تکلیف المقلّد مع تبدّل رأی مجتهده
وأ مّا تکالیف مقلّدیـه فهل هو کالمجتهد فی التفصیل بین کون رأی المقلّد مستنداً إلی الأمارات ، وبین کونـه مستنداً إلی الاُصول ، بأن یقال : إنّ المجتهد یعیّن وظائف العباد مطلقاً واقعاً وظاهراً ، فکما أنّ فی وظائفـه الظاهریّـة تحکم بالإجزاء بواسطـة أدلّـة الاُصول وحکومتها علی الأدلّـة ، فکذا فی تکالیف مقلّدیـه طابق النعل بالنعل أو لا ؟ بأن یقال : إنّ المقلّد مستنده فی الأحکام مطلقاً هو رأی المجتهد ، وهو أمارة إلی تکالیفـه بحسب ارتکازه العقلائی ، والشرع أیضاً أمضی هذا الارتکاز والبناء العملی العقلائی ، ولیس مستند المقلّدین فی العمل هو
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 492
أصالـة الطهارة أو الحلّیـة أو الاستصحاب أو حدیث الرفع فی الشبهات الحکمیّـة التی هی مورد بحثنا هاهنا ؛ لأنّ العامّی لا یکون مورداً لجریان الاُصول الحکمیّـة ، فإنّ موضوعها الشکّ بعد الفحص والیأس من الأدلّـة الاجتهادیّـة ، والعامّی لا یکون کذلک ، فلا یجری فی حقّـه الاُصول حتّی تحرز مصداق المأمور بـه ، ومجرّد کون مستند المجتهد هو الاُصول ومقتضاها الإجزاء ، لا یوجب الإجزاء بالنسبـة إلی من لم یکن مستنده إیّاها ؛ فإنّ المقلّد لیس مستنده فی العمل هی الاُصول الحکمیّـة ، بل مستنده الأمارة ـ وهی رأی المجتهد ـ علی حکم اللّٰه تعالی ، فإذا تبدّل رأیـه فلا دلیل علی الإجزاء .
أ مّا دلیل وجوب اتّباع المجتهد ، فلأنّـه لیس إلاّ بناء العقلاء الممضی ، کما یظهر للناظر فی الأدلّـة ، وإنّما یعمل العقلاء علی رأیـه لإلغاء احتمال الخلاف ، وإمضاء الشارع لذلک لا یوجب الإجزاء کما تقدّم .
وأ مّا أدلّـة الاُصول فهی لیست مستنده ولا هو مورد جریانها ، لعدم کونـه شاکّاً بعد الفحص والیأس عن الأدلّـة ، فلا وجـه للإجزاء ، وهذا هو الأقوی .
فإن قلت : إذا لم یکن المقلّد موضوعاً للأصل ولا یجری فی حقّـه ، فلم یجوز للمجتهد أن یفتی مستنداً إلی الأصـل بالنسبـة إلی مقلّدیـه ، مـع أنّ أدلّـة الاُصول لا تجری إلاّ للشاکّ بعد الفحص والیأس وهو المجتهد فقط لا المقلّد ؟ ! ولو قیل : إنّ المجتهد نائب عـن مقلّدیـه ، فمـع أنّـه لا محصّل لـه ، لازمـه الإجزاء .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 493
قلت : قد ذکرنا سابقاً أنّ المجتهد إذا کان عالماً بثبوت الحکم الکلّی المشترک بین العباد ثمّ شکّ فی نسخـه مثلاً یصیر شاکّاً فی ثبوت هذا الحکم بینهم ، فیجوز لـه الإفتاء بـه کما لـه العمل بـه ، فکما أنّ الأمارة إذا قامت علی حکم مشترک کلّی یجوز لـه الإفتاء بمقتضاها ، کذلک إذا کان مقتضی الاستصحاب فلـه العمل بـه والفتوی بمقتضاه ، فإذا أفتی یعمل المقلّدین علی طبق فتواه ، لبناء العقلاء علی رجوع الجاهل بالعالم .
فتحصّل من ذلک : أنّ المجتهد لـه الإفتاء بمقتضی الاُصول الحکمیّـة ، ومقتضی القاعدة هو الإجزاء بالنسبـة إلیـه دون مقلّدیـه ، لاستناده إلی الاُصول المقتضیـة للإجزاء واستنادهم إلی رأیـه الغیر المقتضی لذلک .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 494