حال الفتوی المستندة إلی الاُصول
وأ مّا إذا استند إلی الاُصول کأصالتی الطهارة والحلّیـة فی الشبهات الحکمیّـة ، وکالاستصحاب فیها ، وکحدیث الرفع ، فالظاهر هو الإجزاء مع اضمحلال الاجتهاد .
أ مّا فی أصالتی الطهارة والحلّیـة ، فلأنّ الظاهر من دلیلهما هو جعل الوظیفـة الظاهریّـة لدی الشکّ فی الواقع ، فإنّ معنی قولـه : « کلّ شیء نظیف حتّی تعلم أنّـه قذر » و « کلّ شیء حلال حتّی تعرف أنّـه حرام بعینـه » لیس أنّـه طاهر وحلال واقعاً حتّی تکون النجاسـة والحرمـة متقیّدتین بحال العلم بهما ، ضرورة أنّـه التصویب الباطل ، ولا معنی لجعل المحرزیّـة والکاشفیـة للشکّ مع کونـه خلاف أدلّتهما ، ولا لجعلهما لأجل التحفّظ علی الواقع ، بل الظاهر من أدلّتهما هو جعل الطهارة والحلّیـة الظاهریتین ، ولا معنی لهما إلاّ تجویز ترتیب آثار الطهارة والحلّیـة علی المشکوک فیـه ، ومعنی تجویز ترتیب الآثار تجویز إتیان ما اشترط فیـه الطهارة والحلّیـة مع المشکوک فیـه ، فیصیر المأتی بـه معهما مصداق المأمور بـه تعبّداً ، فیسقط أمره .
فإذا دلّ الدلیل علی لزوم إتیان الصلاة مع طهارة الثوب ، ثمّ شکّ فی طهارة
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 488
ثوبـه ، دلّ قولـه : « کلّ شیء طاهر » ـ الذی یرجع إلی جواز ترتیب الطهارة علی الثوب المشکوک فیـه ـ علی جواز إتیان الصلاة معـه وتحقّق مصداق الصلاة بـه ، فإذا تبدّل شکّـه بالعلم لا یکون من قبیل کشف الخلاف کما ذکرنا فی الأمارات ، لأنّها کواشف عن الواقع ، فلها واقع تطابقـه أو لا تطابقـه ، بخلاف مؤدّی الأصلین ، فإنّ مفاد أدلّتهما ترتیب آثار الطهارة أو الحلّیـة بلسان جعلهما ، فتبدیل الشکّ بالعلم من قبیل تبدیل الموضوع لا التخلّف عن الواقع ، فأدلّتهما حاکمـة علی أدلّـة جعل الشروط والموانع فی المرکّبات المأمور بها .
وبالجملـة : إذا أمر المولی بإتیان الصلاة مع الطهارة وأجاز الإتیان بها فی ظرف الشکّ مع الثوب المشکوک فیـه بلسان جعل الطهارة ، وأجاز ترتیب آثار الطهارة الواقعیّـة علیـه ، ینتج جواز إتیان الصلاة المأمور بها مع الطهارة الظاهریّـة ومعاملـة المکلّف معها معاملـة الطهارة الواقعیّـة ، فیفهم العرف من ذلک حصول مصداق المأمور بـه معها ، فیسقط الأمر ، وبعد العلم بالنجاسـة لا یکون من قبیل کشف الخلاف کما فی الأمارات الکاشفـة عن الواقع .
ولا یبعد أن یکون الأمر کذلک فی الاستصحاب ، فإنّ الکبری المجعولـة فیـه وهی قولـه : « لا ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشکّ أبداً » لیس مفادها جعل الیقین أمارة بالنسبـة إلی زمان الشکِّ، ضرورة عدم کاشفیّتـه بالنسبـة إلیـه عقلاً ، لامتناع کونـه طریقاً إلی غیر متعلّقـه ، ولا معنی لجعلـه طریقاً إلی غیره ، فلا یکون
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 489
الاستصحاب من الأمارات ، بل ولا یکون جعلـه للتحفّظ علی الواقع کإیجاب الاحتیاط فی الشبهـة البدویّـة فی الأعراض والدماء ، فإنّـه أیضاً خلاف مفادها وإن احتملناه بل رجّحناه سابقاً ، بل الظاهر منها أنّـه لا ینبغی للشاکّ الذی کان علی یقین رفع الید عن آثاره ، فیجب علیـه ترتیب آثاره ، فیرجع إلی وجوب معاملـة بقاء الیقین الطریقی معـه فی زمان الشکِّ، وهو مساوق عرفاً لتجویز إتیان المأمور بـه المشروط بالطهارة الواقعیّـة مثلاً مع الطهارة المستصحبـة ، ولازم ذلک صیرورة المأتی بـه معها مصداقاً للمأمور بـه ، فیسقط الأمر المتعلّق بـه .
وبالجملـة : یکون حالـه فی هذا الأثر کحال أصالتی الطهارة والحلِّ؛ من حیث کونـه أصلاً عملیّاً ووظیفةً فیزمان الشکِّ، لا أمارة علی الواقع ، ولا أصلاً للتحفّظ علیـه حتّی یأتی فیـه کشف الخلاف ، ویدلّ علی ذلک صحیحـة زرارة الثانیـة حیث حکم فیها بغسل الثوب وعدم إعادة الصلاة ، معلّلاً بأنّـه کان علی یقین فی طهارتـه فشکِّ، ولیس ینبغی لـه أن ینقض الیقین بالشکِّ.
وکذا الحال فیما إذا کان المستند حدیث الرفع ، فإنّ قولـه : « رفع ما لا یعلمون » ـ بناءً علی شمولـه للشبهات الحکمیّـة والموضوعیّـة ـ لسانـه رفع الحکم والموضوع باعتبار الحکم ، لکن لابدّ من رفع الید عن هذا الظاهر حتّی بالنسبـة إلی الشبهات الموضوعیـة ، لأنّ لازمـه طهارة ما شکّ فی نجاستـه
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 490
موضوعاً واقعاً ، ولا یمکن الالتزام بطهارة ملاقیـه فی زمان الشکّ بعد کشف الخلاف ، فلابدّ من الحمل علی البناء العملی علی الرفع وترتیب آثار الرفع الواقعی ، فإذا شکّ فی جزئیـة شیء فی الصلاة أو شرطیّتـه لها أو مانعیّتـه فحدیث الرفع یدلّ علی رفع الجزئیّـة والشرطیّـة والمانعیّـة ، فحیث لا یمکن الالتزام بالرفع الحقیقی لا مانع من الالتزام بالرفع الظاهری ، نظیر الوضع الظاهری فی أصالتی الطهارة والحلّیـة ، فیرجع إلی معاملـة الرفع فی الظاهر وجواز إتیان المأمور بـه کذلک ، وصیرورة المأتی بـه مصداقاً للمأمور بـه بواسطـة حکومـة دلیل الرفع علی أدلّـة الأحکام .
فتحصّل من جمیع ما ذکرنا : أنّ التحقیق هو التفصیل بین الأمارات والاُصول کما علیـه المحقّق الخراسانی رحمه الله .
هذا کلّـه بحسب مقام الإثبات وظهور الأدلّـة ، وأ مّا بحسب مقام الثبوت فلابدّ من توجیهـه بوجـه لا یرجع إلی التصویب الباطل .
ثمّ إنّـه ظهر ممّا ذکرنا أنّ القائل بالإجزاء لا یلتزم بالتصرّف فی أحکام المحرّمات والنجاسات ، ولا یقول بحکومـة أدلّـة الاُصول علی أدلّـة الأحکام الواقعیّـة التی هی فی طولها ، ولیس محطّ البحث فی باب الإجزاء بأدلّـة اُصول الطهارة والحلّیـة والاستصحاب هو التضیـیق أو التوسعـة فی أدلّـة النجاسات والمحرّمات حتّی یقال : إنّ الأمارات والاُصول وقعت فی رتبـة إحراز الأحکام الواقعیّـة ، والحکومـة فیها غیر الحکومـة بین الأدلّـة الواقعیّـة بعضها مع بعض ، وإنّ لازم ذلک هو الحکم بطهارة ملاقی النجس الواقعی إذا لاقی فی زمان الشکِّ. . .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 491
وغیر ذلک ممّا وقع من بعض الأعاظم علی ما فی تقریرات بحثـه ، بل محطّ البحث هو أنّ أدلّـة الاُصول الثلاثـة هل تدلّ بحکومتها علی أدلّـة الأحکام علی تقحّق مصداق المأمور بـه تعبّداً حتّی یقال بالإجزاء أم لا ؟
هذا مع بقاء النجاسات والمحرّمات علی ما هی علیها من غیر تصرّف فی أدلّتها ، فالشکّ فی الطهاره والحلّیـة بحسب الشبهـة الحکمیّـة إنّما هو فی طول جعل النجاسات والمحرّمات ، لا فی طول جعل الصلاة مشروطةً بطهارة ثوب المصلّی وبکونـه من المأکول ، والخلط بین المقامین أوقعـه فیما أوقعـه ، وفی کلامـه محالّ أنظار ترکناها مخافـة التطویل .
ثمّ إنّ هذا کلّـه حال المجتهد بالنسبـة إلی تکالیف نفسـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 492