الکلام حول سقوط الابتلاء بالبلوغ
بقی شی ء؛ وهو أنّ الابتلاء هل یسقط بالبلوغ، فلا یلزم بعده؛ بحیث لو لم یستونس منه الرشد لا یدفع المال ولا یبتلی بعده أو لا؟ وکذا لو فرض عدم ابتلائه واختباره قبل البلوغ، فهل لا یجب ذلک عند بلوغه لمضیّ وقته وزمانه أو یجب؟
هذا علی الاحتمال الأوّل من الأربعة واضح؛ إذ لیس البلوغ غایة للابتلاء، بل یجب ذلک حتّی بعده کما عرفت.
وأمّا علی سایر الوجوه، فقال صاحب «الجواهر» فی کتاب الحجر تبعاً لبحر العلوم رحمه الله: الأصوب أن تکون (إذا) للشرط، کما هو الأصل فیها، وجوابها مجموع الشرط والجزاء، وهو قوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ)و(حتّی) حرف ابتداءٍ، وغایتها مضمون الجملة التی بعدها وهو دفع المال عقیب إیناس الرشد؛ لأنّ خروجها عن
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 258
الشرطیة نادرٌ جدّاً، لا یحمل علیه التنزیل، ویقتضی انقطاع الابتلاء بالبلوغ، ولیس کذلک، کما ستعرف؛ لاستمراره إلی ظهور الرشد أو الیأس منه.
وغرضه أنّ خروج إذا عن الظرفیة ـ الشرطیة ـ وجعل حتّی غایةً للابتلاء یستلزم انتهاء الابتلاء بالبلوغ، وعدم استمراره بعده، هو خلاف التحقیق، مع کونه نادراً جدّاً. وعلیه، فاستفادة استمرار الابتلاء بعد البلوغ موقوف علی الوجه الأخیر؛ أعنی جعل حتّی ابتدائیة.
نقول: لابدّ من البحث فی أمرین: أحدهما: فی انحصار ذلک بهذا الوجه وعدم إمکان استظهاره من سایر الوجوه، وثانیهما: فی أنّه هل یمکن ذلک علی هذا التقدیر أیضاً أم لا؟
أمّا الأوّل: فالظاهر بالنظر إلی متفاهم العرف والعقلاء فی مثل المقام من جعل البلوغ غایةً للاختبار، لأجل تمیّز الرشد أنّ الغرض من ذلک؛ أی جعل الابتلاء قبل البلوغ، هو التحفّظ علی مال الیتامی، وأنّه لو کان رشیداً واقعاً، ولم یُعلم حاله لم یمنع عن ماله، فأوجب الامتحان قبل البلوغ لتلک الجهة؛ بمعنی أنّه بعد البناء علی مدخلیة الرشد واعتباره فی دفع المال؛ سواءً کان جزءاً لموضوع الدفع ـ فیکون هو مع البلوغ تمام الموضوع ـ أو کان هو تمام الموضوع، فاللازم هو الاختبار والامتحان لتشخیص وجوده فی الیتیم، حتّی یعلم حاله ویتحقّق موضوع الدفع؛ لئلا یهمل فی ردّ ماله مع وجود موضوعه واقعاً، فلزوم الاختبار قبل البلوغ لیس لخصوصیةٍ فیه حتّی ینتفی بعده، ویکون المفهوم انتفائه بحصول الغایة، بل لأجل العلم بالرشد قبل البلوغ؛ لئلا یتأخّر دفع الواجب عن البلوغ.
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 259
وبالجملة: جعل الابتلاء مغیّی بغایةٍ؛ وهو البلوغ لیس لجهة انتفائه بعده بل لنکتةٍ اُخری، وهی عدم تأخیر ردّ مال الیتامی عن محلّه وموضوعه أعنی حصول الرشد، أو هو مع البلوغ. وعلیه، فلیس لهذه الغایة مفهوم. ویفهم استمراره بعد البلوغ أیضاً؛ إذ لیس الاختبار إلا لاستیناس الرشد الذی یعتبر فی تسلیم أموال الیتامی إلیهم؛ صوناً لأموالهم، وأنّه بعد ما حرم التصرّف فیها للولیّ وحبسها علیهم عند رشدهم، فلابدّ من اختبارهم قبل البلوغ وبعده لذلک.
وأمّا الثانی: فهو أیضاً غیر ظاهرٍ؛ (إذ) لو کان إذا مع الشرط والجزاء غیر مسبوق بقوله: (وَابْتَلُوا الْیَتَامَی) فیمکن استظهار ذلک منها؛ إذ المعنی حینئذٍ: إذا بلغوا الیتامی وآنستم منهم رشداً فادفعوا، ولازمه الابتلاء بعد البلوغ، ولکن لا محیص من الالتزام بارتباط ما بعد إذا ـ وهو قوله: (آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) ـ بقوله: (وَابْتَلُوا الْیَتَامَی)، وأنّه یجب الابتلاء لإیناس الرشد؛ إذ لو لم یرتبط ذلک به یلزم اللغویة فی قوله: (وَابْتَلُوا الْیَتَامَی) وهو محال، فلابدّ من کون الاستیناس نتیجةً للابتلاء وفایدة وغایةً له. وعلیه، فیکون الاستیناس من ابتلاء الیتامی، فیصیر غایةً له، ولا دلالة فیه علی لزوم ذلک بعد بلوغهم، کما هو واضح.
ثمّ إنّ ندرة الاستعمال لا یمنع من حمل التنزیل علیه ـ کما ادّعی رحمه الله ـ ما لم یوجب إخلالاً فی الفصاحة، والظهور العرفی فی الکلام إذا اقتضی شیئاً، فهو مقدّم علی الاصطلاحات والقواعد الأدبیة، ولا إشکال فی ظهور الآیة فی کون البلوغ غایة للابتلاء. هذا.
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 260
ثمّ إنّه قد عرفت فیما تقدّم أنّ البحث قد یقع فی صحّة تصرّفات الصبیّ ومعاملاته قبل البلوغ مع رشده، وقد یقع فی ذلک قبل تحقّق الرشد بعد کونه ممیّزاً، وهل یستفاد من الآیة صحّة ذلک بإذن الولیّ أم لا؟
قد استدلّ أبو حنیفة بالآیة لذلک، فقال: قوله تعالی: (وَابْتَلُوا الْیَتَامَی حَتَّی إِذَا بَلَغُوا النِّکَاحَ)یقتضی أنّ هذا الابتلاء إنّما یحصل قبل البلوغ. والمراد من هذا الابتلاء اختبار حاله فی أنّه هل له تصرّف صالح للبیع والشراء وهذا الابتلاء إنّما یحصل إذا أذن له فی البیع والشراء وإن لم یکن هذا المعنی نفس الاختبار فهو داخل فی الاختبار، بدلیل أنّه یصحّ الاستثناء، یقال: وابتلوا الیتامی إلا فی البیع والشراء، وحکم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، فثبت أنّه أمر للأولیاء؛ بأن یأذنوا لهم فی البیع والشراء قبل البلوغ وذلک یقتضی صحّة تصرّفاتهم».
وقد أجاب عنه الشافعی بما حاصله: أنّ الله سبحانه أمر بدفع المال إلیهم بعد البلوغ وإیناس الرشد، وإذا ثبت ذلک فیعتبر البلوغ والرشد فی دفع المال ولا یجوز قبلهما، ویترتّب علیه عدم جواز تصرّفهم حال الصغر، ویکون معاملاتهم الاختیاریة صورة معاملة.
نقول: لا یرد ما أورده الشافعی؛ لأنّ اعتبار البلوغ والرشد إنّما کان لجواز تصرّفهم استقلالاً، وخروجهم عن الحجر والیتم، وسقوط ولایة الولیّ، وهذا لا ینافی جواز تصرّفهم بإذن الولیّ، أو وکالته عنه أو عن الغیر قبل البلوغ.
ولکن لا یصحّ هذا الاستدلال لأمر آخر، وهو أنّ الآیة لیست بصدد بیان هذه
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 261
الجهة حتّی یتمسّک بإطلاقها، وإنّما الغرض بیان الاختبار، وغایة ما یستفاد من إطلاقها کفایة الاختبار؛ بأیّ نحو کان، وأمّا صحّة ما یختبر به فهو أمر آخر لیست بصدد بیانها، وهذا نظیر الأمر بإجراء الصیغة فیتمسّک بإطلاقه لکفایة مثل: «بعتُ» و«اشتریتُ»، ولکن هل یمکن التمسّک بإطلاق هذا الأمر لصحّة البیع بمجرّد قوله: «بعت» من غیر إنشاء، ففی المورد أیضاً یمکن التمسّک بإطلاق الآیة للکفایة أنواع الابتلاء وأمّا التمسّک بها لصحّة ما وقع ابتلاءً وامتحاناً فلا.
وهنا بحث آخر فی ذیل الآیة؛ وهو أنّ المراد بالابتلاء والاختبار هل یکون لتمیّز البلوغ أو الرشد أو کلیهما؟
الظاهر أنّه علی الاحتمال الأوّل من الأربعة لا یمکن تصوّر کونه ابتلاءً للبلوغ؛ إذ علیه یکون الابتلاء مستمرّاً فیما بعد البلوغ بمقتضی معنی حتّی، وکیف یجعل الابتلاء لکشف البلوغ حین تحقّق البلوغ؛ إذ مع وجود المکشوف لا مورد للاختبار والامتحان.
وکذا علی الثانی والثالث أیضاً من جعل البلوغ غایة للابتلاء؛ إذ الظاهر أنّ البلوغ المجعول غایةً للابتلاء لیس بمکشوفٍ له، وأنّ المکشوف به شی ء آخر.
وإنّما یجبی هذا الاحتمال علی الاحتمال الرابع من کون (حتّی) ابتدائیة و(إذا) شرطیة، وحینئذٍ یکون المعنی: وابتلوا الیتامی للبلوغ بالتفحص فی علائمه، مثل الشعر الخشن المنبت علی العانة أو ریح الإبط، وأمثال ذلک، حتّی إذا بلغوا وآنستم منهم الرشد، فادفعوا... ویحتمل کونه للرشد أو لکلیهما.
ولکن فی الکلام قرائن یأبی ظهورها عن احتمالین:
أحدها: قوله: (حَتَّی إِذَا بَلَغُوا)؛ إذ غایة الامتحان والابتلاء العلم بالبلوغ وکشفه، لا البلوغ الواقعی الخارجی؛ فإنّ ما یترتّب علی الابتلاء هو درک البلوغ
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 262
والاطّلاع علیه لا وجوده الخارجی، فترتّب البلوغ علی الابتلاء خلاف لمتفاهم العرف.
الثانی: قوله: (آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)؛ فإنّ إیناس الرشد قرینة علی کون الابتلاء للاطّلاع علیه والوقوف به لا شی ء آخر.
الثالث: ذکر الفاء؛ فإنّ مقتضی الترتّب المستفاد من الفاء ترتّب الإیناس علی الابتلاء لا شی ء آخر، وأنّه النتیجة الحاصلة من الاختبار، وعلی هذا فالاحتمال الأوّل وهو جعل الابتلاء لتمیّز البلوغ، أو هو مع الرشد وإن کان ممکناً بحسب مقام التصوّر علی هذا الاحتمال؛ أی الاحتمال الرابع إلا أنّه غیر مستظهر عنهما.
إذا عرفت ذلک، فهل یستفاد من الآیة حجر الصبیّ وعدم نفوذ تصرّفاته قبل البلوغ والرشد مطلقاً، أو لا تفید إلا حرمة دفع المال، ولکن یصحّ تصرّفاته مستقلاً إذا أوقع المعاملة، فیدفع الولیّ المال إلی المشتری ویأخذ العوض منه، فیکون محجوراً عن التصرّف الخارجی لا عن المعاملات والمبایعات، وکذا علی فرض حجره عن التصرّف مطلقاً لا ینفذ تصرّفه حتّی مع إذن الولیّ، أو إجازته من دون نظر فی المعاملة وصلاحها وفسادها أو لا؟ وهل یجوز توکیله فی التصرّف فی مال نفسه أو لا؟ وهل هو مسلوب العبارة علی فرض کونه محجوراً؟ فهذه جملة اُمور لابدّ من البحث عنها فی کیفیة استفادتها من الآیة.
فنقول: هل الحکم بوجوب دفع المال إلی البالغ الرشید حکم تکلیفی محض فی قبال حرمة التصرّف فی مال الغیر بدون إذنه، أو کنایة عن نفوذ تصرّفات البالغ الرشید وسقوط ولایة الولیّ عنه من غیر نظر إلی التکلیف، أو لیس هذا ولا ذاک، بل حکم تکلیفی معلول من سقوط ولایة الولیّ ونفوذ تصرّفاته ورفع حجره وناشٍ من قبله؟ وبعبارة اُخری: وجوب دفع المال إلی من بلغ وکان
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 263
رشیداً حکم مخصوص به؛ بحیث لو فرض إذن البالغ فی تصرّف الولیّ وکونه تحت یده لا یجوز ذلک، بل یجب ردّه، وهذا مقابل لقوله: لا یحلّ لأحد أن یتصرّف فی مال غیره إلا بإذنه؛ حیث یجوز ذلک مع الرضا فی أموال الناس، ولا یجب ردّ مال غیره مع رضاه به بخلاف وجوب دفع مال من بلغ وکان رشیداً، أو لیس هنا حکم تکلیفی أصلاً، أو یکون وجوب الدفع فی الآیة مفاد قوله: «لا یحلّ مال امرئ...»؛ بتقریب أنّ الحجر کان مانعاً من فعلیة: «لا یحلّ مال امرئ...» وشموله لأموال الیتیم، وإذا بلغ وکان رشیداً رفع حجره وسقط ولایته، فصار رجلاً مثل سایر الرجال مرفوعاً حجره ونافذاً تصرّفه فیصیر مشمولاً لقوله: «لا یحلّ...» فیجب الدفع لأجل ذلک؟ ویترتّب علی ذلک: أنّه لو قلنا بالأوّل، وأنّه حکم مخصوص قبالاً لأدلّة حرمة التصرّف، فیقع البحث فی أنّ مفهوم هذا الحکم، هل هو نفیه أو إثبات ضدّه کسایر موارد الإنشاءات، مثل قوله: إذا جاء زید فأکرمه، فإنّه یقال: بأنّ المستفاد من مفهومه علی فرضه عدم وجوب إکرام زید علی تقدیر عدم المجی ء أو حرمة إکرامه، فیثبت ضدّه، ففی المقام أیضاً یجی ء البحث فی أنّ الثابت عند عدم البلوغ والرشد حرمة دفع المال وردّه أو عدم وجوب الدفع فیجوز ردّه إلیه؟
وکذلک البحث فی أنّ المستفاد من التکلیف بوجوب الردّ المستفاد منه حرمة ذلک قبل الرشد علی فرض دلالته لیس حجره وعدم استقلاله فی التصرّفات وعدم نفوذ تصرّفه، وأمّا علی تقدیر الثالث فلا یجی ء هذه الأبحاث والمطالب؛ إذ
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 264
المفروض أنّ الحکم بوجوب الدفع جاء من قبل رفع حجره وسقوط ولایة أبیه أو جدّه، ونفوذ تصرّفه واستقلاله وصیرورته رجلاً مثل سایر الرجال، ویستفاد منه ثبوت الحجر والولایة وعدم نفوذ التصرّف والاستقلال قبل ذلک.
والظاهر بنظر العرف والعقلاء هو الثالث، وأنّه لیس حکم جدید خاصّ غیر ما یستفاد من أدلّة حرمة التصرّف فی مال غیره، بل متفاهم العرف والعقلاء یقضی بأنّ الصبیّ کان محجوراً، وغیر نافذ التصرّف، وغیر مستقلّ فی أمره وجعل الشارع متولّیاً لأمره وتدبیر صلاحه وفساده؛ (إذ حجره وثبوت الولایة علیه مسلّم فی الجملة، وإنّما البحث والنزاع فی غایته، وأنّه یسقط الولایة بالرشد، أو بالبلوغ، أو کلاهما معاً إذا استفید من الآیة وجوب دفع المال بعد الرشد والبلوغ وعدم وجوبه قبلهما، فیفهم منه عرفاً أنّ الحجر والولایة باقیان إلی هذا الحدّ، وأنّه لا یجب قبل هذا لأجلهما، ویجب بعده لأجل رفعهما وصیرورته مثل سایر الناس والعقلاء، فلیس هذا حکماً غیر حکم سایر أموال الناس من حرمة التصرّف بغیر إذنه، ووجوب ردّه عند عدم رضاه.
وإذا کان المستفاد من الآیة وجوب الدفع المترتّب علی رفع الحجر وسقوط الولایة، وأنّه إلی هذا الحدّ کان محجوراً، وغیر نافذ التصرّف، وثابتاً علیه ولایة الولیّ أو الوصیّ، فیستفاد منه عدم جواز تصرّفه فی ماله وعدم استقلاله فیما یتصرّف فیها، وعدم صحّة وکالته فی التصرّف مستقلاً، وکذا عدم جواز الإجازة فی متصرّفاته؛ إذ مناسبته الحکم والموضوع تقتضی أنّ الحکم بحفظ مال الیتامی وعدم ردّه قبل البلوغ لحفظ أموالهم تفضّلاً علیهم وإرفاقاً لهم؛ لئلا یهدر ماله ویتلفه ویصرفه فیما لا فائدة فیه ولا حاجة إلیه ویسرف ویبذّر.
وعلیه، فمناسبة الحکم والموضوع بحسب الفهم العقلائی یقتضی عدم جواز
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 265
تصرّفه فیه وإن لم یدفع إلیه المال؛ إذ عدم دفع المال إلیه مع کونه مختاراً فی التصرّف، ومستقلاً فیما یفعل به، ونافذاً کلّ ما یوقع علی المال لا یفید فی حفظ ماله، ولا ینفع فیما هو غرض الشارع من جعل الولایة علیه، وجعله محجوراً؛ فإنّ هذه لأجل التحفّظ علی المال والتفضّل علیه. ومجرّد عدم دفع المال مع استقلاله فیما یتصرّف فیه من دون نظر الولیّ لا یحفظ المال، ولا یحصل به غرض الشارع من الحکم، فلابدّ من عدم نفوذ تصرّفه واستقلاله مطلقاً حتّی یحصل الغرض من حفظ المال. وهکذا یفهم منها بمناسبة الحکم والموضوع عدم جواز توکیله فی التصرّف أو إذنه فیه، أو إجازة فی متصرّفاته ومعاملاته من غیر نظرٍ فیها؛ إذ بعد القطع بأنّ نظر الشارع من جعل الولایة والحکم بعدم جواز دفع المال لیس إلا حفظ ماله وحجره عن التصرّفات والإضاعة؛ من جهة عدم رشده وبلوغه وعدم تدبیره فیما یصلح ویفسد فیفهم قطعاً عدم جواز توکیله فی أمره، أو إذنه، أو إجازته؛ بحیث یصیر مستقلاً فی التصرّف بإذن الولیّ؛ إذ لا یحفظ المال إلا إذا کان مصرفه وما یقع علیه من التصرّفات بنظر الولیّ وتدبیره، وما رآه من المصالح والمفاسد والولایة ثبتت لهذه الجهة، ولیست لمجرّد الاستیذان، أو الاستجازة منه، أو توکیل الصبیّ، بل الغرض منها التحفّظ علی أموال الیتامی، وهذا یجمع لا یمکن مع کونه مأذوناً، أو وکیلاً من قبله ومستقلاً فی التصرّفات.
وبالجملة المستفاد من الآیة عدم استقلاله لا بنفسه، ولا بإذن ولیّه فی التصرّفات. نعم، لا یستفاد من الآیة سلب عبارته؛ بأن لا یمکنه إیقاع المعاملة وإنشائها لفظاً أو فعلاً ومعاطاة، إذا فرض وقوعها بنظر الولیّ وتدبیره ورأیه، کما إذا إذنه فی المعاملة الکذائیة، مع تعیّن حدودها من مقدار الثمن وکیفیته وشروطه بحیث یکون الإنشاء بید الصبیّ فقط، أو أجاز معاملةً أوقعها الصبیّ مع النظر فی
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 266
حدودها، وما یترتّب علیها من الصلاح أو الفساد، وإذا رأی المصلحة أو عدم المفسدة فیها، فیمکنه إجازتها، فیکون الصبیّ آلة للإنشاء، فهذه الموارد لا یستفاد من الآیة نفیها وعدم جوازها. هذا.
ثمّ إنّ الآیة هل تختصّ بالیتامی؛ أی بمن لیس له أب کما هو معنی الیتیم أو لا، بل لکلّ من کان قاصراً وکلّ صبیّ لم یبلغ الحلم؟
وبعبارة اُخری هل هی مختصّةٌ بالیتیم، وأمّا سائر الصغار الذین لهم الأب أو الجدّ فحکمهم غیر حکم الیتامی وجهة اختصاص الیتامی بذلک الحکم استحقاقهم لحفظ المال والترحّم والتفضّل علیهم؛ حیث لا یکون لهم أب ولا جدّ، فینفعهم عند بلوغهم لو لم یجدوا مالاً، بخلاف سایر الصغار؛ لوجود ما ینفعهم، أو لیس ذکر الیتامی إلا من باب غلبة ذلک فی حقّهم؛ اهتماماً لأمرهم، وإلا فلا فرق بینهم وبین سایر القصّر؛ إذ لا یفهم العرف والعقلاء من الحکم بوجوب دفع المال إلی البالغ الرشید دخالة شی ء آخر فیه إلا البلوغ والرشد، وأنّهم إذا بلغوا وکانوا رشیدین صاروا من الرجال. وهذه الحیثیة اقتضت دفع مالهم وحرمة التصرّف بغیر إذنهم فیه، وعدم وجود الأب أو الجدّ لیس بدخیل فی الحکم، فتمام الموضوع هو البلوغ والرشد لا شی ء آخر، وإلا یلزم عدم وجوب ردّ مال من یکون له أب أو جدّ وإن کان رجلاً کبیراً، وهکذا یفهم منها أنّ تمام الموضوع للحجر وعدم جواز دفع المال أیضاً عدم البلوغ والرشد، ولا دخالة لشی ءٍ آخر فیه مثل کونهم مفقود الأب أو الجدّ، فالحکم عامّ لجمیع القصّر وغیر البالغین؟
الظاهر هو الثانی؛ لعدم مدخلیة وجود الأب فی الحکم عند العرف والعقلاء.
ولا یخفی أنّ دلالة الآیة علی حجر الصبیّ وعدم نفوذ تصرّفه واستقلاله حتّی مع الإذن والإجازة؛ بحیث کان محجوراً مطلقاً موقوفة علی إثبات أمرین:
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 267
أحدهما: وجود المفهوم لها؛ سواء قلنا بابتدائیة «حتّی» وشرطیة «إذا»، کما هو المشهور، أو خروج «إذا» عن الشرطیّة وکون «حتّی» للغایة أمّا علی احتمال الشرطیة فلابدّ من وجود المفهوم لـ«إذا» ولـ«إن» الشرطیتین وعلی احتمال الغایة لابدّ من مفهوم القید أعنی: البلوغ والشرط وهو «إن»، وأمّا علی فرض عدم المفهوم فلا دلالة فیها، إذ المنطوق هو رفع الحجر وثبوت الاستقلال بشرط البلوغ وإیناس الرشد، أو مترتّباً علی البلوغ وبشرط الرشد ـ علی الاحتمال الثانی ـ ولو لم یکن للشرط أو للقید مفهوم، فلا یفید انتفاء الاستقلال وثبوت الحجر عند عدم الأمرین کلیهما أو أحدهما، وهذا المورد من موارد نسیان الاُصولیین فانبوه فی الاُصول؛ فإنّ منهم من لا یقول بمفهوم الشرط، أو مطلقاً، حسب الأدلّة العقلیّة وما یقتضیه الصناعة وإذا ورد فی الفقه وبلغ هذه الآیة ومثلها یستدلّ بمفهومها ویضع ما اختاره فی الاُصول؛ لأنّ المتفاهم العُرفی والفهم العقلائی لا یلاحظ ما استدلّ به علی عدم المفهوم من الأدلّة العقلیة ولا یقبل ذلک منه.
والثانی: کون الآیة بصدد بیان المفهوم والمنطوق کلیهما حتّی یستقیم الأخذ بإطلاق مفهومها؛ إذ استفادة حجر الصبیّ وعدم نفوذ تصرّفه واستقلاله مطلقاً کان من المفهوم، ویتوقّف ذلک علی إطلاقه وإثبات أنّه بصدد بیان المراد من المفهوم والمنطوق.
وهذا محتمل الوجهین:
الأوّل: أن یکون الحجر الشرعی ثابتاً من الخارج ومسلّماً من الشرع، والآیة بصدد بیان غایته وانتهائه، وأنّ أمده البلوغ والرشد؛ کی لا یتوهّم کفایة البلوغ أو الرشد، کما هو غیر بعید عند العقلاء فی رفعه، فنظر الآیة بیان حدّ الحجر ولزوم
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 268
کلا الأمرین فی رفعه، ولا نظر لها ولا عنایة إلی کیفیة حدود نفس الحجر وخصوصیاته وتمام المراد منه، بل ثبت ذلک مع کیفیته وحدوده من دلیل خارج، وکان الحجر مفروغاً عنه فی الآیة، فتمام المقصود فی الآیة بیان المنطوق، وأمد الحجر المفروض المفروغ عنه.
ویؤیّد ذلک أنّ الخطاب فی الآیة إلی أولیاء الیتامی، وأنّه فرض وجود الأموال فی أیدیهم، فهی بعد ثبوت ولایتهم ومحجوریة الیتامی ووجود أموالهم فی أیدی أولیائهم، فلیست بصدد إثبات الحجر والولایة؛ لأنّه أمر کان مفروض الوجود والتحقّق قبل الآیة حسب الخطاب.
والوجه الثانی: أن یقال: ثبوت الولایة والحجر إجمالاً أمر عقلائی، بل الولایة ثابت لغیر الأب والجدّ عند العقلاء، کالأخ والعمّ وغیرهما ممّا هو أکبر من الطفل وأعقل منه، والآیة فی مقام بیان هذا الأمر المسلّم عند العقلاء وحدوده وکیفیة رفعه. وما له دخالة فی ذلک، فهی فی مقام البیان مفهوماً ومنطوقاً، والخطاب إلی الأولیاء، ومفروضیة وجود الأموال فی ید الولیّ من جهة کونه أمراً عقلائیاً معمولاً به بینهم لا من حیث إنّه مفروض الوجود شرعاً. وعلیه، فیمکن التمسّک بإطلاق المفهوم والقول بأنّ غیر البالغ الرشید غیر مستقلّ وغیر نافذ التصرّف فی جمیع اُموره؛ مع الإذن وبدونه؛ مع الإجازة وبدونها؛ تمسّکاً بإطلاق مفهوم الآیة؛ حیث ثبت الاستقلال والنفوذ وسقوط الولایة المستتبع لدفع المال فی المنطوق موقوفاً علی وجود البلوغ والرشد، ومفهومه یقتضی عدم الاستقلال والنفوذ وثبوت الولایة والحجر علی فرض عدم الأمرین، وبما أنّه فی مقام بیان کلاً من المفهوم والمنطوق یقتضی إطلاقه جمیع ما قلنا من محجوریته فی جمیع الأفعال، وفی جمیع الحالات والتقادیر من حصول الإذن وعدمه، وغیر ذلک. هذا إذا
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 269
أردنا استفادة هذه الاُمور من إطلاق الآیة، وأمّا علی ما اخترناه من أنّ مناسبة الحکم والموضوع تقتضی ذلک فلا حاجة إلی إثبات الأمرین؛ إذ الولایة والحجر لیس إلا لحفظ ماله والمنع من هدره وإتلافه وصرفه فیما لا یصلح، وهذا لا یمکن إلا مع حجره وعدم نفوذ تصرّفه مطلقاً، وإلا فلو أمکن استقلاله بالإذن، أو إجازة ما فعل وتصرّف بدون تدبیر الولیّ فیما یفعله فلا یحفظ ماله ولا یترتّب علی منع المال نتیجة وأمر.
وبالجملة: الفهم العقلائی یحکم بأنّ جعل الولایة والحجر ولزوم منع المال منه لیس لمجرّد احترام الولیّ، حتّی یجوز بإذنه، أو إجازت تصرّفه فی المال، بل هی لأمر لا یحصل إلا بحجره عن مطلق التصرّف المالی، وهو حفظ المال لا للاستیذان أو الاستجازة منه، بل علی هذا الوجه لا یحتاج إلی المفهوم أیضاً؛ إذ بعد ما کان موضوع الاستقلال ورفع الحجر ونفوذ التصرّف البلوغ والرشد، فینتفی بانتفاء موضوعه، وهذا ممّا لا إشکال فیه وإن لم یکن نفی الاستقلال المستفاد من الآیة مفهوماً؛ بحیث یعارض دلیلاً آخر، فیکون حکماً کالمنطوق، بل مجرّد تحدید الموضوع بالأمرین یکفی فی انتفائه بانتفاء أحدهما، أو کلاهما، وهذا کافٍ فی حکم العُرف بعدم استقلاله مطلقاً؛ لانتفاء موضوعه.
ثمّ إنّ المراد ببلوغ النکاح هل هو فعلیة النکاح بحسب الشخص، فلا یدخل فیه مثل المریض بالعنن أو موانع اُخر، ویدخل من بلغ النکاح فی ما دون خمسة عشر سنة، أو المراد به النکاح بحسب النوع والعادة، فهو البالغ بخمسة عشر، فیخرج البالغ ما دونها، ویدخل المریض وغیره ممّن لا یقدر علیه فعلاً، أو المرادبه النکاح الفعلی لو لم یمنع منه مانع خارجی فیدخل فیه من بلغ دون خمسة عشر
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 270
ومن عرض له مانع مثل العنن؛ لأنّهم بلغوا النکاح لو لم یمنع منهم مانع کالمرض؟ الظاهر هو الأخیر.
وأمّا قوله: (فَإنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) فتحقیق القول فی معنی الرشد وما یحصل به خارج عن موضوع البحث، وإنّما المهمّ وجه تنکیره، فنوضّحه فی ضمن أمرین:
الأوّل: الرشد، قد یقال: بأنّه ملکة تقدر بها علی إصلاح المال وتمنع عن إضاعته وهدره نظیر العدالة، وکما أنّ لملکة العدالة مراتب بحسب القوّة والضعف، ولکن فی جمیعها تمنع صاحبها عن الکبائر والإصرار علی الصغائر أو عن الصغائر أیضاً کما هو الأصحّ، فکذلک الرشد ذو مراتب بحسب الشدّة والضعف وفی جمیعها یقدر صاحبها علی حفظ المال من الإضاعة والإتلاف.
أو یقال: بأنّها ملکة بسیطة إمّا حاصلة أو غیر حاصلة ولیس لها مراتب.
وهنا احتمال آخر یکون ثالث الاحتمالات؛ وهو أن یکون نظیر العلم؛ فإنّه ملکة بسیطة، ولکن یتکثّر بتکثّر متعلّقه، فیصیر ملکات عدیدة بتعدّد متعلّقه فعلم من الفقه والریاضی والتاریخ والهیئة والنجوم وغیرها من أنواع العلوم وأقسامها؛ فإنّ تکثّر العلم هنا بتکثّر موضوعاته، ولا مانع من حصول بعضها دون بعضٍ آخر، کما هو واضح، فهکذا الرشد ملکة بسیطة ویتکثّر تتکثّر موضوعاته، ویحصل بعضه دون بعض؛ إذ قد یکون إنسان رشیداً فی المبایعات؛ بحیث یحفظ ماله فیها، ولا یتوجّه إلیه الضرر فی المعاملة ولا یکون کذلک فی المناکحات، فیقع متأثّراً من نار شهوته ویبذل جمیع ماله، أو حظّ وافر منه لها، وکذا یوجد من لا یکون رشیداً فی البذل، فیبذل زعماً للسخاوة ماله فی غیر محلّه، وهکذا قد یکون الرجل غیر رشید فی مورد الطرب واللذّة فیضع ماله فی لیلة واحدة
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 271
لمطرب، أو غیر ذلک من أنواع اللذّات.
فالرشد فی الأموال یتکثّر بحسب موارده ومتعلّقاته نظیر العلم، وعلی أیّ حالٍ، الرشد إمّا ملکة ذو مراتب بحسب القوّة والضعف وبحسب الموارد، فیحصل بعض مراتبه ویمنعه من تضییع ماله فی بعض الموارد والمراحل دون مراتبه الاُخر فیکون رشیداً فی المعاملات دون المناکح مثلاً، وإمّا ملکة واحدة بسیطة متکثّرة بحسب الموضوعات ومنحلّة إلی ملکاتٍ کثیرة نظیر العلم، ولا فرق بینهما فی النتیجة، ولیس بسیطة إمّا حاصلة أو غیر حاصلة؛ لما نری من خلافه فی الأفراد کما عرفت.
الثانی: بما أنّ الآیة وقعت بعد قوله تعالی: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَکُمُ الّتِی جَعَلَ الله ُ لَکُمْ قِیَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِیهَا وَاکْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) فلابدّ من بیانها حتّی یتّضح حال ما وقعت بعدها.
قد یقال ـ کما هو المشهور بین المفسّرین ـ بأنّ المراد بالأموال فی الآیة أموال السفهاء لا أموال المخاطبین، والخطاب لأولیاء الیتامی؛ وذلک أنّه تعالی لمّا تضمّن کلامه السابق علی هذه الآیة الأمر بدفع مال الأیتام إلیهم وبدفع صدقات النساء إلیهنّ عقبه بذکر من لا یجوز دفع المال إلیه منهم، وهو من بلغ سفیهاً، فاُمروا أن یمسکوا أموال الیتامی ویجروا علیهم النفقة وما یحتاجون إلیه، وأن یرفقوهم بالقول وحسن المعاشرة والملائمة إلی البلوغ والرشد، فالسفهاء هنا هم الیتامی والنساء.
قال فی «المجمع»: أی أموالکم التی جعلها الله قواماً لمعاشکم ومعادکم
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 272
تقیمکم فتقومون بها قیاماً» وعلی هذا الاحتمال، فالمراد بأموالکم فی الآیة أموالهم. وقد أیّد ذلک بما رواه العیّاشی فی تفسیره عن علی بن أبی حمزة عن أبی عبدالله علیه السلام قال: سألته عن قول الله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَکُمْ) قال: «هم الیتامی لا تعطوهم أموالهم حتّی تعرفوا منهم الرشد» فقلت: فکیف یکون أموالهم أموالنا؟ فقال: «إذا کنت أنت الوارث لهم».
وأیّده سیّدنا الاُستاذ بذیل الآیة، وهو قوله: (أمْوَالَکُمُ الّتِی جَعَلَ الله ُ لَکُمْ قِیَاماً)؛ بناءً علی أن یکون المعنی قیاماً بها؛ أی جعل الله لکم ولایةً وقیمومةً بهذه الأموال، وهذا یفارق ما سبق عن «المجمع»؛ لأنّ المعنی علیه قیام الناس المخاطبین بالأموال؛ أی قوام معاشهم ومعادهم، وعلی هذا، فقیام الأولیاء بها، بمعنی ولایتهم وقیمومتهم علیها، وهذا الاحتمال فی ذیل الآیة یؤیّد الاحتمال؛ أعنی إرادة أموال السفهاء من أموالکم؛ لقیمومته الأولیاء وولایتهم علیها.
ووجه إسناد أموالهم إلی الأولیاء یمکن أن یکون أحد اُمور:
أوّلها: وراثة الأولیاء لتلک الأموال، کما اُشیر إلیه فی الروایة.
ثانیها: تنزیل الوحدة النوعیة منزلة الوحدة الشخصیة، کما فی قوله: (وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَکُمْ) وقوله: (لَقَدْ جَاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِکُمْ)، وقوله: (مَا مَلَکَتْ
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 273
أیْمَانُکُمْ) وقوله (فَاقْتُلُوا أنْفُسَکُمْ) وقوله: (ثُمَّ أنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أنْفُسَکُمْ). ومعلوم أنّ الرجل منهم ما کان یقتل نفسه ولکن بعضهم یقتل بعضاً، وکان الکلّ من نوع واحد، فهکذا هاهنا.
ثالثها: أنّ الأموال ممّا یقیم بها معاش الناس ومعادهم، فیکفی ذلک فی إسناد المال إلیهم.
رابعها: أنّها اُضیفت إلی الأولیاء المخاطبین؛ بعنایة أنّ مجموع المال والثروة الموجودة فی الدنیا لمجموع أهلها، وإنّما اختصّ بعض أفراد المجتمع ببعض منه وآخر بآخر للصلاح العامّ الذی یبتنی علیه أصل الملک والاختصاص؛ وذلک لأنّ المال لله ، ملکاً حقیقیاً جعله قیاماً ومعاشاً للمجتمع الإنسانی من غیر أن یقفه علی شخصٍ دون شخص؛ وقفاً لا یتغیّر ولا یتبدّل، وهبةً ینسلب معها قدرة التصرّف التشریعی. ثمّ أذن فی اختصاصهم بهذا الذی خوّله الجمیع علی طبق نسب مشرّعة کالوراثة والحیازة والتجارة وغیر ذلک، وشرط لتصرّفهم اُموراً، کالعقل والبلوغ ونحو ذلک، ففی الآیة دلالة علی حکم عامّ موجّه إلی المجتمع؛ وهو أنّ المجتمع ذو شخصیّة واحدة، له کلّ المال الذی أقام الله به معاشهم. وهذا من حیث الإضافة کقوله تعالی: (وَمَن لَمْ یَسْتَطِعْ مِنکُمْ طَوْلاً أن یَنکِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَا مَلَکَتْ أیْمَانِکُم مِن فَتَیَاتِکُمْ)، ومن المعلوم أنّ المراد بالفتیات لیست الإماء اللاتی یملکها من یرید النکاح.
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 274
خامسها: من جهة أنّهم متصرّفون فی أموال الأیتام وملکوا التصرّف اُضیفت إلیهم.
الثانی: ممّا یحتمل فی الآیة أن یکون الخطاب إلی الآباء؛ بأن لا یدفعوا أموالهم إلی السفهاء من أولادهم، وارزقوهم منها واکسوهم، وهذا الاحتمال وإن کان یناسب الإسناد فی الأموال؛ حیث کان حقیقیاً علیه، وکذا یناسب الأمر بالرزق والکسوة، إلا أنّه خلاف لظاهر سیاق الآیات. ولا شاهد له من الروایات.
الثالث: إرادة الأولاد والنساء من السفهاء، وهذا یناسب السیاق؛ لذکر النساء قبلها، وعلیه فالمراد بالأموال أموال المخاطبین لا السفهاء، ویناسب ذیله. وورد به تفسیر الآیة عن ابن عبّاس وسعید بن جبیر والحسن والضحّاک وأبی مالک وقتادة، قال ابن عبّاس: إذا علم الرجل أنّ امرأته سفیهة مفسدة للمال وعلم أنّ ولده سفیه یفسد المال، لم ینبغ له أن یسلّطهما علی ماله.
وقد وردت علی هذا روایة عن علی بن إبراهیم، قال فی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَکُمْ): «فالسفهاء؛ النساء والولد، إذا علم الرجل أنّ امرأته سفیهة مفسدة، وولده سفیه مفسد لم ینبغ له أن یسلّط واحداً منهما علی ماله الذی جعل له قیاماً الحدیث».
الرابع: إرادة النساء فقط من السفهاء، کما عن المجاهد وابن عمر، وروی عن أنس بن مالک روایة دالّة علیه، وهذا أوفق بسیاق الآیات من الثالث؛ لعدم ذکر الأولاد فی الآیات.
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 275
الخامس: أنّها عامّ لکلّ سفیه، وأنّها خطاب إلی الناس بعدم دفع أموالهم إلی السفهاء؛ لتضییعها فی أیدیهم، وعلیه، فالمراد بالأموال أموال المخاطبین، لا السفهاء. وهذا الاحتمال موافق لظاهر الآیة من جهة الإسناد، وإن لا یناسب ذیلها من جهة الأمر برزق السفهاء وکسوتهم؛ حیث لا یناسب ذلک رزق مطلق السفیه من مال نفسه، إلا علی وجه الرفق والاستحباب، بخلاف إرادة أموال السفهاء؛ فإنّه یناسب الأمر بذلک من أموالهم، وکذا علی سایر الاحتمالات، وقد وردت روایات کثیرة علی هذا الاحتمال رواها فی تفسیر البرهان فی ذیل الآیة بعضها صحیحة. ولم یرد علی الاحتمال الأوّل إلا ما رواه العیّاشی، وهو ضعیف بعلی بن أبی حمزة البطائنی؛ إذ هو من الواقفیة، وقد ورد فیه: «أنّه کذّاب متّهم» وغیره من القدح.
السادس: إرادة العموم من السفهاء؛ سواءً کان من الأیتام أو من النساء أو من غیرهم، وهذا ما احتمله صاحب «المجمع»، قال: «والاُولی حمل الآیة علی العموم فلا یجوز أن تعطی المال السفیه الذی یفسده، ولا الیتیم الذی لا یبلغ، ولا الذی بلغ ولم یؤنس منه الرشد، وإنّما تکون إضافة مال الیتیم إلی من له القیام بأمرهم؛ ضرباً من المجاز، أو یکون التقدیر: لا تؤتوا السفهاء أموالکم التی بعضها لکم وبعضها لهم فیضیّعوها».
وعلی هذا الاحتمال، فالمراد بالأموال أموال السفهاء من الأیتام التی ذکرت فی الآیات السابقة بقوله: (وَآتُوا الْیَتَامَی أمْوَالَهُمْ) واللاحقة بقوله: (وَابْتَلُوا
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 276
الْیَتَامَی حَتَّی إِذَا بَلَغُوا النِّکَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أمْوَالَهُمْ) وکذا أموال المخاطبین أنفسهم؛ حیث لا یجوز دفعها إلی السفهاء، وهذا الاحتمال یناسب سیاق الآیات وذیلها وکذا الروایات الواردة، إلا أنّه یستلزم التکلّف فی إسناد الأموال إلیهم بضرب من العنایة والمجاز.
إذا عرفت ذلک: فنقول: علی الاحتمال الأوّل أو الأخیر من إرادة السفهاء من الأیتام، إمّا أن یجعل فی الآیة موضوع الحکم ـ أعنی منعهم من الأموال والتصرّفات وعدم استقلالهم فی اُمورهم ـ السفیه، ویکون قوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) أمارةً لزوالها؛ حیث یکون السفه والرشد ضدّین لا ثالث لهما، فوجود أحدهما دالّ علی عدم الآخر، أو یکون الموضوع الرشد، کما فی الآیة، وجعل السفیه فی الآیة السابقة لدلالتها علی عدم الرشد وانتفاء الموضوع.
ثمّ علی کلّ من التقدیرین، إمّا یکون السفاهة مطلقاً موضوعاً لذلک؛ بحیث لو کان سفیهاً فی بعض الاُمور مثل المبایعات ورشیداً فی بعضٍ آخر مثل المناکحات، وغیر ذلک، أو یکون الرشد ذات مراتب، فله بعضها دون بعض لم یکن ممّا یشمله الحکم بعدم الاستقلال أو لا، بل السفاهة فی الجملة کافٍ فی الحکم بذلک، فمن لم یکن رشیداً فی جمیع ما یتعلّق بحفظ المال وشؤونه، ولو فی بعض منها لم یکن مستقلاً فی تصرّفاته.
وبالجملة: أمّا السفاهة بقول مطلق ومن جمیع الجهات تکون موضوعاً لحجره ومیزاناً فی الحکم بعدم استقلاله، وعلیه، فإیناس الرشد لیس لأجل کونه موضوعاً، بل لما فیه من الدلالة علی رفع موضوع الحجر وزوال ما هو میزان فی الحکم وموضوع له، ویکفی إیناس الرشد فی الجملة لذلک فتنکیره لهذه الجهة؛ لأنّ السفاهة بقول مطلق ومن جمیع الجهات إذا کانت موضوعاً فرفعه بوجود
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 277
الرشد فی الجملة، فإذا فرض رشده فی بعض الاُمور فقد ارتفع السفاهة المطلقة التی هو موضوع للحکم بحجره وعدم نفوذ أمره.
أو تکون السفاهة فی الجملة، ولو فی بعض الشؤون والموارد موضوعاً، فذکر الرشد فی الآیة لا یراد به فی الجملة، بل إیناس الرشد مطلقاً دلیل علی رفع موضوع الحکم؛ أعنی السفاهة، وعلیه، فلابدّ وأن یکون الرشد فی الجملة أمارةً علی الرشد مطلقاً حتّی یعلم برفع الموضوع، وهو السفه.
وکذلک علی القول: بأنّ الموضوع هو الرشد لا السفاهة، وأنّ ذکرها لأجل دلالة الضدّ برفع ضدّه الآخر فیما لا ثالث لهما، کما هو الظاهر من الآیة، فأیضاً قد یقال: بأنّ الرشد فی الجملة کافٍ فی الحکم وموضوع لاستقلاله، وعلیه فمن کان رشیداً فی بعض شؤون المال وسفیهاً فی سایرها، فهو نافذ التصرّف والمستقلّ فی أمره؛ لوجود الموضوع؛ أعنی الرشد فی الجملة فیه، ومن لا یکون رشیداً أصلاً وکان سفیهاً مطلقاً لا ینفذ أمره وتصرّفه؛ لرفع موضوعه عنه، ویناسب ذلک تنکیر الرشد فی الآیة.
وقد یقال: بأنّ المیزان وجود الرشد مطلقاً لا فی الجملة، فالسفیه ولو فی بعض الموارد غیر نافذ التصرّف؛ لعدم کونه رشیداً مطلقاً، وکذا السفیه فی جمیع الاُمور المالیة، وأمّا الرشید مطلقاً فهو نافذ تصرّفه. وعلیه، فیکون تنکیر «رُشْداً» لأجل أنّ وجود الرشد فی الجملة أمارة علی الرشد المطلق.
والمناسب لتنکیر «رُشداً» إلا أنّ مناسبة الحکم والموضوع وحکمة جعل الولایة ومنع الصبیّ من التصرّف؛ أعنی حفظ ماله وصیانة ملکه وکذا الأمر بابتلائهم من حین احتمال الرشد فیهم إلی ما بعد البلوغ یقضی باعتبار الرشد فیه مطلقاً؛ لأنّ الرشد فی الجملة لا یؤثّر فی ما هو المقصود من الحکم، وهو حفظ المال وکذا لا
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 278
یناسب مع الأمر بابتلائه فی هذه المدّة، واختباره مستمرّاً إلی ما بعد البلوغ.
هذا تمام الکلام حول الآیة وقد استفید منها أمران:
أحدهما: أنّ الموضوع لنفوذ تصرّفات الصبیّ ورفع حجره وثبوت استقلاله مطلقاً هو الرشد والبلوغ معاً.
وثانیهما: عدم إمکان استقلاله بالإذن أو نفوذ تصرّفه بالإجازة أو الوکالة، وأمّا مسلوبیة عبارته ولغویة إنشائه فلم یستفد منها، وإنّما المستفاد منها عدم استقلاله بنفسه فی تصرّفاته قبل حصول الأمرین، وأنّ الموضوع له حصولهما معاً، وکذا عدم إمکان استقلاله بالإذن والوکالة والإجارة.
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 279