حول إشکال تخصیص الأکثر
بقی فی المقام إشکال تخصیص الأکثر.
لا یخفی: أنّ تخصیص الأکثر، إنّما یضرّ بالحجیة ویستلزم اللغویة حیث کان مستهجناً؛ بأن کان منافیاً لجعل القانون الکلّی، کإخراج مئة فرد من العامّ وإبقاء فردین تحته، وأمّا ما لا یستهجن فلا مانع منه، کإخراج ستّین منه، فهو مع کونه أکثر لا یضرّ.
وبعبارة اُخری: لیس کلّ تخصیص أکثر مستهجناً، بل ما یکون عندالعرف والعقلاء قبیحاً ومنافیاً لجعل القانون الکلّی، فالتخصیص فی الآیة ولو کان أکثر، لکنّه لیس بمستهجن.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 134
وحینئذٍ نقول: أمّا وجه الإشکال بناءً علی ما قدّمنا من تباین العهد والعقد، فهو التخصیص بالعقود الجائزة والخیارات، لا سیّما خیار المجلس، کقوله علیه السلام: «البیّعان بالخیار ما لم یفترقا» فإنّه یخرج جمیع العقود اللازمة عن الآیة.
وأمّا وجه الدفع، فهو أنّ خروج الخیارات لیس من باب التخصیص، بل من باب التقیید؛ لأنِ مفاد الآیة عموم أفرادی، وعموم أزمانی، فمعنی الآیة الوفاء بکلّ عقد، وإدامة الوفاء فی کلّ زمان، والعموم الأوّل یستفاد من الجمع المحلّی، وأمّا الثانی فلیس من جهة العموم الشمولی، بل من أجل مقدّمات الحکمة والإطلاق؛ علی ما یأتی تفصیله، فالخیارات مقیّدة لهذا الإطلاق، لا مخصّصة لعمومه.
وأمّا العقود الجائزة الشرعیة، فالآیة منصرفة عنها. سلّمنا، لکن أکثریة العقود الجائزة تکون بحسب الأنواع لا الأفراد، والعموم فی الآیة بحسب الأفراد الموجودة للعقد، لا أنواع العقد من البیع والإجارة والصلح وغیره، فوجوب الوفاء قد تعلّق بالعقود الموجودة فی الخارج، لا بالمفاهیم والماهیات، ولا شکّ فی أنّ الموجود فی الخارج من العقود اللازمة أکثر من الجائزة؛ إذ ما یدور علیه المجتمع الإنسانی هو البیع والإجارة والصلح.
والسرّ فی ذلک: أنّ البیع وغیره من العقود کالإجارة والصلح والجعالة بالحمل الأوّلی ـ أی بمفهومه ـ لا یعقل فیها الوفاء؛ إذ المبادلة بمفهومها لا وفاء لها، ولا عدم الوفاء، وإنّما یتعلّق بأفراد مفاهیم هذه العقود بالحمل الشائع الصناعی.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 135
وأمّا بناءً علی مختار اللغویین فی معنی العقد ـ وهو العهد المؤکّد؛ أی اللازم ـ فلا یشمل العقود الجائزة والمستحبّات، بل یختصّ بالواجبات والمحرّمات من العهود والعقود اللازمة العقلائیة، فالخارج منها قلیل، کالربا، والمجهول.
وأمّا علی ما فی بعض الروایات ـ من أنّ معنی العقد مطلق العهد ـ فمناسبة الحکم والموضوع تقتضی انصرافه عن المستحبّات والعقود الجائزة؛ بمعنی خروجها الابتدائی من العهود قصداً.
هذا کلّه بناءً علی أنّ معنی الآیة اللزوم. وأمّا علی القول: بأ نّها للإرشاد إلی الصحّة، فلا یلزم شیء منها.
فنتیجة البحث: أنّ المعاطاة عقد عرفاً، والآیة شاملة له؛ سواء کان مفادها اللزوم تکلیفاً، أو وضعاً، أو کانت إرشاداً إلی الصحّة.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 136