ا‏لثانی‏: ا‏لأخبار ا‏لتی استدلّ بها علی حجّیة قول ا‏لمفضول

‏ ‏

الثانی : الأخبار التی استدلّ بها علی حجّیة قول المفضول

‏ ‏

‏وأمّا الأخبار فمنها : ما عن تفسیر الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ فی ذیل قولـه تعالی :‏‎ ‎‏«‏‏ ‏وَمِنهُم أُمِّیُّونَ لا یَعلَمُونَ الکِتَابَ إِلاّ أَمَانِیَّ وَإِن هُم إِلاّ یَظُنُّونَ‏ ‏‏»‏‎[1]‎‏ والحدیث‏‎ ‎‏طویل وفیـه : « ‏وأمّا من کان من الفقهاء صائناً لنفسـه‏ ‏، حافظاً لدینـه‏ ‏، مخالفاً‎ ‎علی هواه‏ ‏، مطیعاً لأمر مولاه‏ ‏، فللعوام أن یقلّدوه‏ »‏‎[2]‎‏ .‏

‏دلّ بإطلاقـه علی جواز تقلید المفضول إذا وجد فیـه الشرائط ولو مع وجود‏‎ ‎‏الأفضل أو مخالفتـه لـه فی الرأی .‏

‏لکنّـه ـ مع ضعف سنده وإمکان أن یقال إنّـه فی مقام بیان حکم آخر ، فلا‏‎ ‎‏إطلاق لـه لحال وجود الأفضل فضلاً عن صورة العلم بمخالفـة رأیـه رأی‏‎ ‎‏الأفضل مخدوش من حیث الدلالـة ، لأنّ صدره فی بیان تقلید عوام الیهود من‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 457
‏علمائهم فی الاُصول ، حیث قال : « ‏‏«‏‏ ‏وَإِن هُم إِلاّ یَظُنُّونَ‏ ‏‏»‏ ما تقول رؤساؤهم من‎ ‎تکذیب محمّد ‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ فی نبوّتـه وإمامـة علی سیّد عترتـه ‏، وهم یقلّدونهم مع‎ ‎أنّـه محرّم علیهم تقلیدهم‏ » .‏

‏ثمّ بعدما سأل الرجل عن الفرق بین عوامنا وعوامهم حیث کانوا مقلّدین ؟‏‎ ‎‏أجاب بما حاصلـه : إنّ عوامهم مع علمهم بفسق علمائهم وکذبهم وأکلهم الحرام‏‎ ‎‏والرشا وتغیـیرهم أحکام اللّٰه یقلّدونهم ، مع أنّ عقلهم یمنعهم عنـه ، ولو کان‏‎ ‎‏عوامهم ‏‏[‏‏عوامنا‏‏]‏‏ کذلک لکانوا مثلهم ثمّ قال : « ‏وأمّا من کان من الفقهاء‏ . . . » إلی‏‎ ‎‏آخره .‏

‏فیظهر منـه أنّ الذمّ لم یکن متوجّهاً إلی تقلیدهم فی اُصول العقائد کالنبوّة‏‎ ‎‏والإمامـة ، بل متوجّـه إلی تقلید فسّاق العلماء ، وأنّ عوامنا لو قلّدوا علمائهم فیما‏‎ ‎‏قلَّد الیهود علمائهم لا بأس بـه إذا کانوا صائنین لأنفسهم حافظین لدینهم . . . إلی‏‎ ‎‏آخره . فإخراج الاُصول منـه إخراج للمورد وهو مستهجن .‏

‏فلابدّ من توجیـه الروایـة بوجـه أو ردّ علمها إلی أهلها . وأمّا حملها علی‏‎ ‎‏حصول العلم من قول العلماء للعوام لحسن ظنّهم بـه وعدم انقداح خلاف الواقع‏‎ ‎‏من قولهم ، بل یکون قول العلماء لدیهم صراح الواقع وعین الحقیقـة ، فبعید بل غیر‏‎ ‎‏ممکن ، لتصریحها بأنّهم لم یکونوا إلاّ ظانّین بقول رؤسائهم وأنّ عقلهم کان یحکم‏‎ ‎‏بعدم جواز تقلید الفاسق ، مع أنّـه لو حصل العلم من قولهم للیهود لم یتوجّـه إلیهم‏‎ ‎‏ذمّ بل لم یسمّ ذلک تقلیداً .‏

‏وبالجملـة : سوق الروایـة إنّما هو فی التقلید الظنّی الذی یمکن ردع قسم‏‎ ‎‏منـه والأمر بالعمل بقسم منـه ، والالتزام بجواز التقلید فی الاُصول أو فی بعضها‏‎ ‎‏کما تری ، فالروایـة مع ضعفها سنداً واغتشاشها متناً لا تصلح للحجّیـة ، ولکن‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 458
‏یستفاد منها مع ضعف سندها أمر تاریخی یؤیّد ما نحن بصدده ، وهو أنّ التقلید بهذا‏‎ ‎‏المفهوم الذی فی زماننا کان شائعاً من زمن قدیم هو زمان الأئمّـة ، أو قریب منـه ؛‏‎ ‎‏أی من زمان تدوین « تفسیر الإمام » أو من قبلـه بزمان طویل .‏

‏ومنها : إطلاق صدر مقبولـة عمر بن حنظلـة‏‎[3]‎‏ وإطلاق مشهورة‏‎ ‎‏أبیخدیجـة‏‎[4]‎‏ . وتقریب الدلالـة أن یقال : إنّ الظاهر من صدرها وذیلها شمولها‏‎ ‎‏للشبهات الحکمیّـة ، فیؤخذ بإطلاقها فی غیر مورد واحد متعرّض لـه وهو صورة‏‎ ‎‏اختلاف الحَکَمین ، وکذا المشهورة تشملها بإطلاقها ، فإذا دلّتا علی نفوذ حکم‏‎ ‎‏الفقیـه فیها ، تدلاّن علی اعتبار فتواه فی باب فصل الخصومات ، وإلاّ فلا یعقل‏‎ ‎‏إنفاذه بدونـه ، ویفهم نفوذ فتواه وحجّیتـه فی غیره إمّا بإلغاء الخصوصیـة عرفاً ، أو‏‎ ‎‏بدعوی تنقیح المناط .‏

‏أو یقال : إنّ الظاهر من قولـه : « ‏فإذا حکم بحکمنا‏ » . إلغاء احتمال الخلاف‏‎ ‎‏من فتوی الفقیـه ، إذ لیس المراد منـه « أنّـه إذا علمتم أنّـه حکم بحکمنا » ، بل‏‎ ‎‏المراد « أنّـه إذا حکم بحکمنا بحسب نظره ورأیـه » فجعل نظره طریقاً إلی‏‎ ‎‏حکمهم ، هذا .‏

‏ولکن یرد علیـه : أنّ إلغاء الخصوصیّـة عرفاً ممنوع ، ضرورة تحقّق‏‎ ‎‏خصوصیّـة زائدة فی باب الحکومـة ربّما تکون بنظر العرف دخیلـة فیها وهی رفع‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 459
‏الخصومـة بین المتخاصمین ، وهو لا یمکن نوعاً إلاّ بحکم الحاکم النافذ ، وهذا‏‎ ‎‏أمر مرغوب فیـه لا یمکن فیـه الاحتیاط ولا یتّفق فیـه المصالحـة نوعاً ، وأمّا‏‎ ‎‏العمل بقول الفقیـه فربّما لا یکون مطلوباً ویکون المطلوب درک الواقع بالاحتیاط‏‎ ‎‏أو الأخذ بأحوط الأقوال مع تعذّر الاحتیاط التامِّ.‏

‏فدعوی أنّ العرف یفهم من المقبولـة وأمثالها حجّیـة الفتوی لا تخلو من‏‎ ‎‏مجازفـة ، وأوضح فساداً من ذلک دعوی تنقیح المناط القطعی .‏

‏وأمّا قولـه : « ‏إذا حکم بحکمنا‏ » لو سلّم إشعاره بإلغاء احتمال الخلاف فإنّما‏‎ ‎‏هو فی باب الحکومـة ، فلابدّ للسرایـة إلی باب الفتوی من دلیل وهو مفقود ،‏‎ ‎‏فالإنصاف عدم جواز التمسّک بأمثال المقبولـة للتقلید رأساً ، وکما لا یجوز‏‎ ‎‏التمسّک بصدرها علی جواز تقلید المفضول لا یجوز ببعض فقرات ذیلها علی‏‎ ‎‏وجوب تقلید الأعلم لدی مخالفـة قولـه مع غیره .‏

‏ومنها ؛ إطلاق ما فی التوقیع : « ‏وأمّا الحوادث الواقعـة فارجعوا فیها إلی‎ ‎رواة حدیثنا‏ ‏، فانّهم حجّتی علیکم وأنا حجّـة اللّٰه‏ »‏‎[5]‎‏ .‏

‏وتقریبـه : أنّ « الحوادث » أعمّ من الشبهات الحکمیّـة ، والرجوع إلی رواة‏‎ ‎‏الحدیث ظاهر فی أخذ فتواهم لا أخذ نفس الروایـة ، ورواة الحدیث کانوا من أهل‏‎ ‎‏الفتوی والرأی ، کما أنّ قولـه : « ‏فإنّهم حجّتی علیکم‏ » ، یدلّ علی أنّ فتوی رواة‏‎ ‎‏الحدیث حجّـة ، کما أنّ فتوی الإمام حجّـة ، فلا معنی لحجّیـة رواة الحدیث إلاّ‏‎ ‎‏حجیّـة فتاویهم وأقوالهم ، والحمل علی حجّیـة الأحادیث المنقولـة بتوسّطهم‏‎ ‎‏خلاف الظاهر .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 460
‏وفیـه : بعد ضعف التوقیع سنداً أنّ صدره غیر منقول إلینا ، ولعلّـه کان مکتنفاً‏‎ ‎‏بقرائن لا یفهم منها إلاّ حجّیـة حکمهم فی الشبهات الموضوعیّـة أو الأعمِّ، وکان‏‎ ‎‏الإرجاع فی القضاء لا فی الفتوی .‏

‏ومنها : ما عن الکشی بسند ضعیف عن أحمد بن حاتم بن ماهویـه قال :‏‎ ‎‏کتبت إلیـه ـ یعنی أبا الحسن الثالث ‏‏علیه السلام‏‏ أسألـه : عمّن آخذ معالم دینی ، وکتب‏‎ ‎‏أخوه أیضاً بذلک ، فکتب إلیهما : « ‏فهمت ما ذکرتما فاصمدا فی دینکما علی کلّ‎ ‎مسنّ فی حبّنا وکلّ کثیر القدم فی أمرنا‏ ‏، فإنّهما کافوکما إن شاء اللّٰه تعالی‏ »‏‎[6]‎‏ .‏

‏وفیـه : بعد ضعف السند أنّ الظاهر من سؤالـه أنّ الرجوع إلی العالم کان‏‎ ‎‏مرتکزاً فی ذهنـه ، وإنّما أراد تعیـین الإمام شخصـه ، فلا یستفاد منـه التعبّد ، کما‏‎ ‎‏أنّ الأمر کذلک فی کثیر من الروایات ، بل قاطبتها علی الظاهر .‏

‏ومنها : روایات کثیرة عن الکشی وغیره ، فیها الصحیح وغیره تدلّ علی‏‎ ‎‏إرجاع الأئمـة إلی أشخاص من فقهاء أصحابهم ، یظهر منها أنّ الرجوع إلیهم کان‏‎ ‎‏متعارفاً ، ومع وجود الأفقـه کانوا یرجعون إلی غیره ، کصحیحـة ابن أبی یعفور‏‎ ‎‏قال : قلت لأبی عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏ : إنّـه لیس کلّ ساعـة ألقاک ولا یمکن القدوم ، ویجیء‏‎ ‎‏الرجل من أصحابنا فیسألنی ولیس عندی کلّ ما یسألنی عنـه ، فقال : « ‏ما یمنعک‎ ‎من محمّد بن مسلم الثقفی‏ ‏، فإنّـه سمع من أبی وکان عنده وجیهاً‏ »‏‎[7]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 461
‏وکروایـة علی بن المسیّب‏‎[8]‎‏ ، حیث أرجعـه الرضا‏‏علیه السلام‏‏ إلی زکریّا بن آدم ،‏‎ ‎‏إلی غیر ذلک .‏

‏ویستفاد منها أنّ أخذ معالم الدین الذی هو عبارة اُخری عن التقلید کان‏‎ ‎‏مرتکزاً فی ذهنهم ومتعارفاً فی عصرهم ، ویستفاد من صحیحـة ابن أبی یعفور‏‎ ‎‏تعارف رجوع الشیعـة إلی الفقهاء من أصحاب الأئمّـة مع وجود الأفقـه بینهم ،‏‎ ‎‏وجواز رجوع الفقیـه إلی الأفقـه إذا لم یکن لـه طریق إلی الواقع .‏

‏وهذا لیس منافیاً لما ذکرنا فی أوّل الرسالـة من أنّ موضوع عدم جواز‏‎ ‎‏الرجوع إلی الغیر نفس قوّة الاستنباط ، وذلک لأنّ ما ذکرنا هناک إنّما هو فیمن لـه‏‎ ‎‏طریق إلی الاستنباط مثل زماننا ، فإنّ الکتب الراجعـة إلیـه مدوّنـة مکتوبـة بین‏‎ ‎‏أیدینا ، بخلاف ما إذا لم یمکن کذلک ، کعصر محمّد بن مسلم ، حیث إنّ الأحادیث‏‎ ‎‏فیـه کانت مضبوطـة عنده وعند نظرائـه ، ولم یکن للجاهل طریق إلیها إلاّ‏‎ ‎‏بالرجوع إلیهم ، مع إمکان أن یقال : إنّ إرجاع مثل ابـن أبی یعفور إنّما هـو فی‏‎ ‎‏سماع الحدیث ثمّ استنباطـه منـه حسب اجتهاده ، ولا إشکال فی استفادة جواز‏‎ ‎‏الرجوع إلی الفقهاء ـ بل إلی الفقیـه مع الأفقـه ـ مـن تلک الروایات . لکـن‏‎ ‎‏استفادة ذلک مع العلم الإجمالی أو التفصیلی بمخالفـة آرائهما مشکلـة ، لعدم‏‎ ‎‏العلم بذلک فی تلک الأعصار ، خصوصاً من مثل اُولئک الفقهاء والمحدّثین الذین‏‎ ‎‏کانوا من بطانة الأئمّة فالاتّکال علی مثل تلک الأدلّـة فی جواز تقلید المفضول‏‎ ‎‏مشکل ، بل غیر ممکن .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 462

  • )) البقرة ( 2 ) : 78 .
  • )) التفسیر المنسوب إلی الإمام العسکری علیه السلام: 299 ، وسائل الشیعـة 27 : 131 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 10 ، الحدیث 20 .
  • )) الکافی 1 : 67 / 10 ، وسائل الشیعة 27 : 136 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 1 .
  • )) تهذیب الأحکام 6 : 303 / 846 ، وسائل الشیعة 27 : 139 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 6 .
  • )) کمال الدین : 484 / 4 ، وسائل الشیعـة 27 : 140 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 9 .
  • )) اختیار معرفـة الرجال : 4 / 7 ، وسائل الشیعـة 27 : 151 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 45 .
  • )) اختیار معرفـة الرجال : 161 / 273 ، وسائل الشیعـة 27 : 144 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 23 .
  • )) اختیار معرفـة الرجال : 594 / 1112 ، وسائل الشیعـة 27 : 146 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 27 .