القسم الثانی: البیع بالصیغة

دعوی قصور الإطلاقات والعمومات فی المقام

دعوی قصور الإطلاقات والعمومات فی المقام

‏هاهنا کلام قابل للبحث عنه، وهو ادعاء قصور الإطلاقات والعمومات عن‏‎ ‎‏شمول ما وقع بغیر اللفظ الصریح المتداول‏‎[1]‎‏:‏


کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 302
أمّا‏ فی مثل ‏‏«‏أوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[2]‎‏ ـ ممّا کانت دلالته بالعموم ـ فمن جهتین: ‏

‏الاُولی: انصرافه إلی العقود المتداولة المعهودة ممّا هی بلفظ صریح.‏

‏والثانی: أنّ المقام مقام بیان وجوب الوفاء بالعقد بعد الفراغ عن صحّته،‏‎ ‎‏ولیس فی مقام بیان صحّته، فما هو صحیح یجب الوفاء به، فلا یمکن التمسّک‏‎ ‎‏بها لصحّة معاملة.‏

قلت:‏ أمّا الانصراف فلا یخفی أ نّه منتفٍ موضوعاً؛ لأنّه لیس من باب‏‎ ‎‏الإطلاق، بل من باب العموم؛ لأنّ الموضوع لیس طبیعة العقد القابلة للانصراف،‏‎ ‎‏بل هو کلّ فرد من أفراد العقد ممّا هو عقد عرفاً بمقتضی اللام. وکون اللام للعهد‏‎ ‎‏بعید فی الغایة.‏

‏ویظهر ما فی الثانی أیضاً؛ إذ المفروض عمومیته للعقود العرفیة، ولا یختصّ‏‎ ‎‏بعقد دون عقد، فنستکشف من وجوب الوفاء صحّته بالملازمة.‏

وأمّا‏ قوله تعالی: ‏‏«‏تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ‏»‏‎[3]‎‏ فقد أسبقنا ما فی معناه‏‎[4]‎‏؛ من أ نّه‏‎ ‎‏للتنویع بین ما کان سببه باطلاً، وما کان حقّاً؛ وأ نّه یجوز الأکل من کلّ ما کان‏‎ ‎‏سببه حقّاً، ولا یجوز ممّا هو باطل سببه، وأنّ التجارة عن تراضٍ حقّ، فیجوز‏‎ ‎‏الأکل بها، ولا یخفی أنّ البیع الواقع بلفظ الکنایة أو المجاز، لیس أکلاً بالباطل،‏‎ ‎‏فلها إشعار فی إثبات المراد؛ لولم تکن لها دلالة.‏

وممّا یمکن‏ أن یقال فی آیة ‏‏«‏أوْفُوا...‏»‏‏ ـ علی فرض الإطلاق ـ وآیة حلّ‏‎ ‎‏التجارة والبیع: أنّ العقلاء یفهمون من وجوب الوفاء وما فی معناه، المعنی‏‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 303
‏المتفاهم عندهم من ذلک؛ فإنّ الوفاء بالقرار عند العقلاء والاحترام له والإقامة‏‎ ‎‏عند ما التزمه الإنسان علی نفسه، لیس إلاّ الوفاء بنفس القرار، ولیست‏‎ ‎‏الخصوصیات من مقوّمات الموضوع، فما هو محترم عندهم نفس القرار‏‎ ‎‏والمعاهدة، ولا دخل لخصوصیات السبب عندهم فیه، فإذا قیل: «بعت لفلان»‏‎ ‎‏فکما أ نّه لیس لشخص البائع والمشتری خصوصیة فیه، فکذا ألفاظه، وعلی هذا‏‎ ‎‏فالواجب الوفاء بنفس القرار والمعاهدة، لا خصوص ما وقع بکذا، أو کذا، فالعقد‏‎ ‎‏بما هو عقد وقرار معاملی، لازم الوفاء، لا من جهة السبب، فمقتضی الإطلاقات‏‎ ‎‏والعمومات صحّته بکلّ ماوقع.‏

‏ولعلّ السرّ فی اشتراط الفقهاء؛ إمّا عدم تمامیة الإطلاقات عندهم، أو الأخذ‏‎ ‎‏بالقدر المتیقّن، أو خوف الشهرة علی اعتبارها، وإلاّ فلاخفاء فیه علی الأعلام‏‎ ‎‏والأعاظم‏‎[5]‎‏.‏

‎ ‎

کتابالبیع (ج. ۱): تقریر لما افاده الاستاذ الاکبر آیة الله العظمی الامام الخمینی (س)صفحه 304

  • ـ منیة الطالب 1: 241.
  • ـ المائدة (5): 1.
  • ـ النساء (4): 29.
  • ـ تقدّم فی الصفحة 195.
  • ـ یظهر من بعض کلمات الشیخ رحمه الله قریب من ذلک، مثل کلامه فی بحث تقدّم القبول، حیث قال: وأمّا بناءً علی ما اخترناه وقوّیناه سابقاً فی مسألة المعاطاة ـ من أنّ الأصل فی  البیع اللزوم، وأنّ البیع العرفی موجب للملک ـ فاللازم الحکم فی کلّ مورد لم یقم إجماع  علی عدم اللزوم، باللزوم، ومورد الإجماع هو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء باللفظ  رأساً، أو کان اللفظ المنشأ به المعاملة ممّا قام الإجماع علی عدم إفادتها اللّزوم، وأمّا فی  غیر ذلک فالأصل اللّزوم. (المکاسب، ضمن تراث الشیخ الأعظم 16: 149) [المقرّر  حفظه اللّه ].