المبحث الثانی: فی أقسام البیع بحسب الأسباب

إشکالات علی الاستدلال بالمرسلة وجوابها

إشکالات علی الاستدلال بالمرسلة وجوابها

قال الشیخ ‏رحمه الله‏‏: «بأ نّها لإثبات أنواع السلطنة للمالک علی المال، وأمّا‏‎ ‎‏خصوصیات الأنواع فلا دلالة لها علیها، فکیفیة وقوع المعاملة وشروطها‏‎ ‎‏خارجة عن دلالتها»‏‎[1]‎‏.‏

والسیّد ‏رحمه الله‏‏ ادّعی جواز التمسّک بها وتمامیة دلالتها بنوعین:‏

‏أحدهما: «أنّ ظاهرها إثبات السلطنة بأنواعها علی النحو المتداول بین‏‎ ‎‏العرف، وإذا کانت المعاطاة متداولة بینهم فی مقام البیع، یشملها الحکم».‏

‏والآخر: «أنّ المراد بالنوع لیس النوع المنطقی، بل أعمّ منه ومن الصنف».‏

‏ثمّ قال: لو لم تثبت السببیة الشرعیة، لم تثبت فی الآیتین أیضاً‏‎[2]‎‏.‏

والأصفهانی ‏رحمه الله‏‏ قد منع دلالة الروایة علی إثبات السلطنة بأنواعها، وقال:‏‎ ‎‏لیست المعاملة نوعاً من السلطنة، بل هی عبارة عن القدرة المنتزعة عن‏‎ ‎‏ترخیص الشارع تکلیفاً ووضعاً فی أنواع المعاملات والتصرّفات، فالمعاملات‏‎ ‎‏لیست بأنواع للسلطنة، بل متعلّق للسلطنة، وحیث إنّ السلطنة علی البیع حصّة‏‎ ‎‏من طبیعی السلطنة، وکانت المعاطاة حصّة من طبیعی البیع، فالسلطنة علی هذه‏‎ ‎‏الحصّة من البیع حصّة من طبیعی السلطنة، فإطلاق المرسلة یشملها؛ إذ المراد‏‎ ‎‏من المرسلة جعل السلطنة بالترخیص التکلیفی والوضعی، ولا محالة تکون‏‎ ‎‏الأسباب ملحوظة إمّا إبتداءً، أو بلحاظ المسبّبات المفروضة حصصاً‏‎[3]‎‏.‏


کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 139
أقول:‏ مفاد المرسلة جعل السلطنة وتشریعها للناس علی أموالهم، وبإطلاقه‏‎ ‎‏یسری إلی جمیع أنواع التصرّفات وأنواع المعاملات، ولیست ناظرةً إلی أنواع‏‎ ‎‏المعاملات أو أصنافها. والمهمّ تنقیح أنّ حیثیة المالیة، هل اُخذت فی السلطنة‏‎ ‎‏علیه؛ بحیث لا یتجاوز عنها، أو لا؟ وهل أنّ تضییقها لا من الحیثیة المالیة، بل‏‎ ‎‏من حیثیة اُخری ـ کالحکم بعدم نفوذ العقد الفارسی مثلاً ـ تضییق للسلطنة،‏‎ ‎‏فینفی بها، أو لا؛ لعدم تضیّقها من حیثیة المالیة، بل من حیث الإنشاء والأسباب،‏‎ ‎‏والسلطنة فی المرسلة لیست مطلقة؟ فالضرب بالعصا علی رأس الرجل، هل هو‏‎ ‎‏جائز؛ لتسلّط مالکها علیها، أو لا؛ لأنّ السلطنة لا تتجاوز عن حیثیة المالیة، فلا‏‎ ‎‏تتعدّ إلی الغیر؟‏

‏الظاهر أنّ حیثیة المالیة اعتبرت فیها، وعلیه فالمنع عن وقوع المعاملة بکذا‏‎ ‎‏أو الحکم بعدم وقوع المعاملة الکذائیة، لیس تضییقاً للسلطنة علی المال من‏‎ ‎‏حیث المال، بل هو تضییق لقانون الأسباب المعاملیة، فلا ترفعهما المرسلة،‏‎ ‎‏فالمعاطاة لا تثبت صحّتها بها؛ لأنّ اعتبار اللفظ فی البیع، لیس تضییقاً للسلطنة‏‎ ‎‏علی المال من حیثیة المالیة حتّی یرتفع بعمومها.‏

‏وبالجملة: یعتبر فی المعاملات المتداولة عند العرف والعقلاء أمران: سلطنة‏‎ ‎‏المالک علی المال، وتوافق المعاملة مع القرار والقانون الثابت عندهم، فمن لا‏‎ ‎‏یرونه سلطاناً علی ماله ـ کالمجنون والصبی ـ لا اعتبار بمعاملاته عندهم، وکذا‏‎ ‎‏ما لا یوافق القانون العقلائی، کبیع المجهول المطلق مثلاً، وعلی هذا فلیست‏‎ ‎‏السلطنة منشأ للقانون العقلائی فی المعاملات، بل هی أمر، وذاک أمر آخر، فما‏‎ ‎‏هو معتبر عندهم من أنواع السلطنة، هو السلطنة علی المال، لا علی القرار‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 140
‏والقانون، فقضیة ‏«الناس مسلّطون علی أموالهم» ‏جعل السلطنة علی المال؛ وأ نّه‏‎ ‎‏یجوز له أکله وشربه وأنواع التقلّبات والانتقالات، وأمّا جواز النقل بکذا فلیس‏‎ ‎‏من مدلولاته؛ إذ هو ممّا اعتبر فی المعاملة؛ أعنی القانون الذی یکون المالک‏‎ ‎‏بالنسبة إلیه تابعاً، فالناس ـ عند العقلاء والعرف ـ بالنسبة إلی مالهم متّبوعون‏‎ ‎‏ومسلّطون، وبالنسبة إلی القانون تابعون ومحکومون له، فلا یمکن التصرّف فیه‏‎ ‎‏علی نحو التصرّف الأوّل.‏

‏فما یری من السیّد: من أنّ المراد من السلطنة المعاملات المتداولة بین‏‎ ‎‏العرف‏‎[4]‎‏ قد ظهر ضعفه؛ إذ المعتبر عند العرف فی هذه المعاملات المتداولة‏‎ ‎‏أمران: نفس السلطنة، وتطابقها مع القانون، وأحدهما غیر الآخر.‏

وأمّا‏ مقایسة المرسلة بالآیتین‏‎[5]‎‏، ‏فلیس فی محلّه؛‏ لأنّ فی الآیتین جعل نفس‏‎ ‎‏البیع والمعاملة مورداً للإمضاء، وفی المرسلة لم یجعل إلاّ ما یعتبر فیها؛ وهو‏‎ ‎‏السلطنة، وهی غیرها.‏

‏وکذا ظهر أنّ الروایة لیست بصدد ما حقّقه المحقّق الأصفهانی؛ من‏‎ ‎‏الترخیص الوضعی والتکلیفی، بل هی بصدد جعل السلطنة وتشریعها علی‏‎ ‎‏الأموال، لا غیر.‏

نعم،‏ یجوز التمسّک بها فی بعض موارد أنواع المعاملات لولا الدلیل، کالبیع‏‎ ‎‏الربوی، وبعض أقسام الغرر، إذ تصحیح بیع منٍّ من الحنطة بمنّین منها بواسطة‏‎ ‎‏السلطنة علی المال لیس خارجاً عن حیثیة المالیة.‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 141

  • ـ المکاسب، ضمن تراث الشیخ الأعظم 16: 41.
  • ـ حاشیة المکاسب، المحقّق الیزدی 1: 341.
  • ـ حاشیة المکاسب، المحقّق الأصفهانی 1: 108 ـ 109.
  • ـ حاشیة المکاسب، المحقّق الیزدی 1: 341.
  • ـ البقرة (2): 275؛ النساء (4): 29 .