفاد ‏‎ ‎‏منه ثبوت الحجر والولایة وعدم نفوذ التصرّف والاستقلال قبل ذلک. ‏

‏والظاهر بنظر العرف والعقلاء هو الثالث، وأنّه لیس حکم جدید خاصّ غیر ما ‏‎ ‎‏یستفاد من أدلّة حرمة التصرّف فی مال غیره، بل متفاهم العرف والعقلاء یقضی ‏‎ ‎‏بأنّ الصبیّ کان محجوراً، وغیر نافذ التصرّف، وغیر مستقلّ فی أمره وجعل ‏‎ ‎‏الشارع متولّیاً لأمره وتدبیر صلاحه وفساده؛ (إذ حجره وثبوت الولایة علیه ‏‎ ‎‏مسلّم فی الجملة، وإنّما البحث والنزاع فی غایته، وأنّه یسقط الولایة بالرشد، أو ‏‎ ‎‏بالبلوغ، أو کلاهما معاً إذا استفید من الآیة وجوب دفع المال بعد الرشد والبلوغ ‏‎ ‎‏وعدم وجوبه قبلهما، فیفهم منه عرفاً أنّ الحجر والولایة باقیان إلی هذا الحدّ، ‏‎ ‎‏وأنّه لا یجب قبل هذا لأجلهما، ویجب بعده لأجل رفعهما وصیرورته مثل سایر ‏‎ ‎‏الناس والعقلاء، فلیس هذا حکماً غیر حکم سایر أموال الناس من حرمة ‏‎ ‎‏التصرّف بغیر إذنه، ووجوب ردّه عند عدم رضاه. ‏

‏وإذا کان المستفاد من الآیة وجوب الدفع المترتّب علی رفع الحجر وسقوط ‏‎ ‎‏الولایة، وأنّه إلی هذا الحدّ کان محجوراً، وغیر نافذ التصرّف، وثابتاً علیه ولایة ‏‎ ‎‏الولیّ أو الوصیّ، فیستفاد منه عدم جواز تصرّفه فی ماله وعدم استقلاله فیما ‏‎ ‎‏یتصرّف فیها، وعدم صحّة وکالته فی التصرّف مستقلاً، وکذا عدم جواز الإجازة ‏‎ ‎‏فی متصرّفاته؛ إذ مناسبته الحکم والموضوع تقتضی أنّ الحکم بحفظ مال الیتامی ‏‎ ‎‏وعدم ردّه قبل البلوغ لحفظ أموالهم تفضّلاً علیهم وإرفاقاً لهم؛ لئلا یهدر ماله ‏‎ ‎‏ویتلفه ویصرفه فیما لا فائدة فیه ولا حاجة إلیه ویسرف ویبذّر.‏

‏وعلیه، فمناسبة الحکم والموضوع بحسب الفهم العقلائی یقتضی عدم جواز ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 265
‏تصرّفه فیه وإن لم یدفع إلیه المال؛ إذ عدم دفع المال إلیه مع کونه مختاراً فی ‏‎ ‎‏التصرّف، ومستقلاً فیما یفعل به، ونافذاً کلّ ما یوقع علی المال لا یفید فی حفظ ‏‎ ‎‏ماله، ولا ینفع فیما هو غرض الشارع من جعل الولایة علیه، وجعله محجوراً؛ ‏‎ ‎‏فإنّ هذه لأجل التحفّظ علی المال والتفضّل علیه. ومجرّد عدم دفع المال مع ‏‎ ‎‏استقلاله فیما یتصرّف فیه من دون نظر الولیّ لا یحفظ المال، ولا یحصل به ‏‎ ‎‏غرض الشارع من الحکم، فلابدّ من عدم نفوذ تصرّفه واستقلاله مطلقاً حتّی ‏‎ ‎‏یحصل الغرض من حفظ المال. وهکذا یفهم منها بمناسبة الحکم والموضوع عدم ‏‎ ‎‏جواز توکیله فی التصرّف أو إذنه فیه، أو إجازة فی متصرّفاته ومعاملاته من غیر ‏‎ ‎‏نظرٍ فیها؛ إذ بعد القطع بأنّ نظر الشارع من جعل الولایة والحکم بعدم جواز دفع ‏‎ ‎‏المال لیس إلا حفظ ماله وحجره عن التصرّفات والإضاعة؛ من جهة عدم رشده ‏‎ ‎‏وبلوغه وعدم تدبیره فیما یصلح ویفسد فیفهم قطعاً عدم جواز توکیله فی أمره، ‏‎ ‎‏أو إذنه، أو إجازته؛ بحیث یصیر مستقلاً فی التصرّف بإذن الولیّ؛ إذ لا یحفظ ‏‎ ‎‏المال إلا إذا کان مصرفه وما یقع علیه من التصرّفات بنظر الولیّ وتدبیره، وما ‏‎ ‎‏رآه من المصالح والمفاسد والولایة ثبتت لهذه الجهة، ولیست لمجرّد الاستیذان، ‏‎ ‎‏أو الاستجازة منه، أو توکیل الصبیّ، بل الغرض منها التحفّظ علی أموال الیتامی، ‏‎ ‎‏وهذا یجمع لا یمکن مع کونه مأذوناً، أو وکیلاً من قبله ومستقلاً فی التصرّفات. ‏

‏وبالجملة المستفاد من الآیة عدم استقلاله لا بنفسه، ولا بإذن ولیّه فی ‏‎ ‎‏التصرّفات. نعم، لا یستفاد من الآیة سلب عبارته؛ بأن لا یمکنه إیقاع المعاملة ‏‎ ‎‏وإنشائها لفظاً أو فعلاً ومعاطاة، إذا فرض وقوعها بنظر الولیّ وتدبیره ورأیه، کما ‏‎ ‎‏إذا إذنه فی المعاملة الکذائیة، مع تعیّن حدودها من مقدار الثمن وکیفیته وشروطه ‏‎ ‎‏بحیث یکون الإنشاء بید الصبیّ فقط، أو أجاز معاملةً أوقعها الصبیّ مع النظر فی ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 266
‏حدودها، وما یترتّب علیها من الصلاح أو الفساد، وإذا رأی المصلحة أو عدم ‏‎ ‎‏المفسدة فیها، فیمکنه إجازتها، فیکون الصبیّ آلة للإنشاء، فهذه الموارد لا یستفاد ‏‎ ‎‏من الآیة نفیها وعدم جوازها. هذا. ‏

‏ثمّ إنّ الآیة هل تختصّ بالیتامی؛ أی بمن لیس له أب کما هو معنی الیتیم أو ‏‎ ‎‏لا، بل لکلّ من کان قاصراً وکلّ صبیّ لم یبلغ الحلم؟ ‏

‏وبعبارة اُخری هل هی مختصّةٌ بالیتیم، وأمّا سائر الصغار الذین لهم الأب أو ‏‎ ‎‏الجدّ فحکمهم غیر حکم الیتامی وجهة اختصاص الیتامی بذلک الحکم ‏‎ ‎‏استحقاقهم لحفظ المال والترحّم والتفضّل علیهم؛ حیث لا یکون لهم أب ولا جدّ، ‏‎ ‎‏فینفعهم عند بلوغهم لو لم یجدوا مالاً، بخلاف سایر الصغار؛ لوجود ما ینفعهم، أو ‏‎ ‎‏لیس ذکر الیتامی إلا من باب غلبة ذلک فی حقّهم؛ اهتماماً لأمرهم، وإلا فلا ‏‎ ‎‏فرق بینهم وبین سایر القصّر؛ إذ لا یفهم العرف والعقلاء من الحکم بوجوب دفع ‏‎ ‎‏المال إلی البالغ الرشید دخالة شی ء آخر فیه إلا البلوغ والرشد، وأنّهم إذا بلغوا ‏‎ ‎‏وکانوا رشیدین صاروا من الرجال. وهذه الحیثیة اقتضت دفع مالهم وحرمة ‏‎ ‎‏التصرّف بغیر إذنهم فیه، وعدم وجود الأب أو الجدّ لیس بدخیل فی الحکم، ‏‎ ‎‏فتمام الموضوع هو البلوغ والرشد لا شی ء آخر، وإلا یلزم عدم وجوب ردّ مال ‏‎ ‎‏من یکون له أب أو جدّ وإن کان رجلاً کبیراً، وهکذا یفهم منها أنّ تمام الموضوع ‏‎ ‎‏للحجر وعدم جواز دفع المال أیضاً عدم البلوغ والرشد، ولا دخالة لشی ءٍ آخر ‏‎ ‎‏فیه مثل کونهم مفقود الأب أو الجدّ، فالحکم عامّ لجمیع القصّر وغیر البالغین؟ ‏

‏الظاهر هو الثانی؛ لعدم مدخلیة وجود الأب فی الحکم عند العرف والعقلاء. ‏

‏ولا یخفی أنّ دلالة الآیة علی حجر الصبیّ وعدم نفوذ تصرّفه واستقلاله حتّی ‏‎ ‎‏مع الإذن والإجازة؛ بحیث کان محجوراً مطلقاً موقوفة علی إثبات أمرین: ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 267
أحدهما: ‏وجود المفهوم لها؛ سواء قلنا بابتدائیة ‏‏«‏‏حتّی‏‏»‏‏ وشرطیة ‏‏«‏‏إذا‏‏»‏‏، کما هو ‏‎ ‎‏المشهور، أو خروج ‏‏«‏‏إذا‏‏»‏‏ عن الشرطیّة وکون ‏‏«‏‏حتّی‏‏»‏‏ للغایة أمّا علی احتمال ‏‎ ‎‏الشرطیة فلابدّ من وجود المفهوم لـ‏‏«‏‏إذا‏‏»‏‏ ولـ‏‏«‏‏إن‏‏»‏‏ الشرطیتین وعلی احتمال الغایة ‏‎ ‎‏لابدّ من مفهوم القید أعنی: البلوغ والشرط وهو ‏‏«‏‏إن‏‏»‏‏، وأمّا علی فرض عدم ‏‎ ‎‏المفهوم فلا دلالة فیها، إذ المنطوق هو رفع الحجر وثبوت الاستقلال بشرط ‏‎ ‎‏البلوغ وإیناس الرشد، أو مترتّباً علی البلوغ وبشرط الرشد ـ علی الاحتمال ‏‎ ‎‏الثانی ـ ولو لم یکن للشرط أو للقید مفهوم، فلا یفید انتفاء الاستقلال وثبوت ‏‎ ‎‏الحجر عند عدم الأمرین کلیهما أو أحدهما، وهذا المورد من موارد نسیان ‏‎ ‎‏الاُصولیین فانبوه فی الاُصول؛ فإنّ منهم من لا یقول بمفهوم الشرط، أو مطلقاً، ‏‎ ‎‏حسب الأدلّة العقلیّة وما یقتضیه الصناعة وإذا ورد فی الفقه وبلغ هذه الآیة ‏‎ ‎‏ومثلها یستدلّ بمفهومها ویضع ما اختاره فی الاُصول؛ لأنّ المتفاهم العُرفی والفهم ‏‎ ‎‏العقلائی لا یلاحظ ما استدلّ به علی عدم المفهوم من الأدلّة العقلیة ولا یقبل ‏‎ ‎‏ذلک منه. ‏

‏والثانی: کون الآیة بصدد بیان المفهوم والمنطوق کلیهما حتّی یستقیم الأخذ ‏‎ ‎‏بإطلاق مفهومها؛ إذ استفادة حجر الصبیّ وعدم نفوذ تصرّفه واستقلاله مطلقاً کان ‏‎ ‎‏من المفهوم، ویتوقّف ذلک علی إطلاقه وإثبات أنّه بصدد بیان المراد من المفهوم ‏‎ ‎‏والمنطوق. ‏

‏وهذا محتمل الوجهین: ‏

الأوّل: ‏أن یکون الحجر الشرعی ثابتاً من الخارج ومسلّماً من الشرع، والآیة ‏‎ ‎‏بصدد بیان غایته وانتهائه، وأنّ أمده البلوغ والرشد؛ کی لا یتوهّم کفایة البلوغ أو ‏‎ ‎‏الرشد، کما هو غیر بعید عند العقلاء فی رفعه، فنظر الآیة بیان حدّ الحجر ولزوم ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 268
‏کلا الأمرین فی رفعه، ولا نظر لها ولا عنایة إلی کیفیة حدود نفس الحجر ‏‎ ‎‏وخصوصیاته وتمام المراد منه، بل ثبت ذلک مع کیفیته وحدوده من دلیل خارج، ‏‎ ‎‏وکان الحجر مفروغاً عنه فی الآیة، فتمام المقصود فی الآیة بیان المنطوق، وأمد ‏‎ ‎‏الحجر المفروض المفروغ عنه. ‏

‏ویؤیّد ذلک أنّ الخطاب فی الآیة إلی أولیاء الیتامی، وأنّه فرض وجود ‏‎ ‎‏الأموال فی أیدیهم، فهی بعد ثبوت ولایتهم ومحجوریة الیتامی ووجود أموالهم ‏‎ ‎‏فی أیدی أولیائهم، فلیست بصدد إثبات الحجر والولایة؛ لأنّه أمر کان مفروض ‏‎ ‎‏الوجود والتحقّق قبل الآیة حسب الخطاب. ‏

والوجه الثانی: ‏أن یقال: ثبوت الولایة والحجر إجمالاً أمر عقلائی، بل الولایة ‏‎ ‎‏ثابت لغیر الأب والجدّ عند العقلاء، کالأخ والعمّ وغیرهما ممّا هو أکبر من الطفل ‏‎ ‎‏وأعقل منه، والآیة فی مقام بیان هذا الأمر المسلّم عند العقلاء وحدوده وکیفیة ‏‎ ‎‏رفعه. وما له دخالة فی ذلک، فهی فی مقام البیان مفهوماً ومنطوقاً، والخطاب إلی ‏‎ ‎‏الأولیاء، ومفروضیة وجود الأموال فی ید الولیّ من جهة کونه أمراً عقلائیاً ‏‎ ‎‏معمولاً به بینهم لا من حیث إنّه مفروض الوجود شرعاً. وعلیه، فیمکن التمسّک ‏‎ ‎‏بإطلاق المفهوم والقول بأنّ غیر البالغ الرشید غیر مستقلّ وغیر نافذ التصرّف فی ‏‎ ‎‏جمیع اُموره؛ مع الإذن وبدونه؛ مع الإجازة وبدونها؛ تمسّکاً بإطلاق مفهوم الآیة؛ ‏‎ ‎‏حیث ثبت الاستقلال والنفوذ وسقوط الولایة المستتبع لدفع المال فی المنطوق ‏‎ ‎‏موقوفاً علی وجود البلوغ والرشد، ومفهومه یقتضی عدم الاستقلال والنفوذ ‏‎ ‎‏وثبوت الولایة والحجر علی فرض عدم الأمرین، وبما أنّه فی مقام بیان کلاً من ‏‎ ‎‏المفهوم والمنطوق یقتضی إطلاقه جمیع ما قلنا من محجوریته فی جمیع الأفعال، ‏‎ ‎‏وفی جمیع الحالات والتقادیر من حصول الإذن وعدمه، وغیر ذلک. هذا إذا ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 269
‏أردنا استفادة هذه الاُمور من إطلاق الآیة، وأمّا علی ما اخترناه من أنّ مناسبة ‏‎ ‎‏الحکم والموضوع تقتضی ذلک فلا حاجة إلی إثبات الأمرین؛ إذ الولایة والحجر ‏‎ ‎‏لیس إلا لحفظ ماله والمنع من هدره وإتلافه وصرفه فیما لا یصلح، وهذا لا ‏‎ ‎‏یمکن إلا مع حجره وعدم نفوذ تصرّفه مطلقاً، وإلا فلو أمکن استقلاله بالإذن، أو ‏‎ ‎‏إجازة ما فعل وتصرّف بدون تدبیر الولیّ فیما یفعله فلا یحفظ ماله ولا یترتّب ‏‎ ‎‏علی منع المال نتیجة وأمر.‏

‏وبالجملة: الفهم العقلائی یحکم بأنّ جعل الولایة والحجر ولزوم منع المال منه ‏‎ ‎‏لیس لمجرّد احترام الولیّ، حتّی یجوز بإذنه، أو إجازت تصرّفه فی المال، بل هی ‏‎ ‎‏لأمر لا یحصل إلا بحجره عن مطلق التصرّف المالی، وهو حفظ المال لا ‏‎ ‎‏للاستیذان أو الاستجازة منه، بل علی هذا الوجه لا یحتاج إلی المفهوم أیضاً؛ إذ ‏‎ ‎‏بعد ما کان موضوع الاستقلال ورفع الحجر ونفوذ التصرّف البلوغ والرشد، فینتفی ‏‎ ‎‏بانتفاء موضوعه، وهذا ممّا لا إشکال فیه وإن لم یکن نفی الاستقلال المستفاد ‏‎ ‎‏من الآیة مفهوماً؛ بحیث یعارض دلیلاً آخر، فیکون حکماً کالمنطوق، بل مجرّد ‏‎ ‎‏تحدید الموضوع بالأمرین یکفی فی انتفائه بانتفاء أحدهما، أو کلاهما، وهذا ‏‎ ‎‏کافٍ فی حکم العُرف بعدم استقلاله مطلقاً؛ لانتفاء موضوعه. ‏

‏ثمّ إنّ المراد ببلوغ النکاح هل هو فعلیة النکاح بحسب الشخص، فلا یدخل ‏‎ ‎‏فیه مثل المریض بالعنن أو موانع اُخر، ویدخل من بلغ النکاح فی ما دون خمسة ‏‎ ‎‏عشر سنة، أو المراد به النکاح بحسب النوع والعادة، فهو البالغ بخمسة عشر، ‏‎ ‎‏فیخرج البالغ ما دونها، ویدخل المریض وغیره ممّن لا یقدر علیه فعلاً، أو المرادبه ‏‎ ‎‏النکاح الفعلی لو لم یمنع منه مانع خارجی فیدخل فیه من بلغ دون خمسة عشر ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 270
‏ومن عرض له مانع مثل العنن؛ لأنّهم بلغوا النکاح لو لم یمنع منهم مانع ‏‎ ‎‏کالمرض؟ الظاهر هو الأخیر. ‏

‏وأمّا قوله: ‏(فَإنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)‏ فتحقیق القول فی معنی الرشد وما ‏‎ ‎‏یحصل به خارج عن موضوع البحث، وإنّما المهمّ وجه تنکیره، فنوضّحه فی ‏‎ ‎‏ضمن أمرین: ‏

الأوّل: ‏الرشد، قد یقال: بأنّه ملکة تقدر بها علی إصلاح المال وتمنع عن ‏‎ ‎‏إضاعته وهدره نظیر العدالة، وکما أنّ لملکة العدالة مراتب بحسب القوّة والضعف، ‏‎ ‎‏ولکن فی جمیعها تمنع صاحبها عن الکبائر والإصرار علی الصغائر أو عن ‏‎ ‎‏الصغائر أیضاً کما هو الأصحّ، فکذلک الرشد ذو مراتب بحسب الشدّة والضعف ‏‎ ‎‏وفی جمیعها یقدر صاحبها علی حفظ المال من الإضاعة والإتلاف.‏

‏أو یقال: بأنّها ملکة بسیطة إمّا حاصلة أو غیر حاصلة ولیس لها مراتب. ‏

‏وهنا احتمال آخر یکون ثالث الاحتمالات؛ وهو أن یکون نظیر العلم؛ فإنّه ‏‎ ‎‏ملکة بسیطة، ولکن یتکثّر بتکثّر متعلّقه، فیصیر ملکات عدیدة بتعدّد متعلّقه فعلم ‏‎ ‎‏من الفقه والریاضی والتاریخ والهیئة والنجوم وغیرها من أنواع العلوم وأقسامها؛ ‏‎ ‎‏فإنّ تکثّر العلم هنا بتکثّر موضوعاته، ولا مانع من حصول بعضها دون بعضٍ ‏‎ ‎‏آخر، کما هو واضح، فهکذا الرشد ملکة بسیطة ویتکثّر تتکثّر موضوعاته، ‏‎ ‎‏ویحصل بعضه دون بعض؛ إذ قد یکون إنسان رشیداً فی المبایعات؛ بحیث یحفظ ‏‎ ‎‏ماله فیها، ولا یتوجّه إلیه الضرر فی المعاملة ولا یکون کذلک فی المناکحات، ‏‎ ‎‏فیقع متأثّراً من نار شهوته ویبذل جمیع ماله، أو حظّ وافر منه لها، وکذا یوجد ‏‎ ‎‏من لا یکون رشیداً فی البذل، فیبذل زعماً للسخاوة ماله فی غیر محلّه، وهکذا ‏‎ ‎‏قد یکون الرجل غیر رشید فی مورد الطرب واللذّة فیضع ماله فی لیلة واحدة ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 271
‏لمطرب، أو غیر ذلک من أنواع اللذّات. ‏

‏فالرشد فی الأموال یتکثّر بحسب موارده ومتعلّقاته نظیر العلم، وعلی أیّ ‏‎ ‎‏حالٍ، الرشد إمّا ملکة ذو مراتب بحسب القوّة والضعف وبحسب الموارد، فیحصل ‏‎ ‎‏بعض مراتبه ویمنعه من تضییع ماله فی بعض الموارد والمراحل دون مراتبه ‏‎ ‎‏الاُخر فیکون رشیداً فی المعاملات دون المناکح مثلاً، وإمّا ملکة واحدة بسیطة ‏‎ ‎‏متکثّرة بحسب الموضوعات ومنحلّة إلی ملکاتٍ کثیرة نظیر العلم، ولا فرق ‏‎ ‎‏بینهما فی النتیجة، ولیس بسیطة إمّا حاصلة أو غیر حاصلة؛ لما نری من خلافه ‏‎ ‎‏فی الأفراد کما عرفت. ‏

الثانی: ‏بما أنّ الآیة وقعت بعد قوله تعالی: ‏(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَکُمُ الّتِی ‎ ‎جَعَلَ الله ُ لَکُمْ قِیَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِیهَا وَاکْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)‎[7]‎‏ فلابدّ ‏‎ ‎‏من بیانها حتّی یتّضح حال ما وقعت بعدها.‏

‏قد یقال ـ کما هو المشهور بین المفسّرین ـ بأنّ المراد بالأموال فی الآیة ‏‎ ‎‏أموال السفهاء لا أموال المخاطبین، والخطاب لأولیاء الیتامی؛ وذلک أنّه تعالی ‏‎ ‎‏لمّا تضمّن کلامه السابق علی هذه الآیة الأمر بدفع مال الأیتام إلیهم وبدفع ‏‎ ‎‏صدقات النساء إلیهنّ عقبه بذکر من لا یجوز دفع المال إلیه منهم، وهو من بلغ ‏‎ ‎‏سفیهاً، فاُمروا أن یمسکوا أموال الیتامی ویجروا علیهم النفقة وما یحتاجون إلیه، ‏‎ ‎‏وأن یرفقوهم بالقول وحسن المعاشرة والملائمة إلی البلوغ والرشد، فالسفهاء هنا ‏‎ ‎‏هم الیتامی والنساء. ‏

‏قال فی ‏‏«‏‏المجمع‏‏»‏‏: أی أموالکم التی جعلها الله قواماً لمعاشکم ومعادکم ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 272
‏تقیمکم فتقومون بها قیاماً‏‏»‏‎[8]‎‏ وعلی هذا الاحتمال، فالمراد بأموالکم فی الآیة ‏‎ ‎‏أموالهم. وقد أیّد ذلک بما رواه العیّاشی فی تفسیره عن علی بن أبی حمزة عن ‏‎ ‎‏أبی عبدالله علیه السلام‏ قال: سألته عن قول الله : ‏(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَکُمْ)‏ قال: ‏‏«‏هم ‎ ‎الیتامی لا تعطوهم أموالهم حتّی تعرفوا منهم الرشد‏»‏ ‏فقلت: فکیف یکون ‏‎ ‎‏أموالهم أموالنا؟ فقال: ‏‏«‏إذا کنت أنت الوارث لهم‏»‏‎[9]‎‏.‏

‏وأیّده سیّدنا الاُستاذ بذیل الآیة، وهو قوله: ‏(أمْوَالَکُمُ الّتِی جَعَلَ الله ُ لَکُمْ ‎ ‎قِیَاماً)‏؛ بناءً علی أن یکون المعنی قیاماً بها؛ أی جعل الله لکم ولایةً وقیمومةً ‏‎ ‎‏بهذه الأموال، وهذا یفارق ما سبق عن ‏‏«‏‏المجمع‏‏»‏‏؛ لأنّ المعنی علیه قیام الناس ‏‎ ‎‏المخاطبین بالأموال؛ أی قوام معاشهم ومعادهم، وعلی هذا، فقیام الأولیاء بها، ‏‎ ‎‏بمعنی ولایتهم وقیمومتهم علیها، وهذا الاحتمال فی ذیل الآیة یؤیّد الاحتمال؛ ‏‎ ‎‏أعنی إرادة أموال السفهاء من أموالکم؛ لقیمومته الأولیاء وولایتهم علیها‏‎[10]‎‏. ‏

‏ووجه إسناد أموالهم إلی الأولیاء یمکن أن یکون أحد اُمور: ‏

‏أوّلها: وراثة الأولیاء لتلک الأموال، کما اُشیر إلیه فی الروایة. ‏

‏ثانیها: تنزیل الوحدة النوعیة منزلة الوحدة الشخصیة، کما فی قوله: ‏(وَلا ‎ ‎تَقْتُلُوا أنْفُسَکُمْ)‎[11]‎‏ وقوله: ‏(لَقَدْ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِکُمْ)‎[12]‎‏، وقوله: ‏(مَا مَلَکَتْ ‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 273
أیْمَانُکُمْ)‎[13]‎‏ وقوله ‏(فَاقْتُلُوا أنْفُسَکُمْ)‎[14]‎‏ وقوله: ‏(ثُمَّ أنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أنْفُسَکُمْ)‎[15]‎‏. ‏‎ ‎‏ومعلوم أنّ الرجل منهم ما کان یقتل نفسه ولکن بعضهم یقتل بعضاً، وکان الکلّ ‏‎ ‎‏من نوع واحد، فهکذا هاهنا.‏

‏ثالثها: أنّ الأموال ممّا یقیم بها معاش الناس ومعادهم، فیکفی ذلک فی إسناد ‏‎ ‎‏المال إلیهم.‏

‏رابعها: أنّها اُضیفت إلی الأولیاء المخاطبین؛ بعنایة أنّ مجموع المال والثروة ‏‎ ‎‏الموجودة فی الدنیا لمجموع أهلها، وإنّما اختصّ بعض أفراد المجتمع ببعض منه ‏‎ ‎‏وآخر بآخر للصلاح العامّ الذی یبتنی علیه أصل الملک والاختصاص؛ وذلک ‏‎ ‎‏لأنّ المال لله ، ملکاً حقیقیاً جعله قیاماً ومعاشاً للمجتمع الإنسانی من غیر أن یقفه ‏‎ ‎‏علی شخصٍ دون شخص؛ وقفاً لا یتغیّر ولا یتبدّل، وهبةً ینسلب معها قدرة ‏‎ ‎‏التصرّف التشریعی. ثمّ أذن فی اختصاصهم بهذا الذی خوّله الجمیع علی طبق ‏‎ ‎‏نسب مشرّعة کالوراثة والحیازة والتجارة وغیر ذلک، وشرط لتصرّفهم اُموراً، ‏‎ ‎‏کالعقل والبلوغ ونحو ذلک، ففی الآیة دلالة علی حکم عامّ موجّه إلی المجتمع؛ ‏‎ ‎‏وهو أنّ المجتمع ذو شخصیّة واحدة، له کلّ المال الذی أقام الله به معاشهم. وهذا ‏‎ ‎‏من حیث الإضافة کقوله تعالی: ‏(وَمَن لَمْ یَسْتَطِعْ مِنکُمْ طَوْلاً أن یَنکِحَ ‎ ‎الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَا مَلَکَتْ أیْمَانِکُم مِن فَتَیَاتِکُمْ)‎[16]‎‏، ومن المعلوم أنّ ‏‎ ‎‏المراد بالفتیات لیست الإماء اللاتی یملکها من یرید النکاح.‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 274
‏خامسها: من جهة أنّهم متصرّفون فی أموال الأیتام وملکوا التصرّف اُضیفت ‏‎ ‎‏إلیهم. ‏

الثانی: ‏ممّا یحتمل فی الآیة أن یکون الخطاب إلی الآباء؛ بأن لا یدفعوا ‏‎ ‎‏أموالهم إلی السفهاء من أولادهم، وارزقوهم منها واکسوهم، وهذا الاحتمال وإن ‏‎ ‎‏کان یناسب الإسناد فی الأموال؛ حیث کان حقیقیاً علیه، وکذا یناسب الأمر ‏‎ ‎‏بالرزق والکسوة، إلا أنّه خلاف لظاهر سیاق الآیات. ولا شاهد له من الروایات. ‏

الثالث: ‏إرادة الأولاد والنساء من السفهاء، وهذا یناسب السیاق؛ لذکر النساء ‏‎ ‎‏قبلها، وعلیه فالمراد بالأموال أموال المخاطبین لا السفهاء، ویناسب ذیله. وورد ‏‎ ‎‏به تفسیر الآیة عن ابن عبّاس وسعید بن جبیر والحسن والضحّاک وأبی مالک ‏‎ ‎‏وقتادة، قال ابن عبّاس: إذا علم الرجل أنّ امرأته سفیهة مفسدة للمال وعلم أنّ ‏‎ ‎‏ولده سفیه یفسد المال، لم ینبغ له أن یسلّطهما علی ماله‏‎[17]‎‏.‏

‏وقد وردت علی هذا روایة عن علی بن إبراهیم، قال فی روایة أبی الجارود ‏‎ ‎‏عن أبی جعفر علیه السلام‏ فی قوله تعالی: ‏(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَکُمْ)‏: ‏‏«‏فالسفهاء؛ ‎ ‎النساء والولد، إذا علم الرجل أنّ امرأته سفیهة مفسدة، وولده سفیه مفسد لم ‎ ‎ینبغ له أن یسلّط واحداً منهما علی ماله الذی جعل له قیاماً الحدیث‏»‏‎[18]‎‏. ‏

الرابع: ‏إرادة النساء فقط من السفهاء، کما عن المجاهد وابن عمر، وروی عن ‏‎ ‎‏أنس بن مالک روایة دالّة علیه‏‎[19]‎‏، وهذا أوفق بسیاق الآیات من الثالث؛ لعدم ذکر ‏‎ ‎‏الأولاد فی الآیات. ‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 275
الخامس: ‏أنّها عامّ لکلّ سفیه، وأنّها خطاب إلی الناس بعدم دفع أموالهم إلی ‏‎ ‎‏السفهاء؛ لتضییعها فی أیدیهم، وعلیه، فالمراد بالأموال أموال المخاطبین، لا ‏‎ ‎‏السفهاء. وهذا الاحتمال موافق لظاهر الآیة من جهة الإسناد، وإن لا یناسب ‏‎ ‎‏ذیلها من جهة الأمر برزق السفهاء وکسوتهم؛ حیث لا یناسب ذلک رزق مطلق ‏‎ ‎‏السفیه من مال نفسه، إلا علی وجه الرفق والاستحباب، بخلاف إرادة أموال ‏‎ ‎‏السفهاء؛ فإنّه یناسب الأمر بذلک من أموالهم، وکذا علی سایر الاحتمالات، وقد ‏‎ ‎‏وردت روایات کثیرة علی هذا الاحتمال رواها فی تفسیر البرهان‏‎[20]‎‏ فی ذیل الآیة ‏‎ ‎‏بعضها صحیحة. ولم یرد علی الاحتمال الأوّل إلا ما رواه العیّاشی، وهو ضعیف ‏‎ ‎‏بعلی بن أبی حمزة البطائنی؛ إذ هو من الواقفیة، وقد ورد فیه: ‏‏«‏‏أنّه کذّاب متّهم‏‏»‏‎[21]‎‏ ‏‎ ‎‏وغیره من القدح.‏

السادس: ‏إرادة العموم من السفهاء؛ سواءً کان من الأیتام أو من النساء أو من ‏‎ ‎‏غیرهم، وهذا ما احتمله صاحب ‏‏«‏‏المجمع‏‏»‏‏، قال: ‏‏«‏‏والاُولی حمل الآیة علی ‏‎ ‎‏العموم فلا یجوز أن تعطی المال السفیه الذی یفسده، ولا الیتیم الذی لا یبلغ، ولا ‏‎ ‎‏الذی بلغ ولم یؤنس منه الرشد، وإنّما تکون إضافة مال الیتیم إلی من له القیام ‏‎ ‎‏بأمرهم؛ ضرباً من المجاز، أو یکون التقدیر: لا تؤتوا السفهاء أموالکم التی بعضها ‏‎ ‎‏لکم وبعضها لهم فیضیّعوها‏‏»‏‎[22]‎‏.‏

‏وعلی هذا الاحتمال، فالمراد بالأموال أموال السفهاء من الأیتام التی ذکرت ‏‎ ‎‏فی الآیات السابقة بقوله: ‏(وَآتُوا الْیَتَامَی أمْوَالَهُمْ)‏ واللاحقة بقوله: ‏(وَابْتَلُوا ‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 276
الْیَتَامَی حَتَّی إِذَا بَلَغُوا النِّکَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أمْوَالَهُمْ)‏ ‏‎ ‎‏وکذا أموال المخاطبین أنفسهم؛ حیث لا یجوز دفعها إلی السفهاء، وهذا الاحتمال ‏‎ ‎‏یناسب سیاق الآیات وذیلها وکذا الروایات الواردة، إلا أنّه یستلزم التکلّف فی ‏‎ ‎‏إسناد الأموال إلیهم بضرب من العنایة والمجاز. ‏

‏إذا عرفت ذلک: فنقول: علی الاحتمال الأوّل أو الأخیر من إرادة السفهاء من ‏‎ ‎‏الأیتام، إمّا أن یجعل فی الآیة موضوع الحکم ـ أعنی منعهم من الأموال ‏‎ ‎‏والتصرّفات وعدم استقلالهم فی اُمورهم ـ السفیه، ویکون قوله: ‏(فَإِنْ آنَسْتُمْ ‎ ‎مِنْهُمْ رُشْداً)‏ أمارةً لزوالها؛ حیث یکون السفه والرشد ضدّین لا ثالث لهما، ‏‎ ‎‏فوجود أحدهما دالّ علی عدم الآخر، أو یکون الموضوع الرشد، کما فی الآیة، ‏‎ ‎‏وجعل السفیه فی الآیة السابقة لدلالتها علی عدم الرشد وانتفاء الموضوع. ‏

‏ثمّ علی کلّ من التقدیرین، إمّا یکون السفاهة مطلقاً موضوعاً لذلک؛ بحیث لو ‏‎ ‎‏کان سفیهاً فی بعض الاُمور مثل المبایعات ورشیداً فی بعضٍ آخر مثل ‏‎ ‎‏المناکحات، وغیر ذلک، أو یکون الرشد ذات مراتب، فله بعضها دون بعض لم ‏‎ ‎‏یکن ممّا یشمله الحکم بعدم الاستقلال أو لا، بل السفاهة فی الجملة کافٍ فی ‏‎ ‎‏الحکم بذلک، فمن لم یکن رشیداً فی جمیع ما یتعلّق بحفظ المال وشؤونه، ولو ‏‎ ‎‏فی بعض منها لم یکن مستقلاً فی تصرّفاته. ‏

‏وبالجملة: أمّا السفاهة بقول مطلق ومن جمیع الجهات تکون موضوعاً لحجره ‏‎ ‎‏ومیزاناً فی الحکم بعدم استقلاله، وعلیه، فإیناس الرشد لیس لأجل کونه ‏‎ ‎‏موضوعاً، بل لما فیه من الدلالة علی رفع موضوع الحجر وزوال ما هو میزان فی ‏‎ ‎‏الحکم وموضوع له، ویکفی إیناس الرشد فی الجملة لذلک فتنکیره لهذه الجهة؛ ‏‎ ‎‏لأنّ السفاهة بقول مطلق ومن جمیع الجهات إذا کانت موضوعاً فرفعه بوجود ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 277
‏الرشد فی الجملة، فإذا فرض رشده فی بعض الاُمور فقد ارتفع السفاهة المطلقة ‏‎ ‎‏التی هو موضوع للحکم بحجره وعدم نفوذ أمره. ‏

‏أو تکون السفاهة فی الجملة، ولو فی بعض الشؤون والموارد موضوعاً، فذکر ‏‎ ‎‏الرشد فی الآیة لا یراد به فی الجملة، بل إیناس الرشد مطلقاً دلیل علی رفع ‏‎ ‎‏موضوع الحکم؛ أعنی السفاهة، وعلیه، فلابدّ وأن یکون الرشد فی الجملة أمارةً ‏‎ ‎‏علی الرشد مطلقاً حتّی یعلم برفع الموضوع، وهو السفه. ‏

‏وکذلک علی القول: بأنّ الموضوع هو الرشد لا السفاهة، وأنّ ذکرها لأجل ‏‎ ‎‏دلالة الضدّ برفع ضدّه الآخر فیما لا ثالث لهما، کما هو الظاهر من الآیة، فأیضاً ‏‎ ‎‏قد یقال: بأنّ الرشد فی الجملة کافٍ فی الحکم وموضوع لاستقلاله، وعلیه فمن ‏‎ ‎‏کان رشیداً فی بعض شؤون المال وسفیهاً فی سایرها، فهو نافذ التصرّف ‏‎ ‎‏والمستقلّ فی أمره؛ لوجود الموضوع؛ أعنی الرشد فی الجملة فیه، ومن لا یکون ‏‎ ‎‏رشیداً أصلاً وکان سفیهاً مطلقاً لا ینفذ أمره وتصرّفه؛ لرفع موضوعه عنه، ‏‎ ‎‏ویناسب ذلک تنکیر الرشد فی الآیة. ‏

‏وقد یقال: بأنّ المیزان وجود الرشد مطلقاً لا فی الجملة، فالسفیه ولو فی ‏‎ ‎‏بعض الموارد غیر نافذ التصرّف؛ لعدم کونه رشیداً مطلقاً، وکذا السفیه فی جمیع ‏‎ ‎‏الاُمور المالیة، وأمّا الرشید مطلقاً فهو نافذ تصرّفه. وعلیه، فیکون تنکیر ‏‏«‏رُشْداً‏»‏ ‎ ‎‏لأجل أنّ وجود الرشد فی الجملة أمارة علی الرشد المطلق.‏

‏والمناسب لتنکیر ‏‏«‏رُشداً‏»‏ ‏إلا أنّ مناسبة الحکم والموضوع وحکمة جعل الولایة ‏‎ ‎‏ومنع الصبیّ من التصرّف؛ أعنی حفظ ماله وصیانة ملکه وکذا الأمر بابتلائهم من ‏‎ ‎‏حین احتمال الرشد فیهم إلی ما بعد البلوغ یقضی باعتبار الرشد فیه مطلقاً؛ لأنّ ‏‎ ‎‏الرشد فی الجملة لا یؤثّر فی ما هو المقصود من الحکم، وهو حفظ المال وکذا لا ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 278
‏یناسب مع الأمر بابتلائه فی هذه المدّة، واختباره مستمرّاً إلی ما بعد البلوغ. ‏

‏هذا تمام الکلام حول الآیة وقد استفید منها أمران:‏

أحدهما:‏ أنّ الموضوع لنفوذ تصرّفات الصبیّ ورفع حجره وثبوت استقلاله ‏‎ ‎‏مطلقاً هو الرشد والبلوغ معاً.‏

وثانیهما: ‏عدم إمکان استقلاله بالإذن أو نفوذ تصرّفه بالإجازة أو الوکالة، ‏‎ ‎‏وأمّا مسلوبیة عبارته ولغویة إنشائه فلم یستفد منها، وإنّما المستفاد منها عدم ‏‎ ‎‏استقلاله بنفسه فی تصرّفاته قبل حصول الأمرین، وأنّ الموضوع له حصولهما ‏‎ ‎‏معاً، وکذا عدم إمکان استقلاله بالإذن والوکالة والإجارة. ‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 279

  • ـ جواهر الکلام 26: 18.
  • ـ تقدّم فی الصفحة 254.
  • ـ التفسیر الکبیر 9: 187؛ اُنظر تذکرة الفقهاء 10: 11؛ المغنی، ابن قدامة 4: 533.
  • ـ اُنظر التفسیر الکبیر 9: 188؛ المغنی، ابن قدامة 4: 533.
  • ـ إکمال الدین: 520 / 49؛ الاحتجاج 2: 559؛ وسائل الشیعة 9: 540، کتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحدیث 7.
  • ـ الفقیه 4: 66/195؛ وسائل الشیعة 5: 120، کتاب الصلاة، أبواب مکان المصلّی، الباب 3، الحدیث 2.
  • ـ النساء (4): 5.
  • ـ مجمع البیان 3: 14.
  • ـ تفسیر العیاشی 1: 220/23.
  • ـ وقد أیّده أیضاً بذیل الآیة، وهو قوله: وَارْزُقُوهُمْ فِیهَا وَاکْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً؛ لما فی الأمر بالرزق والکسوة من المناسبة للأیتام والنساء؛ فإنّهم ممّا یلیق بذلک ورزق مطلق السفهاء وکسوتهم خلاف لظاهره.
  • ـ النساء (4): 29.
  • ـ التوبة (9): 128.
  • ـ النساء (4): 25.
  • ـ البقرة (2): 54.
  • ـ البقرة (2): 85.
  • ـ النساء (4): 25.
  • ـ مجمع البیان 3: 13.
  • ـ تفسیر القمّی 1: 131؛ مستدرک الوسائل 14: 18، کتاب الودیعة، الباب 5، الحدیث 7.
  • ـ مجمع البیان 3: 13.
  • ـ البرهان فی تفسیر القرآن 3: 23 ـ 27.
  • ـ التحریر الطاوسی: 230.
  • ـ مجمع البیان 3: 14.