المبحث الأوّل: فی ماهیة البیع

حول کلام المحقّق النائینی فی التمسّک بالإطلاقات

حول کلام المحقّق النائینی فی التمسّک بالإطلاقات

قال النائینی ‏رحمه الله‏‏ ما حاصله: أ نّه بناءً علی ورود الإمضاء علی المسبّبات ـ کما‏‎ ‎‏هو الظاهر من قوله تعالی: ‏‏«‏وَ أحَلَّ اللّه ُ الْبَیْعَ‏»‏‎[1]‎‏ ـ فالتمسّک به مشکل؛ لأنّه لا‏‎ ‎‏ملازمة بین إمضاء المسبّب وإمضاء السبب، فلو شکّ فی صحّة العقد الفارسی،‏‎ ‎‏فکیف یمکن القول بصحّته من جهة إطلاق قوله: ‏‏«‏أحَلَّ اللّه ُ الْبَیْعَ‏»‏‏ والقدر‏‎ ‎‏المسلّم منها هو دلالة إمضاء المسبّب علی إمضاء السبب فی الجملة، لا بقول‏‎ ‎‏مطلق، وهذا لا کلام فیه، وإنّما البحث فی إمضاء السبب الخاصّ الذی یشکّ فی‏‎ ‎‏دخل شیء فیه، وهذا لا یثبت بدلیل إمضاء المسبّب.‏

‏وحاصل الکلام: أنّ التمسّک بالإطلاق یصحّ فی مقامین:‏

‏الأوّل: ما إذا کان مصداق داخلاً تحت الطبیعی یقیناً، وشکّ فی اعتبار قید‏‎ ‎‏زائد فیه، کالشکّ فی اعتبار الإیمان فی الرقبة مع العلم بانطباق المفهوم علی‏‎ ‎‏الکافر، وأمّا إذا لم یکن شیء تحت هذا العنوان فعدّ العرف ـ من باب المسامحة‏‎ ‎‏ـ شیئاً من أفراد هذه الطبیعة، لا یفید فی صحّة التمسّک بالإطلاق، فإذا کان‏‎ ‎‏موضوع الحکم ثمانیة فراسخ، فمسامحة العرف وعدّ ثمانیة إلاّ ربع الفرسخ‏‎ ‎‏ثمانیة فراسخ، لا أثر لها.‏

‏والثانی: ما إذا کان ثبوت الحکم لعنوان، ملازماً لثبوته لأمر آخر، کما إذا قلنا:‏‎ ‎‏بأنّ قوله عزّ من قائل: ‏‏«‏فَکُلُوا ممَّا أَمْسَکْنَ عَلَیْکُمْ‏»‏‎[2]‎‏ فی مقام بیان حلّ أکل ما‏‎ ‎‏اصطاده الکلب المعلَّم فعلاً، فلازمه طهارة موضع عضّه. ولا یبعد أن یکون نظر‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 100
‏المصنّف ‏‏قدس سره‏‏ ومن تبعه ـ فی التمسّک بمطلقات أبواب المسبّبات لصحّة ما شکّ فی‏‎ ‎‏کونه سبباً ـ راجعاً إلی الوجه الثانی، بل هو المتعیّن‏‎[3]‎‏.‏

‏وعلی أیّ حال: لو کان مبنی التمسّک بالإطلاق هو الوجه الأوّل، فهو ممّا لا‏‎ ‎‏کبری له؛ لأنّ تطبیق العرف لا أثر له إلاّ إذا رجع إلی المفهوم. ولو کان هو الثانی‏‎ ‎‏فالصغری ممنوعة؛ لأنّه لا ملازمة بینهما مع التباین بینهما خارجاً.‏

‏نعم، إمضاء السبب إمضاء للمسبّب، ولکنّ العکس لا یبتنی علی أساس إلاّ إذا‏‎ ‎‏عُدّا واحداً خارجاً.‏

‏فالصواب فی الجواب: هو أنّ المنشآت بالعقود، لیست من باب المسبّبات،‏‎ ‎‏بل هی أفعال من الموجب والقابل؛ وذلک لأنّ «السبب» یطلق علی موردین:‏

الأوّل: ‏الشیء الذی یکون من المقدّمات الإعدادیة لشیء آخر، کما یقال:‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 101
‏«إلقاء البذر سبب لصیرورته سنبلاً» أی أ نّه من العلل المعدّة للسنبل. وضابطه هو‏‎ ‎‏کون ترتّب المعدّ له علی المُعِدّ متوقّفاً علی تحقّق اُمور خارجة عن اختیار فاعل‏‎ ‎‏العلّة المعدّة، کتوقّف السنبل علی اُمور کثیرة ـ بعد إلقاء البذر ـ خارجة عن قدرة‏‎ ‎‏الفاعل.‏

‏وبالجملة: لا یکون بین هذا الفعل والأثر المترتّب علیه، فعل فاعل مختار؛‏‎ ‎‏وإن کان بین الفعل وهذا الأثر وسائط کثیرة، کالوقوع فی البئر المترتّب علی‏‎ ‎‏حفر الحافر فی الطریق العامّ؛ فإنّ وقوع الأعمی فیه مستند إلی الحافر؛ وإن لم‏‎ ‎‏یوجد إلاّ فعلاً إعدادیاً.‏

الثانی: ‏الجزء الأخیر للعلّة الذی لا یکون بینه وبینها اُمور غیر اختیاریة، مثل‏‎ ‎‏الإحراق والإلقاء، فإنّها علّة للإحراق، ویکون الإلقاء فعلاً مباشریاً، والإحراق‏‎ ‎‏فعلاً تولیدیاً وکلاهما مستندان إلی الفاعل، لکنّ الإلقاء یستند إلیه لکونه صادراً‏‎ ‎‏عنه بالمباشرة؛ وأ نّه متعلّق إرادته أوّلاً وبالذات، والإحراق یستند إلیه لکونه‏‎ ‎‏مترتّباً علی فعله المباشری؛ ومقدوراً له بالواسطة ومتعلّق إرادته ثانیاً وبالعرض.‏

‏فالمسبّب فی کلا الموردین فعل تولیدی؛ ومستند إلی الفاعل بالواسطة وثانیاً‏‎ ‎‏وبالعرض، وأمّا السبب فهو فعل مباشری للفاعل، ومستند إلیه أوّلاً وبالذات.‏

‏ولا یخفی: أنّ المنشأ بالعقد لا یکون من کلا القسمین، بل هو من قبیل الإیلام‏‎ ‎‏الحاصل بالضرب؛ وعنوان ثانوی لفعل الفاعل، والفاعل ابتداءً یوجد هذا‏‎ ‎‏العنوان، وتتعلّق إرادته به أوّلاً؛ لکونه تحت قدرته بلا واسطة، فإنّ المتکلّم ابتداءً‏‎ ‎‏یوجد المعنی، واللفظ لیس بمنزلة السبب والمعنی بمنزلة المسبّب، بل حال‏‎ ‎‏المنشأ بالعقد حال الکتابة التی هی ابتداءً فعل الکاتب، وحال النجارة التی هی‏‎ ‎‏فعل النجّار، وکما أنّ خلق الصور الذهنیة فعل من النفس، کذلک کتابتها وتکلّمها‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 102
‏وتجارتها ونجارتها، أفعال منها. غایة الفرق أنّ خلق الصور لا یحتاج إلی آلة،‏‎ ‎‏والتکلّم یحتاج إلی تحریک اللسان، والکتابة إلی القلم، فإذا کان تلفّظه بهذه‏‎ ‎‏الألفاظ فعلاً له، فالأثر الحاصل منها فعل له أیضاً بلا واسطة؛ لأنّ فی جمیع‏‎ ‎‏المصادر، اسم المصدر الحاصل منه لا یباینه إلاّ اعتباراً، فهو، هو وجوداً وإن‏‎ ‎‏اختلفا اعتباراً.‏

‏وبعبارة اُخری: لا تفاوت بین الإیجاد والوجود، فلو قلنا بتعلّق الإمضاء‏‎ ‎‏بنفس الإیجاد ـ کما هو المتعیّن فی نحو: ‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[4]‎‏ فإنّ الإمضاء تعلّق‏‎ ‎‏بالعقد الذی هو آلة إیجاد عنوان المعاملة، وهو الظاهر من ‏‏«‏أحَلَّ اللّه ُ الْبَیْعَ‏»‏‏ لو‏‎ ‎‏کان المراد من الحلّیة الحلّیة التکلیفیة الراجعة إلی الأفعال ـ فلا إشکال فیه؛ فإنّه‏‎ ‎‏لو تعلّق الإمضاء بنفس هذه الإیجادیات الواقعة من أهل العرف، لاقتضی صحّة‏‎ ‎‏جمیع ما یوجده العرف.‏

‏ولو تعلّق الإمضاء بالأثر الحاصل من الأفعال ـ کما یمکن أن یکون هو‏‎ ‎‏المراد من: ‏‏«‏أحَلَّ اللّه ُ الْبَیْعَ‏»‏‏ بناءً علی ظهوره فی الحلّیة الوضعیة ـ فکذلک أیضاً‏‎ ‎‏لاتّحاد الأثر مع التأثیر، فإمضاء الأثر إمضاء للمصدر الحاصل منه هذا الأثر لعدم‏‎ ‎‏الفرق بینهما خارجاً‏‎[5]‎‏.‏

أقول:‏ یقع الإشکال فی کلامه من جهات:‏

الجهة الاُولی:‏ ما ذکر علی فرض السببیة فی الإنشاء: من أنّ إمضاء السبب‏‎ ‎‏إمضاء المسبّب، وأمّا إمضاء المسبّب فلا یلازم إمضاء السبب.‏

فنقول:‏ التحقیق عکس ذلک؛ إذ لو کانت الأدلّة ـ مثل ‏‏«‏أحَلَّ اللّه ُ الْبَیْعَ‏»‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 103
‏و‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‏ وأمثال ذلک ـ لتنفیذ الأسباب، وقلنا: بأنّ للشارع فیها‏‎ ‎‏اصطلاحاً خاصّاً وحقیقة شرعیة غیر ما هو سبب عند العرف، فلا ینفع تنفیذ‏‎ ‎‏الأسباب فی تنفیذ المسبّبات؛ أی لا یمکن التمسّک بإطلاقها؛ لأنّ السبب المؤثّر‏‎ ‎‏عنده غیر ما هو المؤثّر عند العرف، فما یراه العرف مبادلة من سبب کذا، قد لا‏‎ ‎‏یراه الشارع کذلک فإذا شُکّ فی المبادلة الحاصلة عند العرف ـ من سبب مؤثّر‏‎ ‎‏عندهم ـ لأجل الشکّ فی حصوله شرعاً، لا یمکن التمسّک بإطلاق تنفیذ السبب؛‏‎ ‎‏إذ منشأ الشکّ مصداقیة هذا السبب لما هو سبب عند الشارع؛ وانطباق تلک‏‎ ‎‏الماهیة علیه، فتکون الشبهة مصداقیة، فلا یجوز التمسّک فیها بالإطلاق.‏

‏وأمّا بناءً علی القول: بأ نّها لتنفیذ المسبّبات ـ أعنی وضع الألفاظ للمسبّبات ـ‏‎ ‎‏فلیس للشارع حقیقة شرعیة فی الألفاظ واصطلاح خاصّ، ولا اختلاف بینهما‏‎ ‎‏فی المعانی، فکما تکون ماهیة البیع عند العرف مثلاً نفس المبادلة بین المالین،‏‎ ‎‏فکذلک عند الشرع، وإنّما الاختلاف فی الأسباب المحقّقة لتلک الماهیة‏‎ ‎‏ومصادیقها الخارجیة، وعلیه فإذا أنفذ الشارع ماهیة المبادلة بقوله: ‏‏«‏أحَلَّ اللّه ُ‎ ‎الْبَیْعَ‏»‏‏ أو المعاهدات المتداولة بقوله: ‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‏ والفرض توافقهما فیها‏‎ ‎‏مفهوماً، واستفید منهما الإطلاق، فلا محالة یکون تنفیذها مستلزماً لتنفیذ سببها،‏‎ ‎‏فإذا کان العقد بالفارسیة مثلاً عند العرف، سبباً مؤثّراً لتحقّقها، فلابدّ من تنفیذ‏‎ ‎‏الشارع لها؛ إذ لا یمکن الالتزام بتنفیذ الشارع للمبادلات العرفیة، وعدم تنفیذه‏‎ ‎‏أسبابها العرفیة.‏

‏والحاصل: أنّ هنا ثلاثة أشیاء: مفهوم اللفظ، مثل «المبادلة» وأمثالها،‏‎ ‎‏ومصادیقها الخارجیة، والأسباب المؤثّرة فی تحقّق تلک المصادیق، ولیس‏‎ ‎‏اختلاف الشارع والعرف فی المفهوم والماهیة، وإنّما هو فی الأسباب؛ إذ منها ما‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 104
‏یکون مؤثّراً عند العرف، ولیس بمؤثّر عند الشارع، وکذا فی المصادیق، فربّما‏‎ ‎‏یکون مصداق المبادلة عند العرف، لیس بمصداق لها عند الشرع، ومرجع هذا‏‎ ‎‏الاختلاف إلی الاختلاف الأوّل.‏

‏وعلی هذا، فإن کان تنفیذ الشارع متعلّقاً بالأسباب، فلا یلزم من تنفیذها‏‎ ‎‏تنفیذ المسبّبات لاختلافها فی الأسباب، فتنفیذها ینحصر فیما یراه سبباً مؤثّراً‏‎ ‎‏واقعاً، لا کلّ سبب، فلا یمکن التمسّک بإطلاق الأدلّة لتنفیذ المسبّب؛ إذ لعلّ سببه‏‎ ‎‏من الأسباب غیر المؤثّرة عند الشارع، فحینئذٍ تکون الشبهة مصداقیة.‏

‏وأمّا لو کان متعلّق التنفیذ الماهیة المسبّبة عن الأسباب، کالمبادلة مثلاً، وقد‏‎ ‎‏فرض اتّحاد العرف والشارع فیها من حیث المفهوم، فلا محیص من تنفیذ‏‎ ‎‏أسبابها؛ لأنّ معنی تنفیذ المسبّب إمضاء المبادلات وأنواع النقل والانتقالات عند‏‎ ‎‏العرف، ولا ینفکّ إمضاؤها عن إمضاء أسبابها.‏

وأمّا‏ قوله ‏‏رحمه الله‏‏: «لو لا حکم العقل بأنّ فی مورد الشکّ فی المحصّل یجب‏‎ ‎‏الاحتیاط، لکان مقتضی جعل المسبّب وعدم التنبیه علی سبب خاصّ، هو أنّ‏‎ ‎‏کلّ ما یعدّه العرف سبباً، کان سبباً عند الشارع، وأمّا بعد معلومیة أسباب متیقّنة‏‎ ‎‏عند العرف والخارج، ففی مورد الشکّ یجب الاحتیاط. والتمسّک بالإطلاق یتمّ‏‎ ‎‏لو کان الشکّ فی أمر زائد علی المسمّی»‏‎[6]‎‏ انتهی.‏

ففیه:‏ أنّ مجری حکم العقل بالاحتیاط فی موارد الشکّ، هو ما إذا لم یکن‏‎ ‎‏دلیل فی البین رافع للشکّ، وأمّا إذا کان هناک دلیل فلا موقع للاحتیاط، وإذا‏‎ ‎‏فرض أنّ الإطلاق یشمله فلا مانع من التمسّک به، ولیس هنا مورد الاحتیاط.‏


کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 105
الجهة الثانیة:‏ قوله ‏‏رحمه الله‏‏ فی أثناء کلامه: «إنّ نظر العرف یتّبع فی تشخیص‏‎ ‎‏المفاهیم، لا فی تطبیق المفاهیم علی المصادیق».‏

أقول:‏ الاختلاف فی المصداق قد ینشأ من إمعان النظر وبذل الدقّة، کما قد‏‎ ‎‏ینشأ من تجویز المسامحة:‏

‏فالأوّل: کما إذا اختلف فی أنّ هذا اللون الباقی علی المحلّ بعد إزالة الدم‏‎ ‎‏بالغسل، دم، أو محض لون، فقال العرف: «هو محض لون» وقام البرهان علی‏‎ ‎‏امتناع خلوّه عن أجزاء الدم الصغار؛ لاستحالة انتقال العرض بلا انتقال‏‎ ‎‏للمعروض.‏

‏والثانی: کمئة منّ من التبن إلاّ نصف منّ، فإنّه ـ بالتسامح ـ مئة منّ، وبدونه‏‎ ‎‏ینقص بنصف منّ، وهکذا هو عند العرف.‏

‏والأوّل لا مانع فیه من الرجوع إلی العرف وعدم الاعتناء بمثل هذه الدقّة.‏‎ ‎‏وأمّا فی الثانی فلا یعوّل علی العرف مع اعترافه بالتسامح.‏

‏نعم، یرجع إلیه فی الثانی أیضاً إذا تسامح الشرع مثلهم؛ ولم یعتن بهذا الیسیر‏‎ ‎‏من الاختلاف، مثلاً إذا قال: «متی بلغت الحنطة کذا وکذا منّاً فقد بلغت النصاب»‏‎ ‎‏یکون قد تسامح بما خالطه من التراب الیسیر الذی لا تخلو منه حنطة.‏

‏والحاصل: أنّ المصداق علی ثلاثة أقسام: مصداق عقلی، کما فی المثال‏‎ ‎‏الأوّل، ومصداق عقلائی عرفی من دون تسامح فیه عرفاً، کما فی الماء إذا بلغ‏‎ ‎‏کرّاً وغسلت فیه الید، فإنّه لیس بمصداق الکرّ عقلاً وبرهاناً، ومصداق له عرفاً‏‎ ‎‏من دون تسامح، ومصداق تسامحی عرفی، کما فی المثال الثانی.‏

‏ولا إشکال فی عدم اتباع العقل فی تشخیص المصداق، فلا یعوّل علی‏‎ ‎‏المصداق العقلی البرهانی. وکذا لا یتّبع العرف فی المصادیق التسامحیة إلاّ مع‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 106
‏إحراز التسامح فی الشرع، وإنّما یرجع إلیها فی المصادیق العقلائیة غیر‏‎ ‎‏المسامحیة، فالعرف تتّبع فی تشخیصها.‏

‏والسرّ فی ذلک: أنّ تخاطب الشارع مع العرف، کتخاطب بعض العرف مع‏‎ ‎‏بعض، ولیس له اصطلاح خاصّ، فکما یرجع العرف فی تخاطبهم إلی أنفسهم فی‏‎ ‎‏تشخیص المصادیق، فکذا یرجع فی الشرع أیضاً إلیهم. والقول بعدم الرجوع‏‎ ‎‏إلیهم مطلقاً، لا یخلو من إشکال.‏

الجهة الثالثة:‏ تحقیقه فی أنّ المعاملات وأسبابها من قبیل الآلات وذیها.‏

قلنا:‏ قد ینظر إلی اللفظ فیقال: التلفّظ مصدر وإیجاد، ونفس اللفظ اسم مصدر‏‎ ‎‏وکالوجود، وقد ینظر إلی المعنی المستفاد منه فیقال: هو نقل بالإسناد إلیه،‏‎ ‎‏وانتقال فی نفسه، فکلّ منها مصدر واسم مصدر، وهذا المحقّق قد خلط بینهما،‏‎ ‎‏فأخذ المصدر من أحدهما، واسم المصدر من الآخر، فقال: إذا أمضی اسم‏‎ ‎‏المصدر ـ یعنی الانتقال ـ فقد أمضی المصدر؛ یعنی التلفّظ باللفظة، وطریقة‏‎ ‎‏البحث أن یقول: یعنی النقل المتحد مع الانتقال، لکنّها مغالطة واختلاط، فاعرفه.‏‎ ‎‏علی أنّ اللفظ مرکّب، والمعنی بسیط، فکیف الاتّحاد؟!‏

‏وبعد ذلک کلّه فلا یکاد یجدی هذا الاحتیال أصلاً؛ لأنّهما أمران متغایران فی‏‎ ‎‏عالم المفهوم، فإذا طرأ علی أحدهما حکم بهذا النظر، فلا وجه لسحبه علی‏‎ ‎‏الآخر بمجرّد اتّفاقهما فی الوجود؛ فإنّ المدار فی الحکم هو الأوّل، ولا مدخل‏‎ ‎‏للوجود فیه أبداً.‏

‏إلی الآن کنّا نذکر وجوه الاحتمال.‏

والتحقیق الذی لا ریب فیه:‏ أ نّه لا اصطلاح خاصّ للشارع، ولا تصدّی منه‏‎ ‎‏للوضع، وإنّما أمضی هو ما للعرف وارتضاه، سوی أ نّه زاد قیداً أو نقص، وبذلک‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 107
‏ینفتح باب التمسّک بالإطلاق؛ لصدق المطلق العرفی علی المشکوک ـ من جهة‏‎ ‎‏اعتبار أمر زائد ـ وعدم اختلاف الشرع والعرف فیه.‏

نعم،‏ ربّما یتوهّم: أنّ القول بوضعها للأعمّ، یستتبع المصیر إلی إمضاء الأعمّ،‏‎ ‎‏فیکون الباطل عند الناس فی حیّز الإمضاء بحسب الشرع.‏

ویندفع‏ أوّلاً: بأنّ الأعمّ العرفی لم یثبت عندنا حتّی الآن، فهو فی نفسه‏‎ ‎‏مشکوک.‏

‏وثانیاً: بأ نّا قاطعون بأنّ الشارع لم یزد علی ما تعارف عند الناس.‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 108

  • ـ البقرة (2): 275.
  • ـ المائدة (5): 4.
  • ـ وتقریر کلامه ـ علی ما نقله المحقّق الآملی عنه فی تقریراته ـ : هو أنّ التمسّک بأحد الوجهین:     أوّلهما: دعوی الملازمة العرفیة بین إمضاء المسبّب وبین سببه، مع فرض الحکم بالتغایر  بین السبب والمسبّب الموجب للحاظ المغایرة بین إمضائهما؛ بحیث یکون لکلّ واحد  جعل مخصوص، لکن شدّة الارتباط بینهما اقتضت ذلک، نظیر طهارة موضع العضّ...     وثانیهما: دعوی انتفاء التغایر بین السبب وبین المسبّب؛ وملاحظة العرف کون مصداق أحدهما عین مصداق  الآخر بالمسامحة العرفیة.     والأوّل من حیث الصغری ممنوع، والثانی من حیث الکبری:     أمّا الأوّل: فلعدم الملازمة بین الإمضائین.     وأمّا الثانی: فالملازمة وإن کانت تامّة، إلاّ أنّ العرف لیس هو المرجع فی الانطباق  المسامحی؛ وإن کان یرجع إلیه فی التطبیق الحقیقی الناشئ عن المسامحة فی المفهوم.  (المکاسب والبیع 1: 116 ـ 117) [المقرّر حفظه اللّه ]
  • ـ المائدة (5): 1.
  • ـ منیة الطالب 1: 99 ـ 101 .
  • ـ منیة الطالب 1: 99.