تقریب الاستدلال بناءً علی أنّ مقتضی الوفاء بالعقد إبقاؤه
وأمّا إن قلنا: بأنّ المراد بالوفاء الوفاء بنفس العقد من حیث الإبقاء وعدم الحلّ، فتقریب الاستدلال أنّ وجوب الوفاء بالعقد إرشاد إلی لزومه؛ وأ نّه یجب لعدم قابلیته للانحلال؛ وذلک لأنّ وجوب الوفاء لو کان حکماً تکلیفیاً نفسیاً،
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 216
فلازمه عقلاً جواز العقد، وقابلیته للحلّ والفسخ؛ إذ التکلیف بالإبقاء وعدم الحلّ یتعلّق بما یمکن ذلک فیه، لاعتبار القدرة فی متعلّقه، وأمّا إن لم یمکن ذلک فیه فلا معنی للتکلیف بإبقائه، وإذا کان لازمه عقلاً جواز العقد، فهو بالنسبة إلی العقود الجائزة عند العرف والعقلاء یتمّ ولا غبار علیه، وأمّا بالنسبة إلی العقود اللازمة عندهم، فیستلزم القول بأنّ الشارع قد صیّرها جائزةً أوّلاً، ثمّ أوجب الوفاء بها، وهذا الالتزام بعید غایة البعد. بل یمکن الالتزام بقبحه؛ بحیث لو کان الأمر دائراً بین أن یکون وجوب الوفاء بالعقد حکماً تکلیفیاً تعبّدیاً وبین أن یکون حکماً إرشادیاً إلی لزوم العقد، فالترجیح مع الثانی؛ لهذا التمحّل.
نعم، إن کانت هنا حجّة ناهضة علی ذلک، فلابدّ من المصیر إلیه وتوجیهه بما ذکر، وإلاّ فلا ملزم للقول بتکلیفیة الحکم ومولویته حتّی یلزم المحذور، فالقول بأ نّها إرشاد إلی لزوم العقد وضعاً أولی.
إن قلت: لعلّه إرشاد إلی الجواز؛ وأ نّها بصدد بیان جواز العقد بإیجاب الوفاء به؛ لاستلزامه له.
قلت: لا یخفی أنّ استفادة الجواز منه، موقوفة علی مولویة الحکم وکونه حکماً نفسیاً تعبّدیاً؛ إذ هو یلزمه جواز العقد وقابلیته للإبقاء وعدمه حتّی یجب إبقاؤه بإیجاب الوفاء به، وکونه أمراً إرشادیاً وإن کان استعماله أیضاً فی البعث والتحریک، إلاّ أنّ المفهم من إرشادیة أمر أ نّه لیس بمنظور فیه، ولیس الغرض متعلّقاً به، فمثل «لا تجوز الصلاة فی وبر ما لا یؤکل» نهی إرشادی إلی عدم وقوع الصلاة، ولیس فی نفس الوبر وتلبّسه به مبغوضیة نفسیة، وکذا مثل قوله:
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 217
«اغسل ثوبک بالماء للصلاة» مثلاً یفهم منه أنّ غسل الثوب بنفسه لیس فیه محبوبیة ملزمة، بل الغرض الإرشاد إلی اشتراط الطهارة فی الصلاة، وعلی هذا فمقتضی إرشادیة الأمر کونه ممّا لا ینظر فیه، ومقتضی استفادة الجواز ومولویة الحکم کونه ممّا ینظر فیه ونفسیته، إذ هو ملازم للجواز، والجمع بینهما ـ بأن کان الوفاء بالعقد واجباً نفسیاً تکلیفیاً؛ حتّی یلزمه جواز العقد، وکونه إرشاداً إلی الجواز؛ حتّی یکون الغرض والمنظور إفادة الجواز وجعله فی العقد ـ لازمه کون الوفاء منظوراً فیه ولیس بمنظور فیه، فیلزم نفسیة الوفاء وعدمه، وهو أسوأ من استعمال اللفظ فی أکثر من معنی؛ إذ یلزم کون شیء ممّا لا ینظر وممّا ینظر من جهة واحدة.
لا یقال: إنّا نستفید الجواز بالملازمة بینه وبین تکلیفیة الحکم.
لأنّا نقول: استفادة الجواز بالملازمة القهریة العقلیة مطلب، وکونه إرشاداً إلیه وأ نّها سیقت لبیان الجواز فی العقد مطلب آخر، وما نحن فیه من قبیل الثانی، فیلزمه عدم تعلّق الغرض بنفس إیجاب الوفاء، وهو منافٍ لمولویته، والمفروض أ نّها ترشد إلی الجواز إذا کان مولویاً نفسیاً. هذا أوّلاً بحسب مقام الثبوت.
وثانیاً: بحسب مقام الإثبات: أ نّه لو فرض إمکانه ثبوتاً، فلابدّ من قرینة ودلیل علیه فی مقام الإثبات، کما نقول بجواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی إذا قامت علیه قرینة، وأ نّی لنا بإثباته؟!
وثالثاً: الإشکال المتقدّم ـ أی استقباح جعل العقود عند العرف جائزةً، ثمّ إلزام العمل بها ـ جارٍ هنا؛ إذ لا فرق فی ذلک بین جعلها مقدّمةً علی الإیجاب جائزةً، ثمّ إیجاب العمل بها، وبین جعلها جائزةً بنفس إیجاب الوفاء، کما فی هذا الفرض.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 218
ورابعاً: أنّ هذا من قبیل الاُحْجیة واللغز؛ إذ ما یناسب وجوب الوفاء هو لزوم العقد لا جوازه، فاستفادة الجواز وکونه فی مقام بیانه بإیجاب الوفاء به، بعید عن متفاهم العقلاء والعرف.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 219