الکلام فی شروط المتعاقدین

الثامن: حول عقد المکره لو تعقّبه الرضا

الثامن: حول عقد المکره لو تعقّبه الرضا

‏قال الشیخ‏‏: ‏‏«‏‏المشهور بین المتأخّرین أنّه لو رضی المکره بما فعله صحّ ‏‎ ‎‏العقد ویؤثّر أثره‏‏»‏‎[1]‎‏. ‏

‏نقول: لابدّ من التأمّل فی کیفیة عقد المکره وأنّه هل هو عقد عقلائی مثل ‏‎ ‎‏الفضولی أو لا کذلک أو یفصّل بین صورها؟ ‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 417
‏والذی یتصوّر فی عقد المکره ثلاثة صور: أحدها: الجاهل الغافل عن بطلان ‏‎ ‎‏عقد المکره وفساده شرعاً، فیقدّم علی الفعل عازماً علی تحقّقه وقاصداً لوقوع ‏‎ ‎‏مضمونه فی الخارج. وثانیها: المکره الملتفت إلی فساده ولکن حیث یعلم أنّه ‏‎ ‎‏یمکن حصول الرضا منه علی تحقّقه، فینشئ المعاملة جدّاً برجاء الإجازة ‏‎ ‎‏والرضا الحاصل منه بعداً. وثالثها: نفس الصورة لکن لا مع احتمال الرضا ‏‎ ‎‏بمضمونه، بل مع الالتفات بعدم تراضیه به. ‏

‏والذی ینبغی أن یقال: أنّ الصورة الاُولی معاملة عقلائیة غیر فاقدة لشی ءٍ من ‏‎ ‎‏شروط المعاملات العقلائیّة؛ فإنّها واجدة لجمیع ما یعتبر فی المعاملة من الإرادة ‏‎ ‎‏الجدّیة وقصد حصول المضمون والإنشاء وغیر ذلک ممّا یوجد فی بیع غیر ‏‎ ‎‏المکره، وإنّما الفرق فی مبدأ حصول مبادی الفعل فی نفسه؛ إذ الداعی فی تحقّق ‏‎ ‎‏هذه المبادی فی المکره إکراه الغیر وإلزامه، والداعی فی غیره أغراضه ومقاصده، ‏‎ ‎‏فهو یکون نظیر البیع الربوی وبیع الخمر ممّن لا یبالی بأحکام الشرع؛ فإنّهما لا ‏‎ ‎‏یفارقان فی ما یعتبر فی المعاملة العقلائیة، وإنّما الفرق بینهما فی منشأ إرادة ‏‎ ‎‏الفعل واختیاره، وإلا فلا فرق بینهما من جهة حکم العقلاء فی خصوصیات ‏‎ ‎‏المعاملة، فکما أنّ البیع الربوی معاملة عقلائیّة واجدة للإنشاء وما یعتبر فیها ‏‎ ‎‏والقرار المعاملی الواقع بین المتعاملین کذلک الواقع عن إکراه مع عدم التفاته ‏‎ ‎‏بالحکم الشرعی واجد لجمیع خصوصیات المعاملة من المعاهدة والإنشاء ‏‎ ‎‏وغیرهما. وعلی هذا لا قصور فیه من جهة الخصوصیات المعتبرة عند العقلاء فی ‏‎ ‎‏المعاملات، فلا إشکال فی أنّه عقد عقلائی. ‏

‏وأمّا الصورة الثانیة فهی أیضاً غیر فاقدةٍ للإنشاء وما یتعلّق به وما یترتّب ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 418
‏علیه من القرار والمعاهدة، وذلک لإمکان الإنشاء الجدّی منه برجاء حصول ‏‎ ‎‏الإجازة فیما بعد، وذاک مثل الفضولی، حیث یصدر منه الجدّ بإنشاء العقد ‏‎ ‎‏وحصول مضمونه بملاحظة إجازة المالک، وإلا یجری الإشکال فی الفضولی، بل ‏‎ ‎‏فی الإیجاب أیضاً، فإنّ الموجب مع علمه بعدم ترتّب الأثر والمنشأ علی إنشائه ‏‎ ‎‏وإیجابه، کیف یقدم علی الإنشاء الجدّی ویحصل منه الجدّ بوقوع المنشأ؟ وإنّما ‏‎ ‎‏یصحّ ذلک منه بلحاظ قبول المشتری، فحیث یلاحظ حصول القبول منه یمکنه ‏‎ ‎‏الجدّ بإنشاء مضمونه فالموجب والفضول والمکره مشترکون فی الإشکال وحلّه.‏

‏وعلیه، فهذه الصورة أیضاً لیست بقاصرة عمّا هو معتبر فی أرکان المعاملة ‏‎ ‎‏وتحقّقها عند العقلاء لو لا الإکراه. ‏

‏وأمّا الصورة الثالثة: فهی ممّا یمکن القول بأنّها لیست من العقود العقلائیة؛ ‏‎ ‎‏لعدم حصول الجدّ من المکره بمضمونه، فهو کالفضول العالم بعدم إجازة المالک ‏‎ ‎‏وکالموجب العالم بعدم حصول القبول؛ فإنّ فی جمیع الثلاثة لا یمکن حصول ‏‎ ‎‏الجدّ بالإنشاء؛ إذ الموجب مثلاً یعلم بعدم حصول السبب تماماً، فکیف یتوقّع ‏‎ ‎‏المسبّب وما یترتّب علی السبب التامّ جدّاً؟ ‏

‏وعلی هذا، فلا إشکال فی صدق عنوان المعاملة فی الصورة الاُولی والثانیة ‏‎ ‎‏عرفاً، فالواقع عن إکراه وإلزام من غیره بیع وعقد عقلائی لو لا الإکراه. ‏

‏ولا یعتبر فی صدق العنوان العرفی مقارنة طیب النفس للعقد أو وجوده فی ‏‎ ‎‏العاقد بلا إشکال؛ لأنّ المعتبر فی صدق العقد العقلائی إنّما هو وجود القصد ‏‎ ‎‏والإرادة الجدّیة والإنشاء وما ینشئ به من اللفظ أو ما یقوم مقامه، وأمّا کیفیة ‏‎ ‎‏مبدأ هذه المبادی فلا دخل له فی صدق عنوان العقد فلا یعتبر نشؤ المبادی عن ‏‎ ‎‏غرض فی نفسه من مقاصده وأغراضه وطیب خاطره، بل الدخیل فیه نفس ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 419
‏المبادی للإنشاء وإن کان للفرار عن مهلکةٍ أو ضررٍ متصوّر أو غیره ممّا یمکن ‏‎ ‎‏أن یحرّکه نحو الفعل. ‏

‏ولو فرض اعتبار المقارنة للطیب أو طیب نفس العاقد لزم بطلان عقد ‏‎ ‎‏الفضولی وکونه علی خلاف القواعد وغیر ذلک ممّا یترتّب علیه. ‏

‏إنّما الکلام فی لزوم نحو هذه المعاهدة والقرار عند العقلاء الذی کان بإلزام ‏‎ ‎‏غیره، أو لا یلزم الوفاء به وإن کان بیعاً، والظاهر من بناء العقلاء هو عدم لزوم ‏‎ ‎‏الوفاء به، وعدم إلزامه بما فعله عن قهرٍ وجبرٍ ولا یلزمون المکره علی البناء ‏‎ ‎‏علی فعله والوفاء بقراره وشرطه فی المحاکم، بل المسلّم عندهم اختیاره فیه ‏‎ ‎‏وعدم إلزام علیه فی قبوله، کما هو واضح عند المراجعة إلیهم. ‏

‏وعلی هذا، فیمکن أن یقال بانصراف إطلاقات الأدلّة کـ‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‎[2]‎‏ ‏‎ ‎‏و‏‏«‏المؤمنون عند شروطهم‏»‏‎[3]‎‏ و‏أحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ‎[4]‎‏ عن مثل عقد المکره وإیقاعه ‏‎ ‎‏عند العرف وعدم مشمولیته لها، وإن لم یکن فیه ما یدلّ علی بطلانه مثل حدیث ‏‎ ‎‏الرفع وغیره ممّا مرّ، بل نفس عدم الدلیل علی الصحّة واللزوم کافٍ فیه، ‏‎ ‎‏والمفروض انصراف الأدلّة والإطلاقات عن عقده وإیقاعه وإن لم یقصر عن ‏‎ ‎‏صدق عنوان العقد والمعاملة علیه. ‏

‏وذلک لأنّ وجوب الوفاء بالعقد ولزوم الإقامة عند الشرط من الأحکام ‏‎ ‎‏العقلائیة الدائرة بین جمیع العقلاء؛ فإنّهم یرون الوفاء بالشرط والقرار من ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 420
‏الواجبات واللوازم، حتّی جعل من علائم الرجولیة والإنسانیة: ‏‏«‏‏مرد باید پای ‏‎ ‎‏قولش بایستد‏‏»‏‏ ولیس هذه أحکام تعبّدیة شرعیة، بل هی جاریة فی جمیع ‏‎ ‎‏المجتمعات الإنسانیة، ولذا تری أنّ القرار والشرط دارج بین الدول بعضها مع ‏‎ ‎‏بعض ویوفون به، وإذا لم یکن وجوب الوفاء بالشرط والعقد ولزوم القیام عند ‏‎ ‎‏القرار من المعانی الشرعیة المستحدثة، فلا یکون لتلک الأدلّة إطلاق حتّی یشمل ‏‎ ‎‏غیر ما هو عند العقلاء من اللزوم والوفاء؛ إذ لا یفهم منها غیر ما هو ثابت ‏‎ ‎‏عندهم. وعلیه، ففی مورد الإکراه یکون الأدلّة والإطلاقات منصرفة عنه؛ لأنّ ‏‎ ‎‏العقلاء لا یرونه لازم الوفاء. ‏

‏نعم، إذا لحقه الرضا یلزم عندهم؛ فإنّ سبب منعهم عن لزومه واستقراره علیه ‏‎ ‎‏هو إلزام الواقع من الغیر وقهره وجبره علی الفعل، وإذا رضی به وطاب نفسه له ‏‎ ‎‏لا مانع عندهم من لزومه واستقراره وعلیه، فیتمّ شمول الإطلاقات بعد لحقوق ‏‎ ‎‏الرضا به؛ إذ لم یکن فی صدق العنوان علیه إشکال، وإنّما منع من شمولها ‏‎ ‎‏انصرافها عن مثله الواقع بقهر غیره وجبره، وإذا رضی نفسه بما وقع ولزم عند ‏‎ ‎‏العرف والعقلاء فلا یمنع من شمول الإطلاقات له مانع. ‏

‏ولا مانع من شمولها له بعد انصرافها، کما استوحش من ذلک المحقّق ‏‎ ‎‏النائینی‏‏، حیث منع من خروج عقد المکره عن الإطلاقات حتّی لا یقال:‏‎ ‎‏کیف یخرج عنه فی حالٍ ویدخل فیه فی حالة اُخری؟‏‎[5]‎‏ ولکنّه عرفت: انصرافها ‏‎ ‎‏أوّلاً قبل لحوق الرضا، وشمولها له ثانیاً بعده، فعند الرضا شمول الإطلاقات‏‎ ‎‏له تامّ. ‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 421

  • ـ المکاسب، ضمن تراث الشیخ الأعظم 16: 328.
  • ـ المائدة (5): 1.
  • ـ تهذیب الأحکام 7: 371 / 1503؛ وسائل الشیعة 21: 276، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 20، الحدیث 4.
  • ـ البقرة (2): 275.
  • ـ منیة الطالب 1: 425.