إشکال عدم بقاء موضوع الاستصحاب والجواب عنه
فالعمدة فی المقام هو الإشکال المعروف ، أی عدم بقاء الموضوع .
وتقریره : أنّـه لابدّ فی الاستصحاب من وحدة القضیّـة المتیقّنـة والمشکوک فیها ، وموضوع القضیّـة هو « رأی المجتهد وفتواه » وهو أمر قائم بنفس الحی ، وبعد موتـه لا یتصف بحسب نظر العرف المعتبر فی المقام بعلم ولا ظنِّ، ولا رأی لـه بحسبـه ولا فتوی ، ولا أقلّ من الشکّ فی ذلک ، ومعـه أیضاً لا مجال للاستصحاب ، لأنّ إحراز الموضوع شرط فی جریانـه ، ولا إشکال فی أنّ مدار الفتوی هو الظنّ الاجتهادی ، ولهذا یقع المظنون بما هو کذلک وسطاً فی قیاس الاستنباط ، ولا إشکال فی عدم إحراز الموضوع ، بل فی عدم بقائـه .
وفیـه : أنّ مناط عمل العقلاء علی رأی کلّ ذی صنعـة فی صنعتـه هو أماریّتـه وطریقیّتـه إلی الواقع ، وهو المناط فی فتوی الفقهاء ، سواء کان دلیل اعتباره بناء العقلاء المحض أو الأدلّـة اللفظیّـة ، فإنّ مفادها أیضاً کذلک ، ففتوی الفقیـه بأنّ صلاة الجمعـة واجبـة طریق إلی الحکم الشرعی وحجّـة علیـه ، وإنّما تـتقوّم طریقیّتـه وطریقیّـة کلّ رأی خبیر إلی الواقع إذا أفتی وأخبر بنحو الجزم ،
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 475
لکن الوجود الحدوثی للفتوی بنحو الجزم یوجب کونـه طریقاً إلی الواقع أبداً ، ولا ینسلخ عنـه ذلک إلاّ بتجدّد رأیـه أو التردید فیـه ، وإلاّ فهو طریق إلی الواقع ، کان صاحب الرأی حیّاً أو میّتاً ، فإذا شککنا فی جواز العمل بـه من حیث احتمال دخالـة الحیاة شرعاً فی جوازه فلا إشکال فی جریان الاستصحاب ووحدة القضیّـة المتیقّنـة والمشکوک فیها ، فرأی العلاّمـة وقولـه وکتاب « قواعده » کلٌّ کاشف عن الأحکام الواقعیّـة ، ووجودها الحدوثی کافٍ فی کونـه طریقاً ، وهو المناط فی جواز العمل شرعاً ولدی العقلاء .
وإن شئت قلت : جزم العلاّمـة أو إظهار فتواه جزماً جعل کتابـه حجّةً وطریقاً إلی الواقع وجائز العمل فی زمان حیاتـه ، ویشکّ فی جواز العمل علی طبقـه بعد موتـه ، فیستصحب .
والعجب من الشیخ الأعظم حیث اعترف بأنّ الفتوی إذا کان عبارة عن نقل الأخبار بالمعنی یتمّ القول بأنّ القول موضوع الحکم ویجری الاستصحاب معـه ، مع أنّ حجّیـة الأخبار وطریقیّتها إلی الواقع أیضاً متقوّمتان بجزم الراوی ، فلو أخبر أحد الرواة بیننا وبین المعصوم بنحو التردید ، لا یصیر خبره أمارة وحجّـة علی الواقع ولا جائز العمل ، لکن مع إخباره جزماً یصیر کاشفاً عنـه وجائز العمل ما دام کونـه کذلک ، سواء کان مخبره حیّاً أو میّتاً ، مع عدم بقاء جزمـه بعد الموت ، لکن جزمـه حین الإخبار کاف فی جواز العمل وحجّیـة قولـه دائماً إلاّ إذا رجع عن إخباره الجزمی .
وهذا جار فی الفتوی طابق النعل بالنعل ، فقول الفقیـه حجّـة علی الواقع
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 476
وطریق إلیـه کإخبار المخبر ، وهو باق علی طریقیّتـه بعد الموت ، ولو شکّ فی جواز العمل بـه لأجل احتمال اشتراط الحیاة شرعاً جاز استصحابـه وتمّ أرکانـه .
وإن شئت قلت : إنّ جزم الفقیـه أو إظهاره الفتوی علی سبیل الجزم واسطـة فی حدوث جواز العمل بقولـه وکتابـه ، وبعد موتـه نشکّ فی بقاء الجواز لأجل الشکّ فی کونـه واسطـة فی العروض أو الثبوت فیستصحب .
وأ مّا ما أفاد من کون الوسط فی قیاس الاستنباط هو المظنون بما هو کذلک وأنّ المظنون الحرمـة حرام أو مظنون الحکم واجب العمل . ففیـه : أنّ إطلاق الحجّـة علی الأمارات لیس باعتبار وقوعها وسطاً فی الإثبات کالحجّـة المنطقیّـة ، بل المراد منها هی کونها منجّزةً للواقع ، بمعنی أنّـه إذا قامت الأمارة المعتبرة علی وجوب شیء وکان واجباً بحسب الواقع فترکـه المکلّف ، تصحّ عقوبتـه ولا عذر لـه فی ترکـه ، وبهذا المعنی تطلق « الحجّـة » علی القطع کإطلاقها علی الأمارات ، بل تطلق علی بعض الشکوک أیضاً .
وبالجملـة : الحجّـة فی الفقـه لیست هی القیاس المنطقی ، ولا یکون الحکم الشرعی مترتّباً علی ما قام علیـه الأمارة بما هو کذلک ولا المظنون بما هـو مظنون .
فتحصّل من جمیع ما ذکرنا : أنّ استصحاب جواز العمل علی طبق رأی المجتهد وفتواه بمعنی حاصل المصدر وعلی طبق کتابـه ، الکاشفین عن الحکم الواقعی أو الوظیفـة الظاهریّـة ممّا لا مانع منـه .
لا یقال : بناءً علی ما ذکرت یصحّ استصحاب حجّیـة ظنّ المجتهد الموجود
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 477
فی زمان حیاتـه . فلنا أن نقول : إنّ الحجّیـة والأماریّـة ثابتـتان لـه فی موطنـه ، ویحتمل بقاؤهما إلی الأبد ، ومع الشکّ تستصحبان .
فإنّـه یقال : هذا غیر معقول ، للزوم إثبات الحجّیـة وجواز العمل فعلاً لأمر معدوم ، وکونـه فی زمانـه موجوداً لا یکفی فی إثبات الحجّیـة الفعلیّـة لـه مع معدومیّتـه فعلاً .
وإن شئت قلت : إنّ جواز العمل کان ثابتاً للظنّ الموجود ، فموضوع القضیّـة المتیقّنـة هو الظنّ الموجود وهو الآن مفقود . اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ الظنّ فی حال الوجود بنحو القضیّـة الحینیّـة موضوع للقضیّـة لا بنحو القضیّـة الوضعیّـة والتقیـیدیّـة ، وهو عین الموضوع فی القضیـة المشکوک فیها . وقد ذکرنا فی باب الاستصحاب أنّ المعتبر فیـه وحدة القضیّتین لا إحراز وجود الموضوع فراجع .
ولکن کون الموضوع کذلک فی المقام محلّ إشکال ومنع ، مع أنّـه لا یدفع الإشکال المتقدّم بـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 478