فی حال المجتهدین المتساویین مع اختلاف فتواهما
وأمّا فی المتساویـین فالقاعدة وإن اقتضت تساقطهما مع التعارض والرجوع إلی الاحتیاط لو أمکن ، وإلی غیره من القواعد مع عدمـه ، لکن الظاهر أنّ الاحتیاط مرغوب عنـه وأن المسلّم عندهم حجّیـة قولهما فی حال التعارض ، فلابدّ من الأخذ بأحدهما والقول بحجیّتـه التخیـیریّـة .
وقد یقال بدلالـة قولـه فی مثل روایـة أحمد بن حاتم بن ماهویـه : « فاصمدا فی دینکما إلی کلّ مسنٍّ فی حبّنا » وغیرها من الروایات العامّـة علی المطلوب ، فإنّ إطلاقها شامل لحال التعارض ، والفرق بینها وبین أدلّـة حجّیـة خبر الثقـة حیث أنکرنا إطلاقها لحال التعارض أنّ الطبیعـة فی حجّیـة خبر الثقـة اُخذت بنحو الوجود الساری ، فکلّ فرد من الأخبار مشمول أدلّـة الحجّیـة تعیـیناً ولا یعقل جعل الحجّیـة التعیـینیّـة فی المتعارضین ، ولا جعل الحجیّـة التعیـینیّـة فی غیرهما والتخیـیریّـة فیهما بدلیل واحد ، فلا مناص إلاّ القول بعدم الإطلاق لحال التعارض .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 468
وأمّا الطبیعـة فی حجّیـة قول الفقهاء ، اُخذت علی نحو صِرف الوجود ، ضرورة عدم معنی لجعل حجّیـة قول کلّ عالم بنحو الطبیعـة الساریـة والوجوب التعیـینی حتّی یکون المکلّف فی کلّ واقعـة مأموراً بأخذ قول جمیع العلماء ، فإنّـه واضح البطلان ، فالمأمور بـه هو الوجود الصرف ، فإذا اُخذ بقول واحد منهم فقد أطاع ، فلا مانع حینئذٍ من إطلاق دلیل الحجّیـة لحال التعارض .
فقولـه : « وأمّا الحوادث الواقعـة فارجعوا فیها إلی رواة أحادیثنا » مفاده جعل حجّیـة قول العالم علی نحو البدلیّـة أو صرف الوجود ، کان مخالفاً لقول غیره أو لا ، یعلم مخالفتـه لـه تفصیلاً أو لا .
هذا ما أفاده شیخنا العلاّمـة علی ما فی تقریرات بعض فضلاء بحثـه .
وأنت خبیر بأنّ هذا بیان لإمکان الإطلاق علی فرض وجود دلیل مطلق یمکن الاتّکال علیـه .
ونحن بعد الفحص الأکید لم نجد دلیلاً یسلم دلالةً وسنداً عن الخدشـة ، مثلاً قولـه فی الروایـة المتقدّمـة : « فاصمدا فی دینکما . . . » إلی آخره ، بمناسبـة صدرها وهو قولـه : « عمّن آخذ معالم دینی ؟ » لا یستفاد منـه التعبّد ، بل الظاهر منـه هو الإرجاع إلی الأمر الارتکازی ، فإنّ السائل بعد مفروغیّـة جواز الرجوع إلی العلماء سأل عن الشخص الذی یجوز التعویل علی قولـه . ولعلّـه أراد أن یعیّن الإمام شخصاً معیّناً کما عیّن الرضا علیه السلام زکریا بن آدم ، والصادق علیه السلام
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 469
الأسدی والثقفی وزرارة فأرجعـه إلی من کان کثیر القدم فی أمرهم ومسنّاً فی حبّهم .
والظاهر من « کثرة القدم فی أمرهم » کونـه ذا سابقـة طویلـة فی أمر الإمامـة والمعرفـة ، ولم یذکر الفقاهـة ، لکونها أمراً ارتکازیاً معلوماً لدی السائل والمسؤول عنـه وأشار إلی صفات اُخر موجبـة للوثوق والاطمئنان بهم ، فلا یستفاد منها إلاّ تقریر الأمر الارتکازی .
ولو سلّم کونـه بصدد إعمال التعبّد والإرجاع إلی الفقهاء فلا إشکال فی عـدم إطلاقها لحـال التعارض ، بل قولـه ذلک کقول القائل : « المریض لابـدّ وأن یرجع إلی الطبیب ولیشرب الدواء » وقولـه : « إنّ الجاهل بالتقویم لابدّ وأن یرجع إلی المقوّم » .
ومعلوم أنّ أمثال ذلک لا إطلاق لها لحال التعارض هذا مع ضعف سندها ، وقد عرفت حال التوقیع ، وبالجملـة لا إطلاق فی الأدلّـة بالنسبـة إلی حال التعارض .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 470