الجواب الثانی : کفایة عدم الردع للبناء الفعلی لإ حراز رضی الشارع
نعم یقع الإشکال من جهـة اُخری ، وهی أنّـه لا شکّ فی أنّ هذه الاختلافات الکثیرة الموجودة بین أهل الفتیا فی مثل هذا الزمان لم تکن فی زمان الأئمّـة علیهم السلام قطعاً ، وحینئذٍ فکیف یمکن إحراز رضی الشارع وإمضائـه لبناء العقلاء الموجود فعلاً ، بعد اختلافـه مع البناء المتحقّق فی الزمان السابق اختلافاً کثیراً لا یمکن أن یقاس أحدهما بالآخر أصلاً ؟ فلا محیص حینئذٍ عن التوسّل بأنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 444
عدم الردع للبناء الفعلی یکفی فی إحراز رضی الشارع وتنفیذه لـه .
توضیحـه : أنّـه لا شکّ فی أنّـه لم یکن بناء الشارع فی تبلیغ الأحکام وهدایـة الأنام إلاّ علی التوسّل بالطرق العقلائیّـة والاُمور العادیّـة ، ولم یکن بناءه فی مقام بیان الأحکام علی الرجوع إلی علمـه بالمغیبات وتبلیغ الأحکام حسب ما یعطیـه ذلک العلم .
وحینئذٍ : فلیس دعوانا أنّ الشارع کان علیـه أن یردع عن هذه الطریقـة الفعلیّـة لو کانت غیر مرضیّـة لـه راجعـة إلی أنّـه لأجل کونـه عالماً بالمغیبات لابدّ لـه الردع أو الإمضاء بالنسبـة إلی الاُمور المستقبلـة والمتأخّرة عن زمانـه ، وإذا لم یردع یکشف ذلک عن رضاه بذلک .
بل نقول : إنّ هذه المسألـة وهی الاجتهاد والاستنباط والرجوع إلی العالم بهذا النحو المعمول المتغایر لما کان متحقّقاً فی الزمان السابق ممّا یقتضی طبع الأمر حدوثها فی هذه الأزمنـة ، بحیث لم یکن حدوثها مخفیّاً علی العارفین بمسألـة الإمامـة وأنّـه یغیب الثانی عشر من شموس الهدایـة مدّة طویلـة عن أعین الناس وأنظار العامّـة ، بحیث لا یکاد یمکن لهم الرجوع إلیـه والاستضاءة من نور الولایـة ، وفی ذلک الزمان لابدّ للناس من الرجوع إلی علمائهم والاستفتاء منهم مع شدّة اختلافهم بحیث قلّما یتّفق اتّحاد فتوی فقیـه واحد فی کتبـه المختلفـة ، بل فی جمیع المواضع من کتاب واحد ، فضلاً عن اتّحاد فقیهین أو الفقهاء منهم ، وکما أنّ أصل غیبـة الإمام علیه السلامواضطرار الناس إلی الرجوع إلی فقهائهم کان معلوماً فی زمان الأئمّـة علیهم السلاملخواصّ أصحابهم ، فضلاً عن أنفسهم ، کذلک وجود هذا الاختلاف الکثیر وشدّة الشقاق وکثرة الآراء والأقوال فی زمان الغیبـة کان معلوماً لدیهم أیضاً ، بل یمکن أن یقال ـ کما هو الظاهر ـ إنّهم علیهم السلام
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 445
عمدوا إلی إیجاد هذا الاختلاف وهیّأوا مقدّماتـه اختیاراً ، لغرض بقاء الدین ، وصیرورة النظر فی الروایات الصادرة عنهم ، واستخراج مراداتهم من الفنون حتّی یهمّ بعض الناس الورود فی هذا الفنّ وصرف أوقاتـه فیـه ، وبذلک یتحقّق حزب إلهی فی مقابل سائر الأحزاب ، ولو أنّهم کانوا قد جمعوا آرائهم فی رسالـة واحدة ونشروها بین الاُمّـة لیرجع إلیها کلّ من یقتدی بهم من دون تکلّف ومشقّـة نعلم قطعاً بأنّـه لم یکن یبقی من الدین فی مثل هذه الأزمنـة عین ولا أثر ، کما هو ظاهر لمن تدبّر .
وبالجملـة : فلا ینبغی الشکّ فی أنّ هذا الوضع الفعلی کان معلوماً فی زمان الأئمّـة علیهم السلام لا لأجل کونهم مطّلعین علی ما یکون ، بل لأجل کون طبع الأمر ینجرّ إلی ذلک ، ومع ذلک فلا محیص عن الالتزام بأنّ عدم ردعهم یکشف عن إمضاء الشارع وتنفیذه لنفس هذه الطریقـة ، فافهم واغتنم .
إذا عرفت ذلک فنقول :
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 446