حال الفتوی المستندة إلی الأمارات
وإن تبدّل من الظنّ المعتبر فإن کان مستنده الأمارات کخبر الثقـة وغیره ، فکذلک إذا کانت الأمارة عقلائیّـة أمضاها الشارع ، ضرورة أنّ العقلاء إنّما یعملون علی ما عندهم کخبر الثقـة والظواهر بما أنّها کاشفـة عن الواقع وطریق إلیـه ومن حیث عدم اعتنائهم باحتمال الخلاف ، وإمضاء الشارع هذه الطریقـة لا یدلّ علی رفع الید عن الواقعیّات ، وتبدیل المصادیق الأوّلیـة بالمصادیق الثانویّـة أو جعل المصادیق الناقصـة منزلـة التامّـة .
وربّما یقال : إنّ الشارع إذا أمـر بطبیعـة کالصلاة ، ثمّ أمـر بالعمل بقول الثقـة أو أجاز المأمور بالعمل بـه ، یکون لازمـه الأمر أو الإجازة بإتیان المأمور بـه علی طبق ما أدّی إلیـه قول الثقـة ، ولازم ذلک هو الإجزاء ، ففی مثل قولـه : « أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَمسِ إِلیٰ غَسَقِ اللَّیلِ » یکون أمر بصلاتین إلی غسق اللیل لا غیر ، فإذا أمر بالعمل علی قول الثقـة فقد أمر بإتیان المأمور بـه بالکیفیـة التی أدّی إلیها الأمارة ، فلا محالـة یکون المأتی بـه مصداقاً للمأمور بـه عنده ، وإلاّ لمّا أمر بإتیانـه کذلک فلا محیص عن الإجزاء ، لتحقّق مصداق المأمور بـه وسقوط الأمر .
ولکنّک خبیر بأنّ إمضاء طریقـة العقلاء لیس إلاّ لأجل تحصیل الواقعیّات ، لمطابقـة الأمارات العقلائیـة نوعاً للواقع ، وضعف احتمال تخلّفها عنـه ، وفی مثل ذلک لا وجـه لسقوط الأمر إذا تخلّف عن الواقع ، کما أنّ الأمر کذلک عند العقلاء ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 486
والفرض أنّ الشارع لم یأمر تأسیساً . بل وکذا الحال لو أمر الشارع علی أمارة تأسیساً وکان لسان الدلیل هو التحفّظ علی الواقع ، فإنّ العرف لا یفهم منـه إلاّ تحصیل الواقع لا تبدیلـه بمؤدّی الأمارة .
وأنت إذا راجعت الأدلّـة المستدلّ بها علی حجّیـة خبر الثقـة ، لتری أنّ مفادها لیس إلاّ إیجاب العمل بـه لأجل الوصول إلی الواقعیات ، کالآیات علی فرض دلالتها وکالروایات ، فإنّها تنادی بأعلی صوتها بأنّ إیجاب العمل علی قول الثقـة إنّما هو لکونـه ثقـة وغیر کاذب وأنّـه موصل إلی الواقع ، وفی مثلـه لا یفهم العرف أنّ الشارع یتصرّف فی الواقعیّات علی نحو أداء الأمارة .
هذا مع أنّ احتمال التأسیس فی باب الأمارات العقلائیـة مجرّد فرض ، وإلاّ فالناظر فیها یقطع بأنّ الشارع لم یکن فی مقام تأسیس وتحکیم ، بل فی مقام إرشاد وإمضاء ما لدی العقلاء ، والضرورة قاضیـة بأنّ العقلاء لا یعملون علی طبقها إلاّ لتحصیل الواقع ، وحدیث تبدیل الواقع بما یکون مؤدّی الأمارة ممّا لا أصل لـه فی طریقتهم ، فالقول بالإجزاء فیها ضعیف غایتـه .
وأضعف منـه التفصیل بین تبدّل الاجتهاد الأوّل بالقطع فلا یجزی ، وبین تبدّلـه باجتهاد آخر فیجزی ، بدعوی عدم الفرق بین الاجتهادین الظنّیـین وعدم ترجیح الثانی حتّی یبطل الأوّل ، وذلک لأنّ تبدّل الاجتهاد لا یمکن إلاّ مع اضمحلال الاجتهاد الأوّل بالعثور علی دلیل أقوی أو بالتخطئـة للاجتهاد الأوّل ، ومعـه لا وجـه لاعتباره فضلاً عن مصادمتـه للثانی .
هذا حـال الفتوی المستند إلی الأمارات .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 487