إشکالات علی الاستدلال بالمرسلة وجوابها
قال الشیخ رحمه الله: «بأ نّها لإثبات أنواع السلطنة للمالک علی المال، وأمّا خصوصیات الأنواع فلا دلالة لها علیها، فکیفیة وقوع المعاملة وشروطها خارجة عن دلالتها».
والسیّد رحمه الله ادّعی جواز التمسّک بها وتمامیة دلالتها بنوعین:
أحدهما: «أنّ ظاهرها إثبات السلطنة بأنواعها علی النحو المتداول بین العرف، وإذا کانت المعاطاة متداولة بینهم فی مقام البیع، یشملها الحکم».
والآخر: «أنّ المراد بالنوع لیس النوع المنطقی، بل أعمّ منه ومن الصنف».
ثمّ قال: لو لم تثبت السببیة الشرعیة، لم تثبت فی الآیتین أیضاً.
والأصفهانی رحمه الله قد منع دلالة الروایة علی إثبات السلطنة بأنواعها، وقال: لیست المعاملة نوعاً من السلطنة، بل هی عبارة عن القدرة المنتزعة عن ترخیص الشارع تکلیفاً ووضعاً فی أنواع المعاملات والتصرّفات، فالمعاملات لیست بأنواع للسلطنة، بل متعلّق للسلطنة، وحیث إنّ السلطنة علی البیع حصّة من طبیعی السلطنة، وکانت المعاطاة حصّة من طبیعی البیع، فالسلطنة علی هذه الحصّة من البیع حصّة من طبیعی السلطنة، فإطلاق المرسلة یشملها؛ إذ المراد من المرسلة جعل السلطنة بالترخیص التکلیفی والوضعی، ولا محالة تکون الأسباب ملحوظة إمّا إبتداءً، أو بلحاظ المسبّبات المفروضة حصصاً.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 139
أقول: مفاد المرسلة جعل السلطنة وتشریعها للناس علی أموالهم، وبإطلاقه یسری إلی جمیع أنواع التصرّفات وأنواع المعاملات، ولیست ناظرةً إلی أنواع المعاملات أو أصنافها. والمهمّ تنقیح أنّ حیثیة المالیة، هل اُخذت فی السلطنة علیه؛ بحیث لا یتجاوز عنها، أو لا؟ وهل أنّ تضییقها لا من الحیثیة المالیة، بل من حیثیة اُخری ـ کالحکم بعدم نفوذ العقد الفارسی مثلاً ـ تضییق للسلطنة، فینفی بها، أو لا؛ لعدم تضیّقها من حیثیة المالیة، بل من حیث الإنشاء والأسباب، والسلطنة فی المرسلة لیست مطلقة؟ فالضرب بالعصا علی رأس الرجل، هل هو جائز؛ لتسلّط مالکها علیها، أو لا؛ لأنّ السلطنة لا تتجاوز عن حیثیة المالیة، فلا تتعدّ إلی الغیر؟
الظاهر أنّ حیثیة المالیة اعتبرت فیها، وعلیه فالمنع عن وقوع المعاملة بکذا أو الحکم بعدم وقوع المعاملة الکذائیة، لیس تضییقاً للسلطنة علی المال من حیث المال، بل هو تضییق لقانون الأسباب المعاملیة، فلا ترفعهما المرسلة، فالمعاطاة لا تثبت صحّتها بها؛ لأنّ اعتبار اللفظ فی البیع، لیس تضییقاً للسلطنة علی المال من حیثیة المالیة حتّی یرتفع بعمومها.
وبالجملة: یعتبر فی المعاملات المتداولة عند العرف والعقلاء أمران: سلطنة المالک علی المال، وتوافق المعاملة مع القرار والقانون الثابت عندهم، فمن لا یرونه سلطاناً علی ماله ـ کالمجنون والصبی ـ لا اعتبار بمعاملاته عندهم، وکذا ما لا یوافق القانون العقلائی، کبیع المجهول المطلق مثلاً، وعلی هذا فلیست السلطنة منشأ للقانون العقلائی فی المعاملات، بل هی أمر، وذاک أمر آخر، فما هو معتبر عندهم من أنواع السلطنة، هو السلطنة علی المال، لا علی القرار
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 140
والقانون، فقضیة «الناس مسلّطون علی أموالهم» جعل السلطنة علی المال؛ وأ نّه یجوز له أکله وشربه وأنواع التقلّبات والانتقالات، وأمّا جواز النقل بکذا فلیس من مدلولاته؛ إذ هو ممّا اعتبر فی المعاملة؛ أعنی القانون الذی یکون المالک بالنسبة إلیه تابعاً، فالناس ـ عند العقلاء والعرف ـ بالنسبة إلی مالهم متّبوعون ومسلّطون، وبالنسبة إلی القانون تابعون ومحکومون له، فلا یمکن التصرّف فیه علی نحو التصرّف الأوّل.
فما یری من السیّد: من أنّ المراد من السلطنة المعاملات المتداولة بین العرف قد ظهر ضعفه؛ إذ المعتبر عند العرف فی هذه المعاملات المتداولة أمران: نفس السلطنة، وتطابقها مع القانون، وأحدهما غیر الآخر.
وأمّا مقایسة المرسلة بالآیتین، فلیس فی محلّه؛ لأنّ فی الآیتین جعل نفس البیع والمعاملة مورداً للإمضاء، وفی المرسلة لم یجعل إلاّ ما یعتبر فیها؛ وهو السلطنة، وهی غیرها.
وکذا ظهر أنّ الروایة لیست بصدد ما حقّقه المحقّق الأصفهانی؛ من الترخیص الوضعی والتکلیفی، بل هی بصدد جعل السلطنة وتشریعها علی الأموال، لا غیر.
نعم، یجوز التمسّک بها فی بعض موارد أنواع المعاملات لولا الدلیل، کالبیع الربوی، وبعض أقسام الغرر، إذ تصحیح بیع منٍّ من الحنطة بمنّین منها بواسطة السلطنة علی المال لیس خارجاً عن حیثیة المالیة.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 141