مقتضی الأصل الأوّلی : وجوب تقلید الأعلم
وربّما یستدلّ علی تعیّن الرجوع إلی الأعلم تارةً : بأنّ جواز الرجوع إلیـه إجماعی ، وجواز الرجوع إلی غیره مع وجوده مشکوک فیـه ، فیتعیّن الرجوع إلیـه ، لأنّ جواز الرجوع إلی الغیر والأخذ بقولـه فی مقام العمل یحتاج إلی الدلیل ، ولا دلیل علیـه بالنسبـة إلی غیر الأعلم معـه .
واُخری : بأنّـه یدور الأمر بین التعیـین والتخیـیر ، ولابدّ هنا من الأخذ
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 436
بخصوص المعیّن وإن قلنا بجریان البراءة عند دوران الأمر بینهما فی سائر الموارد ، لأنّ مورد الدوران هنا هو الطریق والحجّـة ، لأنّ فتوی العالم طریق للجاهل وحجّـة بالنسبـة إلیـه ، فالأمر دائر بین کون الحجّـة هو خصوص فتوی الأعلم وکان فتوی العالم أیضاً طریقاً ، فالأمر یرجع إلی الشکّ فی طریقیّـة قول العالم مع وجود الأعلم ، ولا ریب فی أنّ الطریقیّـة والحجّیـة تحتاج إلی الدلیل ، ولا دلیل بالنسبـة إلیـه ، کما لایخفی .
وثالثـة : بدلیل الانسداد بتقریب أنّ الرجوع إلی العلم التفصیلی فی کلّ مسألـة متعذّر بالنسبـة إلی الناس ، والامتثال العلمی الإجمالی الراجع إلی الاحتیاط التامّ غیر جائز أو غیر واجب ، والرجوع إلی المفضول عند وجود الفاضل ترجیح للمرجوح علی الراجح ، فیتعیّن الرجوع إلی الفاضل .
ویرد علی هذا الدلیل أنّـه لا مانع من التبعیض فی الاحتیاط ، ولا یکون الرجوع إلی المفضول ترجیحاً للمرجوح علی الراجح مطلقاً ، لأنّـه قد یکون فتوی المفضول مطابقاً للأفضل من الفاضل الموجود ، کما لایخفی ، هذا .
وربّما استدلّ علی عدم تعیّن الفاضل بالاستصحاب ؛ أی : استصحاب التخیـیر الثابت فیما إذا کانا متساویـین فی العلم أوّلاً ثمّ فضل أحدهما علی الآخر ، فإنّ زوال ذلک التخیـیر بحدوث الفضل فی أحدهما غیر معلوم ، فیستصحب .
وقد ردّ علیهم هذا الاستدلال بالاستصحاب من الطرف الآخر ، وتقریبـه أنّـه إذا لم یکن فی البین إلاّ مجتهد واحد ، ثمّ وجد آخر مفضول ، فإنّـه مع وجوده یشکّ فی زوال تعیّن الرجوع إلی الأوّل الثابت قبل وجود الآخر .
ولابدّ لنا من التکلّم فی مثل هذه الاستصحابات ونقول : قد أجاب الشیخ قدس سره
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 437
عن استصحاب التخیـیر ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ بأنّ التخیـیر الثابت فی حال التساوی إنّما کان باعتبار القطع بعدم ترجیح أحدهما علی الآخر فی العلم ونحوه ممّا یشکّ فی کونـه مرجّحاً فحیث زال القطع المزبور بحدوث ما یحتمل کونـه مرجّحاً ، أعنی الفضل فی أحدهما امتنع الاستصحاب ، هذا .
وربّما یجاب عنـه أیضاً : بأنّ التخیـیر المستصحب حکم عقلی ، ولا یجوز استصحاب الأحکام العقلیّـة .
ولکنّـه یندفع بأنّ المستصحب هو التخیـیر الشرعی المستکشف من التخیـیر العقلی بقاعدة الملازمـة ، ولکنّـه مع ذلک لا مجال لاستصحابـه ، لأنّ الأحکام الشرعیّـة المنکشفـة من الأحکام العقلیّـة بقاعدة الملازمـة تـتبع فی السعـة والضیق مناط تلک الأحکام العقلیّـة ، ولا یعقل أن تکون ثابتـة بملاک آخر ، فإذا کان الملاک للحکم بالتخیـیر هو القطع بعدم ترجیح أحدهما علی الآخـر فی العلم ونحوه فکیف یمکن أن یکون الحکم الشرعی ثابتاً مع وجود ما یحتمل کونـه مرجّحاً أعنی الفضل فی أحدهما ، مع أنّـه تابع للحکم العقلی مستکشفاً منـه ، فالتخیـیر المستصحب ممّا یقطع بعدمـه مع تحقق الفضل فی أحدهما ، والتخیـیر فی زمان الشکّ علی تقدیره کان حکماً آخر حادثاً فی ذلک الزمان ولا یکون مستـتبعاً للحکم العقلی ، والجامع بین التخیـیرین لا یکون مجعولاً شرعاً ولا مترتّباً علیـه أثر شرعی کما ذکرناه مراراً ، فلا موقع لاستصحابـه .
کتابمعتمد الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 438