السابع: حول کلام العلامة فی الإکراه علی الطلاق
قال العلامة فی «التحریر»: «لو اُکره علی الطلاق فطلّق ناویاً فالأقرب وقوع الطلاق». ونحوه فی «المسالک» بزیادة احتمال عدم الوقوع.
وقد وقع الکلام فی المراد من الطلاق ناویاً ونحن نذکر اُموراً؛ لیتّضح به حال الأقسام المتصوّرة والمذکورة فی کلام الشیخ.
الأوّل: أنّ مقتضی حدیث الرفع هل هو رفع ما وقع عن إکراه أو اضطرار؛ بحیث لو لا الإکراه أو الاضطرار لما فعله، أو کان مفاده هو الأعمّ من ذلک، فیشمل کلّ ما وقع مقارناً للإکراه والاضطرار، وإن کان الداعی له أغراضه الشخصیة کمن بنی علی بیع داره أو شرب الخمر؛ لتحصیل مقاصده وأغراضه فی الأوّل، وخبث باطنه فی الثانی وقارن فعله الإکراه والاضطرار؟
الظاهر بحسب صدور الحدیث فی مقام الامتنان وبحسب ظهوره اللفظی عدم شموله لمثل هذا المورد الذی لا دخل للإکراه أو الاضطرار فی فعله؛ لأنّ الامتنان یصدق فیما وقع فی المشقّة والضیق لو ترتّب علیه آثاره الشرعیة، وأمّا من أراد الفعل بطیب نفسه واختیاره لو لا الإکراه ولم یتفاوت خاله فی صورة وجوده وعدمه فلا موضع للامتنان علیه. وأمّا ظهور اللفظ فلأنّ الظاهر من قوله: «رفع ما اضطرّوا إلیه وما اُکرهوا علیه» خصوص الصادر عن الإکراه
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 413
والاضطرار لا ما دخل لهما فیه، کما هو واضح.
الثانی: لو کان الإکراه سبباً مستقلاً فی حصول الفعل وأغراضه أیضاً سبباً مستقلاً آخر واجتمعا معاً، فصار الکلّ سبباً واحداً، فیکون فاعلاً بإکراه غیره وإن لم یکن موافقاً لأغراضه وطیب نفسه. وکذا فاعلاً بداعٍ نفسانی وطیب خاطره ولو لم یکره علیه، فعلی أیّ تقدیرٍ بفعله، وإنّما اجتمعا معاً اتّفاقاً أو کان الإکراه مع انضمام الرضا کلاهما سبباً مستقلاً، بحیث لم یکن کلّ واحد مستقلاً لو لا الآخر، فهل الظاهر من حدیث الرفع رفع ما کان الإکراه مستقلاً فی صدوره وسببیته وکذا الاضطرار، فما کان منه جزءاً لسبب أو سبباً مستقلاً مقارناً لسبب آخر، فصارا جزئین، کما فی الفرض الأوّل غیر مشمولٍ لحدیث الرفع أم لا؟
الظاهر أیضاً اختصاصه بما یستقلّ فی السببیة من الاضطرار والإکراه لما یظهر من لفظه وکونه فی مقام المنّة؛ فإنّ قوله: «رفع ما اضطرّوا إلیه» رفع ما صدر بسبب الاضطرار فقط، کما أنّ مقتضی قوله تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ صحّة ما وقع عن التراضی فقط ممّا یؤثّر فی وقوعه غیر الرضا من الإکراه لا یکون تجارةً عن تراضٍ، ففی مثل الفرضین لا یصدق عرفاً أنّه وقع بإلزام غیره وإکراه غیره، ولا یصدق صدوره عن الرضا وطیب النفس، بل مستند إلی کلا الأمرین. وعلیه: فلا یکون داخلاً فی حدیث الرفع حتّی یحکم ببطلانه، ولا العمومات والإطلاقات حتّی یحکم بصحّته. وإنّما یحکم بفساده من أجل عدم دلیل الصحّة وعدم شمول الإطلاقات والعمومات، لا من جهة حدیث الرفع، کما هو واضح.
الثالث: لا إشکال فی أنّ الإکراه المتصوّر فی المعاملات هو ما إذا لم یلتفت
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 414
المکره إلی فساد المعاملة وبطلانها شرعاً؛ لجهله أو کونه رأی بعض مذاهب العامّة، فزعم وقوع المعاملة؛ إذ لو کان ملتفتاً إلی بطلانه وفساده لم یقدم علی فعله جدّاً، فلا یتمشّی منه إرادة الإنشاء جدّاً؛ فإنّ من یعلم بعدم وقوع الطلاق عن إکراه مثلاً کیف یحصل منه الإنشاء الجدّی؟ فموضوع البحث هو ما یلتفت إلی فساد المعاملة.
إذا عرفت ذلک فنقول: مراد العلامة من قوله: لو طلّق ناویاً، إن کان الفرق بین المکره وغیره بأنّ المکره هو الفاقد للنیّة والقصد ولذا لو قصده لا یصدق علیه الإکراه، فقد ظهر ممّا قدّمنا سابقاً عدم الفرق بین فعل المکره وغیره من جهة المبادی من الإرادة الجدّیة والقصد إلی اللفظ والمعنی والإنشاء وحصول المضمون فی الخارج وغیر ذلک، وإنّما الفرق فی أنّ مبدأ المبادی ومنشأ حصول الداعی والإرادة فی المکره إلزام غیره وفی غیره حوائجه وأغراضه ومقاصده الشخصیة. فلا فرق من جهة وجود القصد بینهما حتّی یکون الطلاق مع القصد إلی مضمونه وقع عن غیر إکراه وکان صحیحاً.
وإن کان غرضه أنّ الإکراه لا یتعلّق بالقصد؛ بمعنی أنّه غیر مکرهٍ فی القصد والجدّ وإنّما اُلزم علی الإنشاء اللفظی فقط؛ إذ القصد لیس ممّا یمکن أن یلزم به؛ لعدم مظهرٍ له، فله أن یفعله ولم یقصده، وإذا أنشأ مع القصد لا یکون عن إکراه؛ لأنّ القصد لم یکن مکرهاً علیه، فیکون صحیحاً مترتّباً علیه الأثر.
ففیه: أنّ عدم قصد المعنی غیر ممکن لعامّة الناس؛ فإنّهم غیر مأمونین من الوقوع فی الضرر المتوعّد به لو لم یقصدوا من اللفظ معناه. نعم، قلیل منهم
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 415
قادرون علی ذلک، وهذا ما قدّمناه سابقاً من إمکان التوریة لشذوذ من الناس وعدم إمکانه لغیرهم.
وعلیه، فمن لا یمکنه الإنشاء السازج عن القصد یکون مکرهاً علی قصده ولا یخرج عنه لو قصده. نعم، من کان یمکنه ذلک بسهولةٍ، ومع ذلک قصده لا یکون مکرهاً. ولذا اعتبرنا فی صدقه عدم إمکان التفصّی منه، وهذا من طرق التفصّی، ولکنّه صعب علی أکثر الناس.
وأمّا الصور المذکورة فی کلام الشیخ فالصورة الاُولی التی لا دخل للإکراه أو الاضطرار فی وقوعه منه وصدوره، بل کان بانیاً علیه، فلا إشکال فی صحّته، ولا یکون مراد العلامة قطعاً، کما أشار إلیه الشیخ.
وأمّا الصورة الثانیة، وهی ما کان الإکراه جزءاً بسبب وقوعه أو سبباً مستقلاً مع سبب مستقلّ آخر من دواعی نفسه فبطلانها لیس لأجل الإکراه، بل لعدم شمول الأدلّة لها.
وأمّا الصورة الثالثة المذکورة فی کلام الشیخ، وهی ما إذا کان الداعی الإکراه، ولکن لا من جهة التخلّص عن الضرر المتوعّد به، بل من جهة دفع الضرر اللاحق إلی شخص آخر کولده أو زوجته أو وقوع غیره فی محرّم. وهذا یتصوّر علی وجهین؛ إذ قد یکون المتضرّر بترکه ولده أو زوجته، کما لو قال ولده: طلّق وإلا لقتلت نفسی أو أشرب الخمر، أو قالت الزوجة: طلّق وإلا قتلت نفسی أو أوقعت نفسی فی الزنا مثلاً أو أشرب الخمر. وقد یکون المتضرّر غیر من یتعلّق بنفسه کالأجنبیّ المتوعّد بترکه بفعل أوقعه علی نفسه، ففی صورة تضرّر من
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 416
یتعلّق به لا إشکال فی صدق الإکراه؛ لأنّ ضرره ضرر نفسه، فالتخلّص عنه لا یتفاوت فی صدقه مع التخلّص عن ضرر نفسه.
وأمّا فی الصورة الثانیة فلا یصدق الإکراه؛ فإنّ من یطلّق زوجته؛ لعدم وقوع شرب الخمر من الغیر المتوعّد به علی ترکه لا یکون مکرهاً عرفاً، کما هو واضح.
بقی صورتان اُخریان: إحداهما: ما صدر الفعل مع قصد وقوعه عن جهله بالحکم. وقد عرفت: أنّه هو مورد البحث ومحلّ الکلام فی المکره، وإلا من کان عالماً بالحال، فلا یتصوّر منه قصد وقوع ما یعلم بعدم وقوعه.
وثانیتهما: من یعتقد أنّ الضرر لا ینتفی عنه ولا یحصل الفرار عنه إلا بإیقاع الطلاق مثلاً حقیقة؛ لغفلته عن أنّ التخلّص غیر متوقّف علیه، فیوطّن نفسه علی رفع الید عن الزوجة والإعراض عنها، فیوقع الطلاق قاصداً، وهذا کثیراً ما یتّفق للعوامّ، وهذا أیضاً من موارد صدق الإکراه، بل من أظهر مصادیقه؛ لأنّه لو کان قادراً علی عدم القصد وملتفتاً إلیه أو کان عالماً بالفساد الشرعی لا یکون مکرهاً قطعاً، فما ذکره الشیخ من الإشکال فی الصورتین غیر وجیه.
کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 417