الدلیل السابع: قوله صلی الله علیه و آله: «المؤمنون عند شروطهم»
وقد سبقت فی بیانها مطالب، وإنّما نذکر الآن ما یناسب المقام:
الأوّل: قد مضی منّا أنّ «الشرط» بحسب اللغة لم یثبت شموله للشروط الابتدائیة، ومع فرض شموله لها لم یعلم شموله لمثل البیع وأمثاله. ولکن مع ذلک کلّه فالظاهر العرفی من الجملة أنّ المؤمن قائم عند قراره وعهده، ویفی بقوله، ولیس الظاهر منه عرفاً القرار الضمنی فقط، بل مطلق القرار.
وإن شئت قلت: العرف تلغی الخصوصیة من القرار الضمنی، وتسریه إلی غیره. ولعلّ مناسبة الحکم وموضوعه أیضاً تقتضی ذلک؛ إذ المناسب إیفاء المؤمن بقراره وقوله مطلقاً، لا خصوص فرد خاصّ، وعلی هذا فالظاهر من الجملة عرفاً جمیع الشروط ضمنیةً کانت أو ابتدائیةً حتّی البیع وأمثاله.
الثانی: قد ذکرنا أنّ فی الجملة ادّعاءَ أنّ الشرط له وجود خارجی یقوم عنده المؤمن، والجملة خبریة لا بداعی الإخبار؛ إذ یلزم منه الکذب، لعدم إیفاء المؤمنین کلّهم بالشروط، بل بداعی البعث؛ وذلک لأنّ مولویة الموالی قد تقتضی سدّ باب التخلّف عن أمره، وکأ نّه لم یرَ متخلّفاً عن أمره، فیجعل بعثه وأمره بصورة الإخبار عن وقوعه، إذ لا یری المکلّفین متخلّفین عنه، وعلی هذا فدلالته علی اللزوم والالتزام لا إشکال فیه، ومجرّد الرجحان
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 238
والمحبوبیة لا یصحّح الإخبار کذلک، بل قد یستقبح عرفاً.
الثالث: أنّ الوفاء والإقامة هنا عند الشرط یکون باعتبار العمل، لا نفس الشرط، کما قلنا فی «أوْفُوا بِالْعُقُودِ» فإنّ معنی الإقامة عند القرار والوفاء به لیس صرف عدم حلّه، بل یتحقّق بالعمل به، خصوصاً بقرینة قوله فی بعض تلک الروایات: «إلاّ شرطاً خالف کتاب اللّه تعالی» إذ المخالفة تکون من حیث العمل، ولیس وجوب العمل بالشرط إلاّ وأ نّه لا یقبل الانحلال.
وبعد إتمام هذه المطالب فدلالة الحدیث علی لزوم المعاطاة تامّة؛ إذ هی قرار یلزم الإقامة عنده، بمعنی العمل به.
وبالجملة: مع قطع النظر عن الروایات المستدلّ فیها بالحدیث، یستفاد منه مطالب ثلاثة: اثنان منها مدلولان مطابقیان، وواحد منها مدلول التزامی: أمّا المطابقی فهما النفوذ ـ وهو الحکم الوضعی ـ والالتزام به؛ وهو التکلیفی، وأمّا الالتزامی فهو نفس اللزوم.
ویستفاد الأوّل من الاستعارة؛ إذ قد عرفت أنّ المصحّح لادّعاء أنّ الشرط موجود ممثّل یقوم عنده، هو صحّته عند الشارع، وإلاّ فلا وجه لهذا الادّعاء.
ویستفاد الثانی من الإخبار بداعی البعث؛ وأ نّه لا یری متخلّفاً عن أمره، وفی مقام سدّ باب الأعدام لمولویته؛ فإنّه لا یلائم غیر الالتزام والتکلیف.
ومن حیث إنّ الإلزام والإقامة عند الشرط معناه العمل بما یقتضیه ـ لا مجرّد إیقاعه من دون عمل، کما مرّ نظیره فی الوفاء بالعقد ـ فمقتضاه لزوم الشرط؛ إذ
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 239
لو لم یکن الشرط غیر قابل للحلّ والنقض فلا معنی لهذا الالتزام والتکلیف، فما کان أمره بیده من الحلّ والبقاء فلا یلزم علی العمل به دائماً. هذا بالنسبة إلی لفظ الحدیث.
وأمّا مع المراجعة إلی الأخبار فیستفاد من بعضها مدلوله المطابقی وهو النفوذ والالتزام أعنی الحکم الوضعی والتکلیفی معاً، ومن بعضها مدلوله الالتزامی مع المطابقی وهو لزوم الشرط وعدم قابلیته للحلّ.
کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 240