ا‏لأوّل‏: بعض ا‏لآیات ا‏لشریفة

الأوّل : بعض الآیات الشریفة

‏ ‏

‏منها : قولـه تعالی فی سورة الأنبیاء : ‏‏«‏‏ ‏وَمَا أَرسَلنَا قَبلَکَ إِلاّ رِجَالاً نُوحی‎ ‎إِلَیهِم فَسئَلُوا أَهلَ الذِّکرِ إِن کُنتُم لاَ تَعلَمُون‏ ‏‏»‏‎[1]‎‏ بدعوی أنّ إطلاقـه یقتضی جواز‏‎ ‎‏الرجوع إلی المفضول حتّی مع مخالفـة قولـه للأفضل ، سیّما مع ندرة التساوی‏‎ ‎‏بین العلماء وتوافقهم فی الآراء .‏

‏وفیـه ـ مضافاً إلی ظهور الآیـة فی أنّ أهل الذکر هم علماء الیهود‏‎ ‎‏والنصاری وإرجاع المشرکین إلیهم ، وإلی ورود روایات کثیرة فی أنّ أهل الذکر‏‎ ‎‏هم الأئمّـة‏‎[2]‎‏ بحیث یظهر منها أنّهم أهلـه لا غیر ـ أنّ الشبهـة کانت فی اُصول‏‎ ‎‏العقائد التی یجب فیها تحصیل العلم ، فیکون المراد : « اسألوا أهل الذکر حتّی‏‎ ‎‏یحصل لکم العلم إن کنتم لا تعلمون » ومعلوم أنّ السؤال عن واحد منهم لا یوجب‏‎ ‎‏العلم ، ففی الآیـة إهمال من هذه الجهـة ، فیکون المراد أنّ طریق تحصیل العلم‏‎ ‎‏لکم هو الرجوع إلی أهل الذکر ، کما یقال للمریض : إنّ طریق استرجاع الصحّـة‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 452
‏هو الرجوع إلی الطبیب وشرب الدواء ، فلیس لها إطلاق یقتضی الرجوع إلی‏‎ ‎‏الفاضل أو المفضول مع تعارض قولهما .‏

‏ولایبعد أن یقال : إنّ الآیـة بصدد إرجاعهم إلی أمر ارتکازی هو الرجوع‏‎ ‎‏إلی العالم ، ولا تکون بصدد تحمیل تعبّدی وإیجاب مولوی .‏

‏ومنها : آیـة النفر ‏‏«‏‏ ‏وَمَا کَانَ المُؤمِنُون لِیَنفِرُوا کَافَّةً فَلَولا نَفَرَ مِن کُلِّ فِرقَةٍ‎ ‎مِنهُم طَائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَلِیُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَیهِم لَعَلَّهُم‎ ‎یَحذَرُونَ‏ ‏‏»‏‎[3]‎‏ .‏

‏والاستدلال بها للمطلوب یتوقّف علی اُمور :‏

‏منهـا : استفادة وجوب النفر منها .‏

‏ومنها : کون التفقّـه غایـة لـه .‏

‏ومنها : کون الإنذار من جنس ما یتفقّـه فیـه .‏

‏ومنها : انحصار التفقّـه بالفرعیّات .‏

‏ومنها : کون المنذر ـ بالکسر ـ کلّ واحد من النافرین .‏

‏ومنها : کون المنذَر ـ بالفتح ـ کلّ واحد من الطائفـة الباقیـة .‏

‏ومنها : کون التحذر عبارة عن العمل بقول المنذر .‏

‏ومنها : وجوب العمل بقولـه ، حصل العلم منـه أو لا ، خالف قول غیره أو لا .‏

‏فیصیر مفاد الآیـة بعد تسلیم المقدّمات : « یجب علی کلّ واحد من کلّ‏‎ ‎‏طائفـة من کلّ فرقـة النفر لتحصیل الفروع العملیّـة ، لیبیّنها لکلّ واحد من الباقین ،‏‎ ‎‏لیعمل المنذر بقولـه ، حصل العلم منـه أو لا ، وخالف قول غیره أو لا » .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 453
‏وأنت خبیر بعدم سلامـة جمیع المقدّمات لو سلم بعضها ، فلک أن تمنع کون‏‎ ‎‏التفقّـه غایـة النفر بأن یقال : إنّ قولـه : ‏‏«‏‏ ‏وَمَا کَانَ المُؤمِنُون لِیَنفِرُوا کَافَّةً‏ ‏‏»‏‏یحتمل‏‎ ‎‏أن یکون إخباراً فی مقام الإنشاء ، أی لیس لهم النفر العمومی ، کما ورد أنّ القوم‏‎ ‎‏کانوا ینفرون کافّـة للجهاد وبقی رسول اللّٰه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ وحده ، فورد النهی عن النفر‏‎ ‎‏العمومی والأمر بنفر طائفـة للجهاد .‏

‏فحینئذٍ لا یکون التفقّـه غایـة للنفر إذا کان التفقـه لغیر النافرین ؛ أی‏‎ ‎‏الباقین . لکن الإنصاف أنّ ذلک خلاف ظاهرها ، بل ظاهرها أنّ المؤمنین بحسب‏‎ ‎‏اشتغالهم باُمور المعاش ونظم الدنیا ما کانوا لینفروا جمیعاً ، أی النفر العمومی لیس‏‎ ‎‏میسوراً لهم ، ولولا نفر من کلّ فرقـة طائفـة منهم للتفقّـه ؟ ولا إشکال فی أنّ‏‎ ‎‏الظاهر منـه مع قطع النظر عن قول المفسّرین هو کون التفقّـه غایـة لـه .‏

‏وأمّا کون الإنذار من سنخ ما یتفقّـه فیـه ؛ أی بیان الأحکام بنحو الإنذار‏‎ ‎‏فلیست الآیـة ظاهرة فیـه ، بل الظاهر منها أنّ غایـة النفر أمران :‏

‏أحدهما : التفقّـه فی الدین وفهم الأحکام الدینیّـة .‏

‏والآخر : إنذار القوم وموعظتهم . فیکون المراد : یجب علی الفقیـه إنذار‏‎ ‎‏القوم وإیجاد الخوف من بأس اللّٰه فی قلوبهم ، فإذا خافوا یحکم عقلهم بوجوب‏‎ ‎‏تحصیل المؤمِّن ، فلا محیص لهم إلاّ العلم بالأحکام مقدّمـة للعمل بها ، وأمّا‏‎ ‎‏وجوب العمل بقول المنذر فلا تدّل الآیـة علیـه .‏

‏ودعوی أنّ الإنذار لابدّ وأن یکون من جنس ما یتفقّـه فیـه ، وإلاّ فأ یّـة‏‎ ‎‏مناسبـة للفقیـه معـه ، ممنوعـة ، لأنّ الإنذار مناسب للفقیـه ، لأنّـه یعلم حدوده‏‎ ‎‏وکیفیّتـه وشرائط الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، مع أنّ لکلامـه تأثیراً فی‏‎ ‎‏القوم ما لا یکون لکلام غیره ، لعلوّ مقامـه وعظم شأنـه لدیهم ، وأمّا التفقّـه فی‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 454
‏الدین فهو أعمّ من الاُصول والفروع ، فلا وجـه لاختصاصـه بالثانی ، والأخبار‏‎ ‎‏الواردة فی تفسیرها تدلّ علی تعمیمـه . فحینئذٍ لا یمکن أن یقال بوجوب قبول‏‎ ‎‏قولـه تعبّداً ، لعدم جریانـه فی الاُصول .‏

‏اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ إطلاقها علی فرضـه یقتضی قبول قول الغیر فی‏‎ ‎‏الاُصول والفروع ویقیّد إطلاقها عقلاً فی الاُصول وتبقی الفروع .‏

‏وأمّا کون المنذر ـ بالکسر ـ کلّ واحد من الطائفـة فلا إشکال فی ظهور‏‎ ‎‏الآیـة فیـه ، لکنّ الظاهر منها أنّ کل واحد من المنذرین یجب علیـه إنذار القوم‏‎ ‎‏جمیعاً ، ومعـه لا تدلّ الآیـة علی وجوب القبول من کلّ واحد منهم ، فإنّـه بإنذار‏‎ ‎‏کلّ واحد منهم قومهم ربّما یحصل لهم العلم .‏

‏وأمّا کون التحذّر بمعنی التحذّر العملی أی قبول قول الغیر والعمل بـه فهو‏‎ ‎‏خلاف ظاهرها ، بل التحذّر إمّا بمعنی الخوف ، وإمّا بمعنی الاحتراز وهو الترک عن‏‎ ‎‏خوف ، والظاهر أنّـه بمعنی الخوف الحاصل عن إنذار المنذرین ، وهو أمر غیر‏‎ ‎‏اختیاری لا یمکن أن یتعلّق بعنوانـه الأمر ، نعم یمکن تحصیلـه بمقدّمات اختیاریّـة‏‎ ‎‏کالحبّ والبغض وأمثالهما ، هذا کلّـه مع أنّـه لا إطلاق للآیـة ، ضرورة أنّها بصدد‏‎ ‎‏بیان کیفیّـة النفر وأنّـه إذن لا یمکن للناس نفر عمومی ، فلِمَ لا ینفر طائفـة منهم ،‏‎ ‎‏فإنّـه میسور لهم ؟ !‏

‏وبالجملـة : لا یجوز للناس سدّ باب التفقّـه والتعلّم بعذر الاشتغال باُمور‏‎ ‎‏الدنیا ؛ فإنّ أمر الدین کسائر اُمورهم یمکن قیام طائفـة بـه ، فلابدّ من التفقّـه‏‎ ‎‏والإنذار ، وأمّا وجوب قبول السامع بمجرّد السماع فلا إطلاق للآیـة یدلّ علیـه ،‏‎ ‎‏فضلاً عن إطلاقها لحال التعارض .‏

‏والإنصاف : أنّ الآیـة أجنبیّـة عن حجّیـة قول المفتی ، کما أنّها أجنبیّـة عن‏‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 455
‏حجّیـة قول المخبر ، بل مفادها ـ والعلم عند اللّٰه ـ أنّـه یجب علی طائفـة من کلّ‏‎ ‎‏فرقـة أن یتفقّهوا فی الدین ویرجعوا إلی قومهم وینذروهم بالمواعظ والإنذارات‏‎ ‎‏والبیانات الموجبـة لحصول الخوف فی قلوبهم لعلّهم یحذرون ، ویحصل فی‏‎ ‎‏قلوبهم الخوف قهراً ، فإذا حصل الخوف فی قلوبهم یدور رحی الدیانـة ویقوم‏‎ ‎‏الناس بأمرها قهراً لسوقهم عقلهم نحو القیام بالوظائف .‏

‏هذا حالها مع قطع النظر عن الروایات الواردة فی تفسیرها ، ومع النظر إلیها‏‎ ‎‏أیضاً لا تدلّ علی المطلوب .‏

‏لأنّ منها : ما تدلّ علی أنّ الإمام إذا مات لم یکن للناس عذر فی عدم معرفـة‏‎ ‎‏الإمام الذی بعده ، أمّا من فی البلد فلرفع حجّتـه ، وأمّا غیر الحاضر فعلیـه النفر‏‎ ‎‏إذا بلغـه‏‎[4]‎‏ .‏

‏ومنها : ما دلّ علی أنّ تکلیف الناس بعد الإمام الطلب وأنّ النافرین فی عذر‏‎ ‎‏ما داموا فی الطلب ، والمنتظرین فی عذر حتّی یرجع إلیهم أصحابهم‏‎[5]‎‏ . ومعلوم أنّ‏‎ ‎‏قول النافرین بمجرّده لیس بحجّـة فی باب الإمامـة .‏

‏ومنها : ما وردت فی علّـة الحجِّ، وفیها : « ولأجل ما فیـه من التفقّـه ونقل‏‎ ‎‏أخبار الأئمّـة إلی کلّ صقع وناحیـة »‏‎[6]‎‏ .‏

‏ومنها : ما دلّ علی أنّـه تعالی أمرهم أن ینفروا إلی رسول اللّٰه‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 456
‏فیتعلّموا ، ‏‏ثمّ یرجعوا إلیهم فیعلّموهم ، وهو معنی قولـه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : « ‏اختلاف اُمّتی‎ ‎رحمـة‏ »‏‎[7]‎‏ . وهذه الطائفـة أیضاً لا تدلّ علی وجوب القبول بمجرّد السماع فضلاً‏‎ ‎‏عن حال التعارض ، هذا حال الآیات الشریفـة والآیات الاُخری التی استدلّ بها‏‎ ‎‏أضعف دلالـة منها .‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 457

  • )) الأنبیاء ( 21 ) : 7 .
  • )) راجع الکافی 1 : 210 .
  • )) التوبـة ( 9 ) : 122 .
  • )) راجع الکافی 1 : 378 / 2 و3 .
  • )) راجع الکافی 1 : 378 / 1 .
  • )) راجع وسائل الشیعـة 27 : 96 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 8 ، الحدیث 65 .
  • )) راجع وسائل الشیعـة 27 : 140 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 10 .