المبحث الأوّل: فی ماهیة البیع

بحث فی المعنی الحقیقی للبیع

بحث فی المعنی الحقیقی للبیع

‏إذا عرفت أنّ «البیع» المصطلح علیه عند الفقهاء هو نفس المبادلة بین‏‎ ‎‏المالین، یقع البحث فی أنّ معناه الحقیقی هذا المعنی المصطلح، أو غیره.‏

قال السیّد ‏رحمه الله‏‏ ـ عند قول الشیخ إنّ البیع هو التملیک المجرّد عن القبول‏‎ ‎‏اصطلاحاً‏‎[1]‎‏ ـ إنّ المعنی الاصطلاحی للبیع هو التملیک المتعقّب بالقبول، وبعبارة‏‎ ‎‏اُخری: البیع هو نفس التملیک، لکن مشروطاً بالقبول، فحقیقة البیع فعل البائع،‏‎ ‎‏ولکن مقیّداً بتعقّبه بفعل المشتری.‏

‏والدلیل علی ذلک، التبادر وصحّة السلب؛ فإنّ المتبادر من قول القائل: «بعتُ‏‎ ‎‏داری» إخباراً، أو «باع فلان داره» هو التملیک مع قبول المشتری،لا مجرّد‏‎ ‎‏التملیک الإنشائی، ولذا لو لم یقبل المشتری بعد یعدّ کاذباً، وهذا علامة الحقیقة.‏

‏إن قلت: فعلی هذا یلزم أن یکون المراد من «بعتُ» إذا کان إخباراً، غیره إذا‏‎ ‎‏کان انشاءً؛ لأنّ المراد منه علی الأوّل التملیک المتعقّب بالقبول، وعلی الثانی‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 85
‏مجرّد التملیک؛ لأنّ إنشاء التملیک المتعقّب بالقبول لا یعقل؛ لأنّ القبول فعل‏‎ ‎‏المشتری، فکیف ینشئ ما لیس فعله؟! ولو کان معناه إنشاء التملیک إن حصل‏‎ ‎‏شرطه ـ وهو القبول ـ فیلزم التعلیق فی الإنشاء.‏

‏وبالجملة: إن کان المراد من قول القائل: «بعت هذا بهذا» أوجدت التملیک‏‎ ‎‏المتعقّب بالقبول، فهو فاسد؛ لأنّ أمر القبول لیس بیده، فلیس له إنشاؤه، وإن کان‏‎ ‎‏المراد أوجدت التملیک البیعی إن حصل شرطه ـ وهو القبول ـ یلزم التعلیق، وإن‏‎ ‎‏کان المراد إیجاد نفس التملیک، فیستعمل لفظ «البیع» فی التملیک المجرّد، تلزم‏‎ ‎‏المخالفة بین معناه الإنشائی والإخباری، فیکون معناه فی «بعت» إخباراً‏‎ ‎‏التملیک المتعقّب بالقبول، وإنشاءً المجرّد منه.‏

‏قلت: نقول أوّلاً: لا مانع من المخالفة؛ فلنا الالتزام به، ولا محذور، فکما أ نّه‏‎ ‎‏استعمل فی الإنشاء مجازاً، فلا مانع من تجریده من قید التعقّب أیضاً.‏

‏وثانیاً: نقول: لا نسلّم عدم إمکان إرادة التعقّب من «بعتُ» فی مقام الإنشاء؛‏‎ ‎‏فإنّه إذا کان واثقاً بصدور القبول من المشتری، فله أن یقول: «أوجدت التملیک‏‎ ‎‏المتعقّب بالقبول فعلاً» ولا یلزم أن یکون التعقّب من فعله، بل یکفیه کون أمر‏‎ ‎‏المتعقَّب ـ بالفتح ـ بیده، ألا تری أ نّه یصحّ نذر البیع مع أنّ القبول لیس من فعله!!‏‎ ‎‏ولا إشکال فی أنّ المنذور هو البیع المثمر‏‎[2]‎‏.‏

أقول:‏ فیه نظر من جهتین:‏

‏الاُولی: أنّ المعنی المصطلح للبیع ـ علی ما حقّقناه مفصّلاً ـ لیس فعل البائع‏‎ ‎‏فی ضمن فعل المشتری؛ أعنی التملیک المتعقّب بالقبول، بحیث یکون التملیک‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 86
‏مع تقیّده بالقبول داخلاً، ونفس القبول خارجاً؛ إذ المراد من المعنی الاصطلاحی‏‎ ‎‏ما هو عند الفقهاء اصطلاح خاصّ جعل عنواناً فی مقابل سائر العناوین،‏‎ ‎‏کالصلح، والإجارة، فیقال: «کتاب البیع» و«کتاب الصلح» و«کتاب الإجارة»‏‎ ‎‏وغیرها، ومعلوم أنّ البیع فی قولهم: «کتاب البیع» لیس بمعناه المصدری الذی‏‎ ‎‏یقال له بالفارسیة: (فروختن) بل هو ماهیة ذات إضافة إلی البائع، والمشتری،‏‎ ‎‏والثمن، والمثمن؛ من غیر فرق بین فعل البائع والمشتری فیه، وقد قلنا أیضاً: إنّ‏‎ ‎‏المعنی الجامع لتلک الإضافات؛ هو مبادلة المالین، فالمعنی المصطلح عندنا‏‎ ‎‏وعند الفقهاء حقیقة قائمة بالمتبایعین، دون البائع فقط.‏

‏الثانیة: أنّ الإشکال المذکور لا مفرّ منه؛ إذ المراد من «بعت» إنشاءً، إن کان‏‎ ‎‏التملیک المتعقّب بالقبول فعلاً ـ أعنی إنشاء التملیک المتعقّب بالقبول الفعلی؛‏‎ ‎‏بحیث تکون الفعلیة وصفاً للقبول ـ فهو مناف للتعقّب بالقبول؛ إذ معنی التعقّب‏‎ ‎‏عدم الوجود الفعلی، فلا یعقل إنشاء المتعقّب بالقبول الفعلی، وإن کان المراد‏‎ ‎‏إنشاء التملیک المتعقّب بالقبول لا القبول الفعلی، فیلزم المحذور المتقدّم.‏

‏وبالجملة: قید الفعلیة للقبول لدفع المحذور ـ کما ارتکبه المحقّق المذکور ـ‏‎ ‎‏ینافی صریح التعقّب وعندئذٍ لا یدفع المحذور. هذا بیان مراد السیّد وما فیه.‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 87

  • ـ المکاسب، ضمن تراث الشیخ الأعظم 16: 15 .
  • ـ حاشیة المکاسب، المحقّق الیزدی 1: 307 ـ 310.