المبحث الثانی: فی أقسام البیع بحسب الأسباب

تقریب الاستدلال بناءً علی أنّ مقتضی الوفاء بالعقد إبقاؤه

تقریب الاستدلال بناءً علی أنّ مقتضی الوفاء بالعقد إبقاؤه

‏وأمّا إن قلنا: بأنّ المراد بالوفاء الوفاء بنفس العقد من حیث الإبقاء وعدم‏‎ ‎‏الحلّ، فتقریب الاستدلال أنّ وجوب الوفاء بالعقد إرشاد إلی لزومه؛ وأ نّه یجب‏‎ ‎‏لعدم قابلیته للانحلال؛ وذلک لأنّ وجوب الوفاء لو کان حکماً تکلیفیاً نفسیاً،‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 216
‏فلازمه عقلاً جواز العقد، وقابلیته للحلّ والفسخ؛ إذ التکلیف بالإبقاء وعدم الحلّ‏‎ ‎‏یتعلّق بما یمکن ذلک فیه، لاعتبار القدرة فی متعلّقه، وأمّا إن لم یمکن ذلک فیه‏‎ ‎‏فلا معنی للتکلیف بإبقائه، وإذا کان لازمه عقلاً جواز العقد، فهو بالنسبة إلی‏‎ ‎‏العقود الجائزة عند العرف والعقلاء یتمّ ولا غبار علیه، وأمّا بالنسبة إلی العقود‏‎ ‎‏اللازمة عندهم، فیستلزم القول بأنّ الشارع قد صیّرها جائزةً أوّلاً، ثمّ أوجب‏‎ ‎‏الوفاء بها، وهذا الالتزام بعید غایة البعد. بل یمکن الالتزام بقبحه؛ بحیث لو کان‏‎ ‎‏الأمر دائراً بین أن یکون وجوب الوفاء بالعقد حکماً تکلیفیاً تعبّدیاً وبین أن‏‎ ‎‏یکون حکماً إرشادیاً إلی لزوم العقد، فالترجیح مع الثانی؛ لهذا التمحّل.‏

‏نعم، إن کانت هنا حجّة ناهضة علی ذلک، فلابدّ من المصیر إلیه وتوجیهه بما‏‎ ‎‏ذکر، وإلاّ فلا ملزم للقول بتکلیفیة الحکم ومولویته حتّی یلزم المحذور، فالقول‏‎ ‎‏بأ نّها إرشاد إلی لزوم العقد وضعاً أولی.‏

إن قلت:‏ لعلّه إرشاد إلی الجواز؛ وأ نّها بصدد بیان جواز العقد بإیجاب الوفاء‏‎ ‎‏به؛ لاستلزامه له.‏

قلت:‏ لا یخفی أنّ استفادة الجواز منه، موقوفة علی مولویة الحکم وکونه‏‎ ‎‏حکماً نفسیاً تعبّدیاً؛ إذ هو یلزمه جواز العقد وقابلیته للإبقاء وعدمه حتّی یجب‏‎ ‎‏إبقاؤه بإیجاب الوفاء به، وکونه أمراً إرشادیاً وإن کان استعماله أیضاً فی البعث‏‎ ‎‏والتحریک، إلاّ أنّ المفهم من إرشادیة أمر أ نّه لیس بمنظور فیه، ولیس الغرض‏‎ ‎‏متعلّقاً به، فمثل ‏«لا تجوز الصلاة فی وبر ما لا یؤکل»‎[1]‎‏ نهی إرشادی إلی عدم‏‎ ‎‏وقوع الصلاة، ولیس فی نفس الوبر وتلبّسه به مبغوضیة نفسیة، وکذا مثل قوله:‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 217
‏«اغسل ثوبک بالماء للصلاة» مثلاً یفهم منه أنّ غسل الثوب بنفسه لیس فیه‏‎ ‎‏محبوبیة ملزمة، بل الغرض الإرشاد إلی اشتراط الطهارة فی الصلاة، وعلی هذا‏‎ ‎‏فمقتضی إرشادیة الأمر کونه ممّا لا ینظر فیه، ومقتضی استفادة الجواز ومولویة‏‎ ‎‏الحکم کونه ممّا ینظر فیه ونفسیته، إذ هو ملازم للجواز، والجمع بینهما ـ بأن کان‏‎ ‎‏الوفاء بالعقد واجباً نفسیاً تکلیفیاً؛ حتّی یلزمه جواز العقد، وکونه إرشاداً إلی‏‎ ‎‏الجواز؛ حتّی یکون الغرض والمنظور إفادة الجواز وجعله فی العقد ـ لازمه کون‏‎ ‎‏الوفاء منظوراً فیه ولیس بمنظور فیه، فیلزم نفسیة الوفاء وعدمه، وهو أسوأ من‏‎ ‎‏استعمال اللفظ فی أکثر من معنی؛ إذ یلزم کون شیء ممّا لا ینظر وممّا ینظر من‏‎ ‎‏جهة واحدة.‏

لا یقال:‏ إنّا نستفید الجواز بالملازمة بینه وبین تکلیفیة الحکم.‏

لأنّا نقول:‏ استفادة الجواز بالملازمة القهریة العقلیة مطلب، وکونه إرشاداً إلیه‏‎ ‎‏وأ نّها سیقت لبیان الجواز فی العقد مطلب آخر، وما نحن فیه من قبیل الثانی،‏‎ ‎‏فیلزمه عدم تعلّق الغرض بنفس إیجاب الوفاء، وهو منافٍ لمولویته، والمفروض‏‎ ‎‏أ نّها ترشد إلی الجواز إذا کان مولویاً نفسیاً. هذا أوّلاً بحسب مقام الثبوت.‏

‏وثانیاً: بحسب مقام الإثبات: أ نّه لو فرض إمکانه ثبوتاً، فلابدّ من قرینة‏‎ ‎‏ودلیل علیه فی مقام الإثبات، کما نقول بجواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی‏‎ ‎‏إذا قامت علیه قرینة، وأ نّی لنا بإثباته؟!‏

‏وثالثاً: الإشکال المتقدّم ـ أی استقباح جعل العقود عند العرف جائزةً، ثمّ‏‎ ‎‏إلزام العمل بها ـ جارٍ هنا؛ إذ لا فرق فی ذلک بین جعلها مقدّمةً علی الإیجاب‏‎ ‎‏جائزةً، ثمّ إیجاب العمل بها، وبین جعلها جائزةً بنفس إیجاب الوفاء، کما فی‏‎ ‎‏هذا الفرض.‏


کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 218
‏ورابعاً: أنّ هذا من قبیل الاُحْجیة واللغز؛ إذ ما یناسب وجوب الوفاء هو لزوم‏‎ ‎‏العقد لا جوازه، فاستفادة الجواز وکونه فی مقام بیانه بإیجاب الوفاء به، بعید عن‏‎ ‎‏متفاهم العقلاء والعرف.‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 219

  • ـ علل الشرایع: 342 / 1؛ وسائل الشیعة 4: 347، کتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّی،  الباب ، الحدیث 7 .