الجواب الأوّل‏: ثبوت الاجتهاد والتقلید بهذا النحو فی زمن الأئمّة علیهم‏السلام

الجواب الأوّل : ثبوت الاجتهاد والتقلید بهذا النحو فی زمن الأئمّة علیهم السلام

‏ ‏

ویرد علیـه أوّلاً‏ : أنّ الظاهر ثبوت التقلید والاجتهاد بهذا النحو فی زمن‏‎ ‎‏الأئمّـة  ‏‏علیهم السلام‏‏ ولنا علی ذلک شواهد کثیرة من الروایات الواردة عنهم  ‏‏علیهم السلام‏‏ وهی‏‎ ‎‏علی طائفتین یکفی إثبات مضمون إحداهما علی سبیل منع الخلوِّ.‏

‏ال‏طائفـة الاُولی‏ : ما یستفاد منـه جواز الاجتهاد والاستنباط :‏

منها‏ : ما رواه ابن إدریس فی آخر السرائر نقلاً من کتاب هشام بن سالم عن‏‎ ‎‏أبی عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏ قال : « ‏إنّما علینا أن نلقی إلیکم الاُصول وعلیکم أن تفرّعوا‏ »‏‎[1]‎‏ .‏‎ ‎‏ونقل من کتاب أحمد بن محمد بن أبی نصر عن الرضا ‏‏علیه السلام‏‏ قال : « ‏علینا إلقاء‎ ‎الاُصول وعلیکم التفریع‏ »‏‎[2]‎‏ ، وهل الاجتهاد إلاّ التفریع علی الاُصول المأخوذة‏‎ ‎‏عنهم والقواعد المسموعـة منهم ؟ ألا تری أنّ جمیع المباحث المذکورة فی باب‏‎ ‎‏الاستصحاب التی ربّما تبلغ إلی کتاب مستقل یدور حول « لا تنقض الیقین‏‎ ‎‏بالشکِّ» الذی هو أصل من الاُصول الصادرة عنهم ؟ وهکذا سائر التفریعات .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 440
‏وبالجملـة : لا مجال للمناقشـة فی أنّ الاجتهاد عند الإمامیّـة ـ رضوان‏‎ ‎‏اللّٰه علیهم ـ هو التفریع علی خصوص القواعد المتلقّاة عنهم فی قبال الجمهور‏‎ ‎‏الذین یعملون بالقیاس والاستحسان مع عدم کونهما من الدین ، بل یوجبان‏‎ ‎‏محقـه ، کما ورد فی روایـة أبان : « ‏أنّ السنّـة إذا قیست محق الدین‏ »‏‎[3]‎‏ .‏

ومنها‏ : ما رواه أبو حیون مولی الرضا عن الرضا ‏‏علیه السلام‏‏ قال : « ‏من ردّ متشابـه‎ ‎القرآن إلی محکمـه فقد هدی إلی صراط مستقیم‏ » ثمّ قال : « ‏إنّ فی أخبارنا‎ ‎محکماً کمحکم القرآن‏ ‏، ومتشابهاً کمتشابـه القرآن‏ ‏، فردّوا متشابهها إلی‎ ‎محکمها‏ ‏، ولا تتّبعوا متشابهها دون محکمها فتضلّوا‏ »‏‎[4]‎‏ .‏

‏فإنّ ردّ المتشابـه إلی المحکم لا یتیسّر بدون الاجتهاد ، ولا یمکن أن‏‎ ‎‏یتحقّق ‏‏بدون مقدّماتـه .‏

ومنها‏ : ما رواه داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏ یقول : « ‏أنتم أفقـه‎ ‎الناس إذا عرفتم معانی کلامنا‏ ‏، إنّ الکلمـة لتنصرف علی وجوه‏ ‏، فلو شاء إنسان‎ ‎لصرف کلامـه کیف شاء ولا یکذب‏ »‏‎[5]‎‏ ، فإنّ تشخیص الوجـه المقصود‏‎ ‎‏للإمام ‏‏علیه السلام‏‏ لا یمکن بدون الاجتهاد .‏

ومنها‏ : الأخبار الدالّـة علی حرمـة الفتوی بغیر علم الظاهرة فی عدم‏‎ ‎‏تحریمها إذا کان بعلم وحجّـة‏‎[6]‎‏ .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 441
ومنها‏ : الأخبار العلاجیّـة‏‎[7]‎‏ الواردة فی علاج تعارض الخبرین وأنّـه‏‎ ‎‏یؤخذ بموافق الکتاب ومخالف العامّـة ، فإنّ تشخیص الموافق للکتاب عن غیره‏‎ ‎‏ومخالف العامّـة عن غیره لا یمکن بدون الاجتهاد ، کما هو واضح .‏

ومنها‏ : خصوص المقبولـة‏‎[8]‎‏ الواردة فی تعارض الحکمین واختلافهما‏‎ ‎‏لأجل الاختلاف فی مستند حکمهما ، فإنّها ظاهرة فی أنّ الحاکم یجوز لـه استنباط‏‎ ‎‏الحکم من الروایات الصادرة عنهم فی الشبهات الحکمیّـة والحکم علی طبقـه ،‏‎ ‎‏کما لایخفی .‏

ومنها‏ : ما یدلّ علی النهی عن الحکم بغیر ما أنزل اللّٰه‏‎[9]‎‏ الظاهر فی جواز‏‎ ‎‏الحکم بما أنزل اللّٰه .‏

‏ومـن الواضـح أنّ تشخیص مـا أنزل اللّٰه لا یکـاد یمکن بدون مراعاة‏‎ ‎‏جهات الواقعـة ، واختلاف مـا ورد فیها مـن الأدلّـة ، وتشخیص مـا هـو الحـقّ‏‎ ‎‏عن غیره .‏

ومنها‏ : روایـة علی بن أسباط قال : قلت للرضا ‏‏علیه السلام‏‏ : یحدث الأمر لا أجد‏‎ ‎‏بدّاً من معرفتـه ، ولیس فی البلد الذی أنا فیـه أحد أستفتیـه من موالیک ؟ قال :‏‎ ‎‏فقال : « ‏ائت فقیـه البلد فاستفتـه من أمرک‏ ‏، فإذا أفتاک بشیء فخذ بخلافـه‏ ‏، فإنّ‎ ‎


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 442
الحقّ فیـه‏ »‏‎[10]‎‏ . وهذا یدلّ علی أنّ الاستفتاء والرجوع إلی فتوی الفقیـه فی زمان‏‎ ‎‏الأئمّـة  ‏‏علیهم السلام‏‏ أیضاً کان مفروغاً عنـه عندهم وأمراً متداولاً بینهم . غایـة الأمر أنّ‏‎ ‎‏السائل فی هذه الروایـة إنّما یسأل عمّا لو لم یکن فی البلد من یستفتیـه من فقهاء‏‎ ‎‏الإمامیّـة .‏

ومنها‏ : مـارواه فی المستدرک عـن نهج البلاغة قـال ‏‏علیه السلام‏‏ فیما کتب إلـی‏‎ ‎‏قثم بن عباس : « ‏واجلس لهم العصرین فافت للمستفتی وعلّم الجاهل وذاکر‎ ‎العالم‏ »‏‎[11]‎‏ .‏

ومنها‏ : روایـة یونس الطویلـة‏‎[12]‎‏ الواردة فی الاستحاضـة الدالّـة علی‏‎ ‎‏جواز الاجتهاد ، حیث إنّـه ‏‏علیه السلام‏‏ یستدلّ بکلام النبی ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ویعلّم طریق الاجتهاد‏‎ ‎‏والاستفادة من الکلمات الصادرة عنهم .‏

ومنها‏ : روایـة زرارة‏‎[13]‎‏ الواردة فی باب المسح الدالّـة علی سؤالـه عن‏‎ ‎‏الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ حیث حکم بأنّ المسح علی بعض الرأس ، وجوابـه بأنّـه لمکان الباء ،‏‎ ‎‏ولم ینکر علیـه طریق الاستفادة من الکتاب ، کما هو شأن المجتهد .‏


کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 443
ومنها‏ : روایـة عبد الأعلی‏‎[14]‎‏ الواردة فی المسح علی المرارة الدالّـة علی‏‎ ‎‏أنّ هذا وأشباهـه یعرف من کتاب اللّٰه ولا یحتاج إلی السؤال .‏

ومنها‏ : ما قالـه أبو جعفر ‏‏علیه السلام‏‏ لأبان بن تغلب ممّا یدلّ علی حبّـه ‏‏علیه السلام‏‏ لأن‏‎ ‎‏یجلس فی المدینـة ویبیّن للناس مسائل الحلال والحرام ویفتی لهم‏‎[15]‎‏ .‏

ومنها‏ : غیر ذلک .‏

وأمّا الطائفـة الثانیـة‏ الدالّـة علی إرجاع العوام من الناس إلی الخواصّ من‏‎ ‎‏أصحابهم فکثیرة جدّاً ، کما یظهر بالتـتبّع فی مظانّها‏‎[16]‎‏ .‏

وبالجملـة‏ : فالمناقشـة فی أصل وجود الاجتهاد والتقلید فی تلک الأزمنـة‏‎ ‎‏ممّا لا ینبغی الإصغاء إلیها .‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 444

  • )) السرائر 3 : 575 ، وسائل الشیعـة 27 : 61 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 6 ، الحدیث 51 .
  • )) السرائر 3 : 575 ، وسائل الشیعـة 27 : 62 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 6 ، الحدیث 52 .
  • )) الکافی 1 : 46 / 15 ، وسائل الشیعـة 27 : 41 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 6 ، الحدیث 10 .
  • )) عیون أخبار الرضا علیه السلام 1 : 290 / 39 ، وسائل الشیعـة 27 : 115 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 22 .
  • )) معانی الأخبار : 1 / 1 ، وسائل الشیعـة 27 : 117 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 27 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 27 : 20 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 4 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 27 : 106 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 .
  • )) الکافی 1 : 54 / 10 ، وسائل الشیعة 27 : 106 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 1 .
  • )) راجع وسائل الشیعـة 27 : 31 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 5 .
  • )) عیون أخبار الرضا علیه السلام 1 : 275 / 10 ، وسائل الشیعـة 27 : 115 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 9 ، الحدیث 23 .
  • )) نهج البلاغـة : 457 / 67 ، مستدرک الوسائل 17 : 315 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 ، الحدیث 15 .
  • )) الکافی 3 : 83 / 1 ، وسائل الشیعة 2 : 276 ، کتاب الطهارة ، أبواب الحیض ، الباب 3 ، الحدیث 4 .
  • )) الفقیـه 1 : 56 / 212 ، وسائل الشیعـة 1 : 412 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 23 ، الحدیث 1 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 363 / 1097 ، وسائل الشیعـة 1 : 464 ، کتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 39 ، الحدیث 5 .
  • )) وسائل الشیعـة 30 : 291 ، الفائدة الثانیـة عشرة .
  • )) راجع وسائل الشیعـة 27 : 136 ، کتاب القضاء ، أبواب صفات القاضی ، الباب 11 .