المبحث الثانی: فی أقسام البیع بحسب الأسباب

جواب المحقّق الأصفهانی عن الشبهة ونقده

جواب المحقّق الأصفهانی عن الشبهة ونقده

قال‏ المحقّق الأصفهانی فی ذیل بیانه لهذا الوجه ما حاصله: أنّ اعتبار العرف‏‎ ‎‏فی تلک الموارد، اُخذ بنحو المعرّفیة لما هو باعتبار الشرع، ولیس هو تمام‏‎ ‎‏الموضوع، وبعبارة اُخری الموضوع الواقعی ما یعتبره الشرع عهداً وعقداً، وإنّما‏‎ ‎‏اُخذ الموضوع العرفی ـ وهو اعتبار العقلاء ـ فیها فی مقام الإثبات بنحو المعرّفیة‏‎ ‎‏للموضوع الشرعی، فوجوب الوفاء موضوعه العقد الواقعی باعتبار الشارع،‏‎ ‎‏ولکن کان العقد العرفی واعتبار العقلاء فیه مرآةً ومعرّفاً له، ولذا رتّبه علی ما هو‏‎ ‎‏عندهم من الاعتبار؛ وذلک للتلازم الواقع بین العهد العرفی والشرعی، وحیث‏‎ ‎‏یری الشارع هذا التلازم جعله موضوعاً للوفاء، وإلاّ فالواقع لیس موضوعه‏‎ ‎‏العهد العرفی، بل ما هو معتبر عند الشارع، وعلی هذا یکون موارد الاستثناء‏‎ ‎‏تخصیصاً فی هذه الملازمة، لا تخطئة لنظر العرف، ولا تضییقاً لدائرة الموضوع‏‎ ‎‏الواقعی، ولا تخصیصاً حکمیاً‏‎[1]‎‏.‏

أقول أوّلاً:‏ هذا الوجه ـ أی جعل الموضوع العرفی مرآةً ومعرّفاً للموضوع‏‎ ‎‏الواقعی ـ لا ظهور له من قوله ‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[2]‎‏ عند العقلاء والعرف حتّی‏‎ ‎‏یمکن إلقاؤه علیهم، وإنّما هو وجه یوجّه فی المباحث العلمیة.‏

وثانیاً:‏ لو قلنا بأنّ موارد الاستثناء تخصیص فی هذه الملازمة، فلا بدّ لنا من‏‎ ‎‏أن نلتزم بتقیّد الموضوع الحقیقی وتضیّقه؛ إذ لا یعقل تخصیص الملازمة فی‏‎ ‎‏مورد ـ بمعنی عدم توافق اعتبار العقلاء والعرف مع اعتبار الشرع ـ ومع ذلک‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 232
‏لم یضیّق اعتبار الشرع فیه، مثلاً إن کان الاعتبار العرفی فی البیع قائماً علی‏‎ ‎‏الاکتفاء بالعقد الفارسی، واستثنی الشارع هذه الملازمة وقال بعدم الملازمة بینه‏‎ ‎‏وبین البیع الواقعی فی هذا، بل اعتبر فیه العربیة، ففی هذا لا مفرّ من تقیّد‏‎ ‎‏الموضوع؛ وهو البیع. وبالجملة التخصیص فی الملازمة ینجرّ إلی التقیّد فی‏‎ ‎‏الموضوع الواقعی، أو التخصیص الحکمی.‏

‏فإن لم یکن کذلک یمکن تقریبه بماذکره ‏‏رحمه الله‏‏ حیث  کان المورد ـ وهو الفسخ‏‎ ‎‏المعاطاتی ـ ممّا شکّ فی تخصیصه فی الملازمة، ومع بقائه عند العرف والفرض‏‎ ‎‏عدم إثبات نفی الملازمة، فالموضوع وهو العقد الواقعی بمعرّفیة العقد العرفی‏‎ ‎‏باقٍ، وأمّا إن کان التقیّد راجعاً إلی الواقع، فمع الشکّ فی التلازم یرجع إلی الشکّ‏‎ ‎‏فی التقیّد، ومعه لا مجال للتمسّک بالآیة؛ إذ موضوعه وهو العقد مشکوک البقاء‏‎ ‎‏وإن کان باقیاً عرفاً؛ للشکّ فی تقیّده واقعاً.‏

والحاصل:‏ أنّ غرض هذا المحقّق من التمحّل المذکور الخلاص من محذور‏‎ ‎‏تخطئة العرف ـ بأن کان الاستثناء علی الموضوع وتضیّقه ـ ومن التخصیص‏‎ ‎‏الحکمی؛ لاستنکاره ذلک، لأنّ جعل الموضوع الاعتباری ثمّ سلبه مستنکر، ولذا‏‎ ‎‏ذهب إلی أنّ الاستثناء وارد علی التلازم الواقع بین الموضوعات العرفیة العقلائیة‏‎ ‎‏وما هو موضوع واقعاً، وکان الموضوع ما عند الشارع من الاعتبارات.‏

وفیه أوّلاً:‏ أنّ الظاهر من تعلّق الوفاء بالعقود العقلائیة العرفیة، أنّ الموضوع‏‎ ‎‏هو هذه العقود العقلائیة لا غیرها، وإثبات خلافه یحتاج إلی دلیل وقرینة.‏

وثانیاً:‏ أ نّه ما المراد بهذه المقالة، فإن کان مراده أنّ الموضوع واقعاً ما هو‏‎ ‎‏معتبر عند الشارع من  العقود الواقعیة الاعتباریة عنده، وکانت العقود  العرفیة‏‎ ‎‏مرآةً إلیها، ومعرّفةً لها، ولیس فیها موضوعیة أصلاً، فلازم ذلک أن لا یکون‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 233
‏الموضوع هذه العقود العرفیة العقلائیة، وعدم تعلّق وجوب الوفاء بها، وکان قوله:‏‎ ‎‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‏مرآةً وعَبْرةً لوجوب الوفاء بالعقود الشرعیة المعتبرة عنده،‏‎ ‎‏فیلزمه المحذور المتقدّم؛ إذ علی هذا یکون موضوع الوفاء العقد الشرعی، وهو‏‎ ‎‏مشکوک البقاء بعد الفسخ.‏

‏وإن کان المراد أنّ الموضوع هذه العقود العرفیة والاعتبارات العقلائیة؛‏‎ ‎‏وذلک للتلازم الواقع بینها وبین الاعتبارات الشرعیة، ولکنّ الموضوع هذه‏‎ ‎‏المستلزمات؛ أعنی ما عند العرف من الاعتبار فی العقود، فلازمه أن یکون‏‎ ‎‏التخصیص تخصیصاً فی الحکم؛ إذ المفروض أنّ الموضوع هو هذه الاعتبارات،‏‎ ‎‏فما لم یجب الوفاء به فهو خارج عنه حکماً لا موضوعاً، فهو کرّ علی ما‏‎ ‎‏فرّ منه.‏

‏ولو کان مقصوده أنّ مفاد الآیة بیان الملازمة الواقعة بین هذه العقود‏‎ ‎‏والاعتبارات العقلائیة وبین ما هو معتبر عنده إخباراً عن ذلک أو إنشاءً وإیقاعاً‏‎ ‎‏له بهذه الجملة، فموارد الاستثناء استثناء فی هذه الملازمة الکلّیة، ففیه ـ مع‏‎ ‎‏أ نّه خلاف الظاهر، ولا یفهم منه ذلک ـ أنّ التخصیص فی الملازمة لا یتحقّق‏‎ ‎‏إلاّ بتقیّد الموضوع؛ وهو العقد عنده، إذ مفاد الملازمة أنّ کلّ عقد عند العرف‏‎ ‎‏عقد عندی، وتخصیصه برفع هذه الکلّیة واستثناء بعض العقود منها؛ وأ نّه‏‎ ‎‏لیس هذا العقد عقداً عندی، ومن الواضح أنّ ذلک یستلزم التقیّد والتضیّق‏‎ ‎‏فی العقد عنده حتّی لا یکون عقداً عنده، وهو ممّا لا خفاء فیه، ولا شکّ‏‎ ‎‏یعتریه؛ إذ لو لم یکن تقیّداً للعقد عنده فالملازمة باقیة فیه، ولا معنی لتخصیص‏‎ ‎‏الملازمة.‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 234

  • ـ حاشیة المکاسب، المحقّق الأصفهانی 4: 33 ـ 34 .
  • ـ المائدة (5): 1.