الکلام فی شروط المتعاقدین

فی جریان الفضولی فی الإیقاعات

فی جریان الفضولی فی الإیقاعات

‏وقبل الورود فی أقسامه وأحکامه لابدّ من تقدیم أمرین:‏

أحدهما: ‏فی حال الإیقاعات بالنسبة إلی الفضولیة وعدمها، وأنّه علی فرض ‏‎ ‎‏قبول کون الفضولی فی العقود موافقاً للقواعد، فهل یکون فی الإیقاعات أیضاً ‏‎ ‎‏علی طبق القواعد، فیلتمس لإخراجها إلی دلیل آخر، أو لا یکون علی طبقها، ‏‎ ‎‏فیکون خروجها عنها موافقاً للقواعد؟ والثانی: فی بیان العقد الواقع مقارناً لطیب ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 435
‏نفس المالک باطناً ورضا من غیره، وأنّه هل هو داخل فی الفضولی فیحتاج إلی ‏‎ ‎‏الإذن ثانیاً أو لا، فیکفی الرضا المقارن؟ ‏

‏أمّا البحث فی الأوّل: فعلی فرض القول بأنّ مفاد الأدلّة والإطلاقات هو ‏‎ ‎‏اعتبار الاستناد فی العقود إلی المالک، فیکون معنی: ‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‎[1]‎‏: أوفوا ‏‎ ‎‏بعقودکم، وبیع الفضولی وعقده لا یکون منتسباً ومستنداً إلی المالک إلا عند ‏‎ ‎‏الإجازة والرضا، فحینئذٍ لابدّ من ملاحظة أنّ الإجازة کیف تصیر سبباً للانتساب ‏‎ ‎‏والإضافة؟ وأن متعلّق الإجازة ماذا، فیلاحظ ثانیاً فی حال الإیقاع؟ ‏

‏فنقول: یحتمل تعلّق الإجازة بإنشاء العاقد وإیقاعه بالمعنی المصدری الواقع ‏‎ ‎‏فی ظرفه، فیلاحظ وجوده فی ظرف وجوده وتحقّقه فیتعلّق الإجازة به. ‏

‏وبعبارة اُخری، الإنشاء الواقع فی الزمان السابق وإن لم یکن له البقاء والدوام ‏‎ ‎‏لا حقیقةً ولا اعتباراً، إلا أنّه یمکن لحاظ وجوده فی ذلک الظرف وتعلّق الإذن ‏‎ ‎‏والإجازة به، وبه یصیر العقد الواقع سابقاً مضافاً إلی المالک، ویحتمل أن یکون ‏‎ ‎‏متعلّق الإجازة المعنی الواقع بالإنشاء، وهو القرار المعاملی الواقع بین المتعاملین ‏‎ ‎‏وبنائهم علی تبادل الملکین والمالین الذی یکون قابلاً للبقاء اعتباراً، فیکون هذا ‏‎ ‎‏المعنی متعلّق الإجازة، وبه یصیر العقد عقداً له ومستنداً إلیه. ‏

‏فإن قلنا بالأوّل فلا إشکال فی دخول الفضولی فی الإیقاعات أیضاً حسب ‏‎ ‎‏القواعد؛ لأنّ الإنشاء الإیقاع بالمعنی المصدری الذی هو فعل الفضول فی ظرف ‏‎ ‎‏وقوعه وتحقّقه، ویکون متعلّق الإجازة فی العقود بعینه موجود فی الإیقاعات، ‏‎ ‎‏فیمکن تعلّق الإجازة به وانتسابه إلیه، فلا فرق بین البابین. ‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 436
‏وأمّا إن قلنا بالثانی فلا إشکال أیضاً فی الفرق بین البابین؛ لأنّ ما هو متعلّق ‏‎ ‎‏الإجازة فی العقود؛ أعنی القرار الواقع بینهما الذی هو قابل للبقاء اعتباراً غیر ‏‎ ‎‏موجود فی باب الإیقاعات؛ إذ لیس فیها إلا جهة الإنشاء والمنشأ، والمفروض ‏‎ ‎‏عدم تحقّق المنشأ بإنشائه حتّی یکون الإنفاذ بلحاظه، ولا بقاء للإنشاء لتصرّم ‏‎ ‎‏وجوده ولیس فیه جهة ثالثة، وهو المعاهدة والقرار؛ إذ لا یکون واقعاً بین ‏‎ ‎‏الطرفین، کما فی العقود، فحیثیة القابلة لتعلّق الإجازة واستناده بها إلی المالک ‏‎ ‎‏مفقودة فی الإیقاعات. ‏

‏ولا یخفی بعد الاحتمال الأوّل وأقربیة الثانی؛ إذ لا ینبغی التأمّل فی أنّ ما لا ‏‎ ‎‏وجود له بقاءً غیر قابل لإنفاذه وإجازته، وما هو قابل لها إنّما هو القابل للبقاء ‏‎ ‎‏الاعتباری، وهو القرار الواقع بینهما، وعلیه، فنخرج الإیقاعات عن الفضولیة علی ‏‎ ‎‏طبق القواعد ولا یقتضی القواعد صحّتها، کما یقتضیه فی العقود. ‏

‏وقد ذکر لإلحاق الإیقاعات بالعقود فی دخول الفضولیة فیها علی القواعد ‏‎ ‎‏طریقان: ‏

‏أحدهما: أنّ الإجازة والإنفاذ لیست سبباً لإلحاق عقد الفضول إلی المالک ‏‎ ‎‏واستناده إلیه وصیرورته عقده، بل الإجازة والإمضاء إنفاذ لفعل الفضول، فالفعل، ‏‎ ‎‏وهو العقد باقٍ علی إضافته بالفضول ولکن ینفذ بإمضاء المالک ما وقع بفعل ‏‎ ‎‏الفضول، ومفاد الأدلّة، وإن کان تنفیذ العقود المنسوبة إلی المالک للتصرّف، ‏‎ ‎‏ولکنّه داخل فیها بحسب تفاهم العقلاء، وعلیه، فالإجازة لیست لأجل انتساب ‏‎ ‎‏فعل الفضول وعقده إلی المالک، بل لإنفاذ فعله وعقده، وحینئذٍ، فیمکن أن یقال: ‏‎ ‎‏بأنّ الإجازة کما یصحّ أن تنفذ العقد، کذلک یصحّ أن تنفذ الإیقاع بإنفاذ ما فعله ‏‎ ‎‏من الإنشاء. ‏


کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 437
‏ولکن لقائل أن یقول بالفرق بینهما: لأجل وجود المعنی الاعتباری القابل ‏‎ ‎‏للإنفاذ فی العقود دون الإیقاع. ‏

‏والثانی: أنّ فی العقود وراء الإنشاء والمعنی الاعتباری من القرار والمعاهدة ‏‎ ‎‏وما یترتّب علی إنشائه من النقل الاعتباری أمر آخر وهو النقل والانتقال ‏‎ ‎‏الإنشائی، وهذا هو متعلّق الإجازة فی العقود وهو بعینه موجود فی الإیقاع أیضاً.‏

‏بیان ذلک: أنّ الإنشاء والإیجاد لا یمکن أن یکون سبباً لتحقّق النقل والمبادلة ‏‎ ‎‏حقیقةً؛ إذ لا یکون النقل والمبادلة بین المالین من الحقایق الثابتة والواقعیات، بل ‏‎ ‎‏هو أمر اعتباری أمره بید العقلاء، فیعتبرون النقل تارةً، ولا یعتبرونه اُخری، وکذا ‏‎ ‎‏لا یمکن سببیة الإنشاء للنقل الاعتباری؛ لأنّ من اعتبارات العقلاء ولیس یوجد ‏‎ ‎‏بإیجاده وإنشائه؛ إذ لا یعقل سببیة الإنشاء لاعتبار العقلاء بهذا المعنی، وکذا لا ‏‎ ‎‏إشکال فی أنّ الإنشاء لیس بأمر خالٍ عن المعنی، فیکون لغواً کأن یکون مجرّد ‏‎ ‎‏اللفظ مثلاً، وحینئذٍ فلا جرم من تحقّق أمر بإنشائه وإیجاده حتّی یکون ذلک ‏‎ ‎‏الأمر موضوعاً لاعتبار العقلاء بالنقل والمبادلة، وهو عبارة عن النقل والانتقال ‏‎ ‎‏الإنشائین؛ أی المنشأ بإنشائه، فالبائع ینشئ النقل ویوجده بإنشائه ویتبادل ‏‎ ‎‏المالین فی عالم الإنشاء ویکون منشأه موضوعاً لاعتبار العقلاء. وإذا کان الإنشاء ‏‎ ‎‏ممّن له التصرّف مع باقی شروطه فیصیر موضوعاً لاعتبارهم ویعتبرون النقل ‏‎ ‎‏والملکیة عقیب إنشائه، وأمّا إذا کان من غیره فالمنشأ، وهو النقل الإنشائی ‏‎ ‎‏موجود فی اعتبار العقلاء، ولکن لا یعتبر عندهم ولا یترتّب علیه الأثر إلا عند ‏‎ ‎‏إجازة المالک، فإذا أجاز المالک فیصیر النقل الإنشائی الملحوق بالإجازة من ‏‎ ‎‏المالک موضوعاً لاعتبارهم وترتیب الآثار علیه عندهم، فمتعلّق الإجازة إنّما ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 438
‏یکون النقل الإنشائی؛ أی ما یوجد بإنشاء العاقد، وهو النقل والانتقال بین ‏‎ ‎‏المالین إنشاءً لا اعتباراً؛ إذ لا یکون الإنشاء بدون المنشأ ولا یعقل تفکیکهما، ‏‎ ‎‏ولیست آلات الإنشاء لغواً وخالیةً عن المعنی، أو الإرادة حسب الفرض، حتّی لا ‏‎ ‎‏یکون إنشاءً، ولا یمکن أن یکون المنشأ المعنی الاعتباری العقلائی من الملکیة ‏‎ ‎‏والنقل؛ لعدم تأثیر فعل المنشئ فی اعتبارهم، ولیس هنا معنیً حقیقیاً من النقل، ‏‎ ‎‏فلابدّ من وجود المنشأ عند إنشائه، وهو عبارة عن النقل والانتقال الانشائی ‏‎ ‎‏لیس إلا. وهذا هو متعلّق الإجازة فی الفضولی؛ إذ هو فعل المنشئ الذی یقبل ‏‎ ‎‏البقاء اعتباراً. ‏

‏وهذا المعنی بعینه موجود فی الإیقاعات؛ إذ البینونة الحاصلة من الطلاق ‏‎ ‎‏لیست من الاُمور الحقیقیة التی یحصل بإنشاء الطلاق، بل هی من الاعتبارات ‏‎ ‎‏الشرعیة والعقلائیة، ولا یؤثّر إنشاء المطلّق فی حصول اعتبارهم؛ بأن یکون فعله ‏‎ ‎‏سبباً لوجود اعتبارهم ولیس لفظه خالیاً عن المعنی والإنشاء، وحینئذٍ فلا محالة ‏‎ ‎‏یحصل بإنشائه البینونة الإنشائیة التی تکون موضوعةً لاعتبار الشارع أو العقلاء، ‏‎ ‎‏وعلیه فیمکن تعلّق الإجازة بهذا المعنی فی الإیقاعات أیضاً لوجودها الإنشائی ‏‎ ‎‏القابل للبقاء. ‏

‏وما ذکر فی العقود من وجود القرار الذی لیس بموجود فی الإیقاع فی غیر ‏‎ ‎‏محلّه؛ لأنّه لو اُرید من القرار وجوده التکوینی فهو أمر متصرّم الوجود ولا بقاء ‏‎ ‎‏له، وإن اُرید منه وجوده الاعتباری فهو لیس إلا النقل والانتقال الإنشائی والبناء ‏‎ ‎‏علی تبادل المالین، والإنشائی من مضمون العقد موجود فی الإیقاع أیضاً فعلی ‏‎ ‎‏هذا، فالفضولی فی الإیقاعات أیضاً کان علی وفق القواعد ولابدّ لإخراجها من ‏‎ ‎‏دلیل، وقد ادّعی الإجماع والاتّفاق علی عدم ورود الفضولیة فیها، واستشکل ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 439
‏بعدم تحقّق المحصّل من الإجماع وعدم حجّیة المنقول منه، وعدم انعقاده مسلّماً ‏‎ ‎‏إلا فی الطلاق والعتق والمستند فیهما معلوم، وهو ما ورد من أنّ: ‏‏«‏الطلاق بید ‎ ‎من أخذ بالساق‏»‏‎[2]‎‏ ومن أنّه: ‏‏«‏لا عتق إلا فی ملک‏»‏‎[3]‎‏ وإذا ورد فیها بما ورد فی ‏‎ ‎‏نظائره، فلا دلیل علی بطلانهما لو وقعا فضولةً. ‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۲): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 440

  • ـ المائدة (5): 1.
  • ـ درر اللآلی 2: 2؛ مستدرک الوسائل 15: 306، کتاب الطلاق، أبواب مقدّماته وشرائطه، الباب 25، الحدیث 3.
  • ـ راجع: وسائل الشیعة 23: 15، کتاب العتق، الباب 5.