المبحث الثانی: فی أقسام البیع بحسب الأسباب

تقریب الاستدلال بالمستثنی

تقریب الاستدلال بالمستثنی

‏وأمّا وجه التمسّک بجملة المستثنی فنقول: فیه أیضاً الاحتمالان السابقان؛ إذ‏‎ ‎‏یمکن أن یکون المراد من قوله تعالی: ‏‏«‏إلاَّ أنْ تَکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ‏»‏‎[1]‎‏ بیان‏‎ ‎‏نفوذ التجارة عن تراضٍ بعد بیان عدم نفوذ الأسباب الباطلة.‏

‏ویمکن أن یکون لبیان حلّیة أکل المال الحاصل من التجارة عن تراضٍ، فتدلّ‏‎ ‎‏جواز التصرّف فی المال الحاصل من التجارة، ولازمه نفوذ التجارة وإمضاؤها.‏


کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 193
‏وعلی تقدیر الاحتمال الأوّل، لا دلالة للآیة علی لزوم المعاطاة ولغویة فسخ‏‎ ‎‏المالک؛ لعدم إطلاق لها بالنسبة إلیه، إذ تنفیذ التجارة عن تراضٍ لا ینافی الفسخ‏‎ ‎‏ولا یرتبط به.‏

‏وأمّا علی الثانی، فدلالتها واضحة لا ریب فیها؛ إذ المعنی جواز تصرّف‏‎ ‎‏المالک فیما حصل له بالتجارة، وهذا الحکم ثابت للمالک بعد رجوع المالک‏‎ ‎‏الأوّل، فله أن یتصرّف فی ماله؛ لأنّه مال حاصل بالتجارة عن تراضٍ، فیصدق‏‎ ‎‏موضوع الآیة، ویجیء الحکم بعد صدق الموضوع؛ أعنی جواز التصرّف فیه،‏‎ ‎‏ولازمه لغویة فسخه وعدم تأثیره.‏

إن قلت:‏ الموضوع فی الآیة مال المالک الحاصل بالتجارة، وبقاء هذا‏‎ ‎‏الموضوع بعد الفسخ غیر مسلّم؛ لاحتمال خروجه عن ملکه بالفسخ، فلا یصدق‏‎ ‎‏الموضوع بعد الفسخ.‏

قلت:‏ لیس قید ملکیة المالک قیداً للموضوع؛ إذ الموضوع فی الآیة نفس‏‎ ‎‏الأموال من دون خصوصیة المالک فیها، والمراد: أنّ هذه الأموال التی بینکم لا‏‎ ‎‏تتصرّفوا فیما حصل لکم منها بأسباب باطلة، وتصرّفوا فیما حصل لکم بتجارة‏‎ ‎‏عن تراضٍ، فیکون المستثنی منه کنایة عن عدم حصول الملکیة بما حصل من‏‎ ‎‏الباطل، والمستثنی کنایة عن حصولها بما حصل من التجارة، فقید الملکیة‏‎ ‎‏للمالک یفهم بعد الحکم، وإن کانت قیداً للموضوع لا معنی لها؛ إذ لا معنی للنهی‏‎ ‎‏عن الأکل فیما یملکه من المال؛ لأنّه بعد کونه مالکاً لا إشکال فی تصرّفه فیه.‏‎ ‎‏فصحّة الحکم موقوفة علی أن یکون الموضوع نفس الأموال المتداولة بینهم. فما‏‎ ‎‏حصل منها بسبب باطل لا یحلّ التصرّف فیه؛ لعدم حصول الملکیة، وما حصل‏‎ ‎‏بسبب التجارة یحلّ التصرّف فیه؛ لحصولها، فقید الملکیة یکون بعد الحصول من‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 194
‏التجارة لا قبلها، وبناءً علیه فالموضوع المال الحاصل من التجارة، فیحلّ‏‎ ‎‏التصرّف فیه کیف شاء حتّی بعد رجوع المالک؛ إذ یصدق بعد رجوعه موضوع‏‎ ‎‏الحکم، لأنّه بعد الرجوع مال حصل من التجارة، ولیس قید کونه مالاً للمالک‏‎ ‎‏قیداً للموضوع.‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 195

  • ـ النساء )4(: 29.