المبحث الثانی: فی أقسام البیع بحسب الأسباب

الدلیل الخامس: آیتا القنطار والإفضاء

الدلیل الخامس: آیتا القنطار والإفضاء

‏وقد استدلّ أیضاً بقوله تعالی: ‏‏«‏وَإنْ أَرَدتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَکَانَ زَوْجٍ وآتَیْتُمْ‎ ‎إحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئَاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإثْمَاً مُبِینَاً * وَکَیْفَ‎ ‎تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَی بَعْضُکُمْ إِلَی بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثَاقَاً غَلِیظَاً‏»‏‎[1]‎‏.‏

طریق‏ الاستدلال بالاُولی: إفادتها تحقّق الزوجیة والمهر، وإلاّ لما کان أخذه‏‎ ‎‏بهتاناً وإثماً مبیناً، وبإلغاء الخصوصیة منه ینسحب الحکم إلی کلّ عقد وقع‏‎ ‎‏وتحقّق بأیّ نحو کان.‏

وبالثانیة‏ یظهر من بیان محتملات الآیة، فنقول: فیها احتمالان:‏

‏أحدهما: کون التعجّب معلولاً لإفضاء بعضهم إلی بعض وأخذهنّ المیثاق؛‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 136
‏بحیث کانت الجهتان مؤثّرتین فی التعجّب من أخذ المهر.‏

‏والآخر: تعدّد العلّة؛ وهی الإفضاء، وأخذ المیثاق؛ بأن کان کلّ واحد منهما‏‎ ‎‏علّة مستقلّة. وعلی کلّ من الاحتمالین روایات‏‎[2]‎‏.‏

‏والمراد من «الإفضاء» إمّا المواقعة، أو مجرّد الخلوة ورفع الستر، کما هو‏‎ ‎‏مدلول الروایات‏‎[3]‎‏، وإمّا مجرّد المراودة ومقدّمات العقد، فتکون توطئة لأخذ‏‎ ‎‏المیثاق.‏

وأمّا‏ وجه الاستدلال، فهو أنّ أخذ المیثاق علّة مستقلّة لعدم جواز استرجاع‏‎ ‎‏المهر، وهذه العلّة جاریة فی جمیع أبواب المعاملات، کالبیع، والإجارة، والصلح،‏‎ ‎‏وغیرها؛ إذ یکون المیثاق فی جمیعها میثاقاً غلیظاً، فیستدلّ بها علی عدم جواز‏‎ ‎‏الاسترجاع فی المعاطاة من الطرف الآخر، ولازم ذلک صحّتها وتحقّقها؛ فإنّها بیع‏‎ ‎‏عرفاً، ومیثاق بالفعل.‏

ولکنّ الإنصاف‏ عدم دلالة الآیتین علی المقصود؛ إن لم نقل بدلالتهما علی‏‎ ‎‏ضدّه:‏

أمّا‏ الاُولی فظاهر؛ إذ إلغاء الخصوصیة ـ لا سیّما من باب النکاح ـ لیس من‏‎ ‎‏المستطاع قبوله، ولیس نظر المستدلّ إلیها، وإنّما نظره إلی الثانیة.‏

وأمّا‏ الثانیة، فلأنّ مناسبة الحکم والموضوع ـ أعنی جعل المهر لأجل‏‎ ‎‏التمتّع بالزوجة، لا لمجرّد العقد ـ وصریح بعض الروایات الصحیحة‏‎[4]‎‏، ‏‎ ‎‏یقتضی أن تکون العلّة للحکم شیئین: الإفضاء، وأخذ المیثاق معاً، فلیس کلّ ‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 137
‏منهما مستقلاً ّفی الحکم، فمفادها عدم جواز استرجاع المهر فیما إذا أفضی ‏‎ ‎‏بعضهم إلی بعض، وأخذ المیثاق معاً، ففی صورة انتفاء أحد الأمرین لا حکم ‏‎ ‎‏له، فالتصرّف بدون المیثاق وکذا المیثاق بدون التصرّف، لا یوجب حکم ‏‎ ‎‏عدم الاسترجاع، فالمنع إنّما یکون فی صورة اجتماع الإفضاء وأخذ المیثاق، ‏‎ ‎‏فالآیة تدلّ علی ضدّ المقصود حتّی فی باب النکاح، فضلاً عن سائر أبواب ‏‎ ‎‏المعاملات.‏

‏مع أنّ أخذ المیثاق خاصّ بباب النکاح؛ إذ لیس فی بیع الخبز مثلاً وأمثاله من‏‎ ‎‏أنواع المعاملات، میثاق غلیظ، ولا یقول العرف: بأ نّه أخذ میثاقاً، وأمّا النکاح‏‎ ‎‏فلأجل أهمّیته وکثرة الدواعی فیه، یؤخذ فیه المیثاق غلیظاً، بل بأشدّ الغلظة،‏‎ ‎‏کیف وقد ورد فی بعض روایات الباب: ‏«المیثاق هی الکلمة التی عقد بها، وأمّا‎ ‎قوله: ‏«‏‏غَلیظاً‏‏»‏‏فهو ماء الرجل یفضیه إلی امرأته»؟!‏‎[5]‎

‏والحاصل: أنّ مدار الاستدلال بالآیة علی استقلال المیثاق فی العلّیة لحکم‏‎ ‎‏عدم جواز الاسترجاع، ومع بطلانه وصیرورته جزء العلّة لا دلالة لها.‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 138

  • ـ النساء (4): 20 ـ 21.
  • ـ البرهان فی تفسیر القرآن 3: 60/1؛ اُنظر مجمع البیان 3: 42.
  • ـ البرهان فی تفسیر القرآن 3: 60/1؛ اُنظر مجمع البیان 3: 42 .
  • ـ وسائل الشیعة 21: 319، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 54.
  • ـ الکافی 5: 560 / 19؛ وسائل الشیعة 20: 262، کتاب النکاح، أبواب عقد النکاح الباب 1، الحدیث 4.