الجواب الأوّل : ثبوت الاجتهاد والتقلید بهذا النحو فی زمن الأئمّة علیهم السلام
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ الظاهر ثبوت التقلید والاجتهاد بهذا النحو فی زمن الأئمّـة علیهم السلام ولنا علی ذلک شواهد کثیرة من الروایات الواردة عنهم علیهم السلام وهی علی طائفتین یکفی إثبات مضمون إحداهما علی سبیل منع الخلوِّ.
الطائفـة الاُولی : ما یستفاد منـه جواز الاجتهاد والاستنباط :
منها : ما رواه ابن إدریس فی آخر السرائر نقلاً من کتاب هشام بن سالم عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال : « إنّما علینا أن نلقی إلیکم الاُصول وعلیکم أن تفرّعوا » . ونقل من کتاب أحمد بن محمد بن أبی نصر عن الرضا علیه السلام قال : « علینا إلقاء الاُصول وعلیکم التفریع » ، وهل الاجتهاد إلاّ التفریع علی الاُصول المأخوذة عنهم والقواعد المسموعـة منهم ؟ ألا تری أنّ جمیع المباحث المذکورة فی باب الاستصحاب التی ربّما تبلغ إلی کتاب مستقل یدور حول « لا تنقض الیقین بالشکِّ» الذی هو أصل من الاُصول الصادرة عنهم ؟ وهکذا سائر التفریعات .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 440
وبالجملـة : لا مجال للمناقشـة فی أنّ الاجتهاد عند الإمامیّـة ـ رضوان اللّٰه علیهم ـ هو التفریع علی خصوص القواعد المتلقّاة عنهم فی قبال الجمهور الذین یعملون بالقیاس والاستحسان مع عدم کونهما من الدین ، بل یوجبان محقـه ، کما ورد فی روایـة أبان : « أنّ السنّـة إذا قیست محق الدین » .
ومنها : ما رواه أبو حیون مولی الرضا عن الرضا علیه السلام قال : « من ردّ متشابـه القرآن إلی محکمـه فقد هدی إلی صراط مستقیم » ثمّ قال : « إنّ فی أخبارنا محکماً کمحکم القرآن ، ومتشابهاً کمتشابـه القرآن ، فردّوا متشابهها إلی محکمها ، ولا تتّبعوا متشابهها دون محکمها فتضلّوا » .
فإنّ ردّ المتشابـه إلی المحکم لا یتیسّر بدون الاجتهاد ، ولا یمکن أن یتحقّق بدون مقدّماتـه .
ومنها : ما رواه داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبداللّٰه علیه السلام یقول : « أنتم أفقـه الناس إذا عرفتم معانی کلامنا ، إنّ الکلمـة لتنصرف علی وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف کلامـه کیف شاء ولا یکذب » ، فإنّ تشخیص الوجـه المقصود للإمام علیه السلام لا یمکن بدون الاجتهاد .
ومنها : الأخبار الدالّـة علی حرمـة الفتوی بغیر علم الظاهرة فی عدم تحریمها إذا کان بعلم وحجّـة .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 441
ومنها : الأخبار العلاجیّـة الواردة فی علاج تعارض الخبرین وأنّـه یؤخذ بموافق الکتاب ومخالف العامّـة ، فإنّ تشخیص الموافق للکتاب عن غیره ومخالف العامّـة عن غیره لا یمکن بدون الاجتهاد ، کما هو واضح .
ومنها : خصوص المقبولـة الواردة فی تعارض الحکمین واختلافهما لأجل الاختلاف فی مستند حکمهما ، فإنّها ظاهرة فی أنّ الحاکم یجوز لـه استنباط الحکم من الروایات الصادرة عنهم فی الشبهات الحکمیّـة والحکم علی طبقـه ، کما لایخفی .
ومنها : ما یدلّ علی النهی عن الحکم بغیر ما أنزل اللّٰه الظاهر فی جواز الحکم بما أنزل اللّٰه .
ومـن الواضـح أنّ تشخیص مـا أنزل اللّٰه لا یکـاد یمکن بدون مراعاة جهات الواقعـة ، واختلاف مـا ورد فیها مـن الأدلّـة ، وتشخیص مـا هـو الحـقّ عن غیره .
ومنها : روایـة علی بن أسباط قال : قلت للرضا علیه السلام : یحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفتـه ، ولیس فی البلد الذی أنا فیـه أحد أستفتیـه من موالیک ؟ قال : فقال : « ائت فقیـه البلد فاستفتـه من أمرک ، فإذا أفتاک بشیء فخذ بخلافـه ، فإنّ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 442
الحقّ فیـه » . وهذا یدلّ علی أنّ الاستفتاء والرجوع إلی فتوی الفقیـه فی زمان الأئمّـة علیهم السلام أیضاً کان مفروغاً عنـه عندهم وأمراً متداولاً بینهم . غایـة الأمر أنّ السائل فی هذه الروایـة إنّما یسأل عمّا لو لم یکن فی البلد من یستفتیـه من فقهاء الإمامیّـة .
ومنها : مـارواه فی المستدرک عـن نهج البلاغة قـال علیه السلام فیما کتب إلـی قثم بن عباس : « واجلس لهم العصرین فافت للمستفتی وعلّم الجاهل وذاکر العالم » .
ومنها : روایـة یونس الطویلـة الواردة فی الاستحاضـة الدالّـة علی جواز الاجتهاد ، حیث إنّـه علیه السلام یستدلّ بکلام النبی صلی الله علیه و آله وسلم ویعلّم طریق الاجتهاد والاستفادة من الکلمات الصادرة عنهم .
ومنها : روایـة زرارة الواردة فی باب المسح الدالّـة علی سؤالـه عن الإمام علیه السلام حیث حکم بأنّ المسح علی بعض الرأس ، وجوابـه بأنّـه لمکان الباء ، ولم ینکر علیـه طریق الاستفادة من الکتاب ، کما هو شأن المجتهد .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 443
ومنها : روایـة عبد الأعلی الواردة فی المسح علی المرارة الدالّـة علی أنّ هذا وأشباهـه یعرف من کتاب اللّٰه ولا یحتاج إلی السؤال .
ومنها : ما قالـه أبو جعفر علیه السلام لأبان بن تغلب ممّا یدلّ علی حبّـه علیه السلام لأن یجلس فی المدینـة ویبیّن للناس مسائل الحلال والحرام ویفتی لهم .
ومنها : غیر ذلک .
وأمّا الطائفـة الثانیـة الدالّـة علی إرجاع العوام من الناس إلی الخواصّ من أصحابهم فکثیرة جدّاً ، کما یظهر بالتـتبّع فی مظانّها .
وبالجملـة : فالمناقشـة فی أصل وجود الاجتهاد والتقلید فی تلک الأزمنـة ممّا لا ینبغی الإصغاء إلیها .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 444